اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة القبس الإلكتروني
نشر بتاريخ: ٢٥ تشرين الأول ٢٠٢٥
حصة المطيري -
أكد الخبير الاقتصادي علي الرشيد البدر أن الكويت تُعد من الدول ذات الاقتصاد الحر، شأنها شأن الاقتصادات الحرة حول العالم التي تقوم على حركة تنمية قوية بأسلوب ذكي، يهدف لرفع الإنتاج القومي وتوفير فرص عمل للمواطنين وتخفيف الأعباء عن الدولة.
وأشار إلى أن الكويتيين، منذ نشأة الدولة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، كانوا عماد العمل والإنتاج، لكن خلال السنوات الأخيرة طغى دور الدولة على الأفراد وأصبحت الإدارة الحكومية تدير أغلب النشاط الاقتصادي.
وأوضح أن الثروة البشرية هي أساس التنمية، وليست الخطط أو المؤسسات، وأن دور الدولة في الاقتصاد المفتوح يجب أن يقتصر على الأمن والعدالة والواجبات السيادية، بينما تطوير الاقتصاد مسؤولية المواطنين والقطاع الخاص.
واضاف البدر: الدولة كانت سابقاً تكتفي بتحصيل الإيرادات من الأنشطة التجارية، أما اليوم فهي تدير أكثر من 70% من الاقتصاد، وهو ما اعتبره اختلالاً في التوازن بين القطاعين العام والخاص.
جاءت تصريحات البدر خلال لقاء في برنامج «القبس الاقتصادي»، الذي يُعرض على منصات «القبس الإلكترونية»، وتقدّمه الزميلة حوراء غالب.
أكد البدر أن الدولة ليست مطالبة بمنافسة القطاع الخاص في مهامه، بل بدعمه وتشجيعه وحلّ مشاكله، قائلاً: على الحكومة أن تكتفي بتحصيل الضرائب، وتمنح القطاع الخاص فرص العمل والإنتاج، فدورها يجب أن يكون تحفيزياً وتنظيمياً لا إدارياً.
وقال البدر إن ضمان الدولة وظيفة لكل مواطن أدى إلى تضخم الجهاز البيروقراطي وضعف الكفاءة، في حين يفترض أن يقتصر دورها على القطاعات السيادية كالرقابة والدفاع والأمن.
وتابع: أن الحكومات في الدول المتقدمة لا تشارك في النشاط الاقتصادي بل تتركه للقطاع الخاص، وتزيد إيراداتها عبر الضرائب وتنويع الدخل كما تفعل بقية دول العالم.
فالاقتصاد الناجح – كما يوضح البدر – يقوم على ثلاثة عناصر رئيسية: الإدارة، والأرض، ورأس المال البشري، ومع امتلاك الحكومة إيرادات النفط، لا مبرر لأن تنافس القطاع الخاص، بل الأجدر بها أن تهيئ البيئة وتشجع على الإنتاج بدلاً من المشاركة فيه.
المساهمة فــي التنمية
فيما يتعلق بمساهمة المواطنين في الاقتصاد، قال البدر إن الحكومة أنشأت شركات تجارية في قطاعات عدة وطرحتها على المواطنين للاستثمار والمشاركة فيها، مثل مشروع البورصة الذي اكتتب فيه الناس بهدف الاستثمار والمساهمة في التنمية.
وأوضح أن نظام الـBOT من أكثر الأنظمة إجحافاً للاقتصاد الكويتي، إذ يُلزم المستثمرين بإعادة المشروع للدولة بعد 30 سنة، ما يوقف عجلة الإنتاج ويضعف الحافز للاستثمار طويل الأمد، ويعيد دورة البحث عن مستثمرين من جديد دون نمو حقيقي. مضيفاً: عندما تنتهي المدة، تُعاد الكرة من جديد وتبدأ الحكومة بالبحث عن مستثمرين آخرين، وهنا يتوقف النمو ويتراجع الاستقرار الاقتصادي.
رؤية اقتصادية
وفيما يتعلق بالرؤية الاقتصادية للبلد، شدد البدر مرة أخرى على أن دور الدولة يجب أن يقتصر على تشجيع المواطنين ورجال الأعمال على الاستثمار داخل البلاد عبر تسهيلات تنظيمية وتمويلية، لا من خلال منافستهم في المشاريع.
وزاد: أن مهمة الحكومة ليست تغطية خسائر القطاع الخاص، بل تهيئة البيئة الاستثمارية المناسبة، مستشهداً بموقف الشيخ عبدالله السالم الذي دعم تأسيس أول بنك كويتي بمنح رخصة ووديعة مؤقتة أعيدت بعد نجاح المشروع.
وقال على الدولة ان تركز على وظائفها الأساسية كالأمن والصحة والتعليم، لأن مشاركتها المباشرة في الاقتصاد تعرقل التنمية، مشيراً إلى أن تجربة «إيرباص» مثال على نجاح الشراكة حين يقودها القطاع الخاص بدعم حكومي منظم.
تطوير الخدمات
وفي حديثه عن تطوير الخدمات، عرّج علي الرشيد البدر على توصيات مجلس التخطيط خلال السنوات الماضية، مؤكداً أهميتها خاصة في مجال التعليم.
وأشار إلى أن معظم الأسر الكويتية القادرة تُدخل أبناءها المدارس الخاصة التي أثبت خريجوها تميزهم عالمياً، ما يستدعي دعم الجامعات الخاصة ومنحها أراضي داخل المناطق السكنية مقابل ضريبة على أرباحها.
وأضاف أن نجاح التعليم الخاص يمكن تطبيقه على القطاع الصحي، عبر إدارة المستشفيات الجديدة بنظام الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص، بحيث تملك الحكومة 20 إلى 30% ويُطرح الباقي للاكتتاب كما حدث في بورصة الكويت.
وأوضح أن هذا النموذج يتيح فرص عمل ويحقق دخلاً للدولة من الضرائب، مشيراً إلى أن من بين التوصيات أيضاً تحمّل الحكومة جزءاً من التأمين الصحي للمواطنين، على أن يُموَّل من أرباح الشركات المقامة على أراضٍ حكومية طويلة الأمد
ميزانية الدولة
أما فيما يتعلق بالدين العام، قال البدر إن اقتراض الدولة 11 مليار دولار أمر مقلق، خصوصاً أن هذه الأموال تُوجَّه إلى مشاريع يمكن خصخصتها أو إشراك القطاع الخاص فيها.
وأضاف: إن نحو 80% من أراضي الدولة غير مستغلة، ويمكن استثمارها عبر القطاع الخاص مقابل ضرائب على الأرباح، بدلاً من الاعتماد على الإنفاق الحكومي.
وأكمل: أن النهج القائم على تحمّل الدولة كل الأعباء دون شراكة حقيقية سيجعل المستقبل صعباً، إذ تُنفق القروض الحالية على مدارس ومستشفيات ومرافق لا تدر دخلاً فعلياً.
وبيّن البدر أن النشاط الحكومي يتركز اليوم على المعاشات والمصاريف الجارية دون مردود مادي حقيقي، وهو مسار غير قابل للاستمرار.
وأوضح: إن استمرار هذا النهج سيجبر الدولة خلال 15 عاماً على اقتراض جديد، لأن ما يجري اليوم هو إنفاق استهلاكي، بينما المطلوب إنفاق إنتاجي يخلق قيمة مضافة ويحقق استدامة مالية.
يرى علي الرشيد البدر أن الجو العام الحالي ملائم تماماً لأن تتخذ الحكومة خطوات إصلاحية جادة تصب في مصلحة البلاد، مشيراً إلى أن «الوقت لم يفت بعد، وما زالت أمامنا فرصة لتدارك الأوضاع، بشرط أن يكون عنوان المرحلة المقبلة هو العمل الجاد والإدارة الرشيدة».
ويضيف أن أولى الأولويات هي إقناع المواطنين ورجال الأعمال بتوجيه أموالهم نحو الاستثمار داخل الكويت، لأن رأس المال الوطني هو المحرك الحقيقي لأي تنمية اقتصادية مستدامة.
ويشير البدر إلى أن كل مشروع يدر دخلاً على الدولة ويقلل اعتمادها على الإيرادات الخارجية يُعد مشروعاً منتجاً يستحق الدعم، مؤكداً أن الكويت تمتلك مصانع قادرة على تلبية جزء كبير من احتياجاتها المحلية، وقد نجحت بالفعل العديد من المشاريع الصناعية في تعويض الواردات.
ولفت إلى أن هذه المصانع تحتاج إلى دعم حكومي مباشر من خلال تسهيل الإجراءات، وتطوير التشريعات، وتوزيع الأراضي الصناعية بعدالة وذكاء. ويقترح أن تُمنح المصانع أراضي بأسلوب منظم، على أن تُحصّل الدولة ضرائب من أرباحها، بحيث يزداد دخل الدولة كلما ارتفعت أرباح القطاع الصناعي.
الشقق يجب أن تكون جزءاً أساسياً من الرعاية السكنية
في جانب الرعاية السكنية، قال البدر إن كل عملية تجارية تقوم بها الحكومة يجب أن تُحال إلى القطاع الخاص، الرعاية السكنية تُعد من أهم الأنشطة المرتبطة بحياة الناس، لكنها في الوقت نفسه مكلفة جداً على الدولة.
وأشار إلى أن المساحة الممتدة من الأحمدي حتى النويصيب تُطل على البحر وتضم مناطق واسعة غير مستغلة، وكان الأولى تشجيع القطاع الخاص على تطويرها عبر منحهم الأراضي لإقامة أبراج سكنية على غرار ما حدث في دبي، بحيث تكون تكلفة البناء العبء الوحيد على المطور العقاري.
وتابع: إن نظام الشقق يجب أن يكون جزءاً أساسياً من الرعاية السكنية، مستشهداً بتجربة سويسرا التي تُعد من أغنى دول العالم، ومع ذلك يسكن نحو %70 من سكانها في شقق، ما يدل على أن جودة السكن لا ترتبط بنوعه بل بكفاءة تخطيطه وإدارته.
تحسين التصنيف السيادي للكويت.. ليس الأهم
عرّج البدر على موضوع التصنيف السيادي موضحاً أن فكرته تقوم على إقناع العالم بقدرة الدولة على السداد في حال قررت الاقتراض.
وقال إن تحسين التصنيف السيادي ليس هو الأهم بالنسبة للكويت، بل الأهم أن يكون الاقتصاد منتجاً وقادراً على خلق القيمة، فعندها سيتعامل معنا العالم بثقة بغضّ النظر عن مستوى التصنيف.
مستثمرون كويتيون يتجهون إلى الخارج
قال البدر إن الاعتماد المفرط على الدولة في النشاط الاقتصادي جعل المستثمرين الكويتيين يتجهون إلى الخارج، بينما التجارب الناجحة مثل شركة أجيليتي أثبتت أن رفع يد الحكومة وتمكين القطاع الخاص يؤديان إلى نمو حقيقي ومستدام.
عدم الخصخصة قد يدفع الدولة مستقبلاً إلى الاقتراض
تطرق البدر إلى صندوق الأجيال، قائلاً إن الكويت اضطرت بعد الغزو إلى الاقتراض من صندوق احتياطي الاجيال القادمة ما يقارب 20 مليار دينار بدلا من الاقتراض من الخارج، وتم لاحقا سداد القرض بالكامل.
واضاف: إن عدم تطبيق الخصخصة قد يدفع الدولة مستقبلاً إلى الاقتراض مجدداً من الصندوق، لكن بشرط عدم إساءة استخدام أمواله، لأنه أنشئ لحماية حقوق الأجيال القادمة وليس للإنفاق الجاري.


































