اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة القبس الإلكتروني
نشر بتاريخ: ٢٣ تشرين الأول ٢٠٢٥
فيصل مطر -
في قلب منطقة حولي، يقف مجمع الرحاب كأحد المعالم التجارية القديمة، التي تحكي فصلًا من ذاكرة الكويت التقنية، فهو المكان الذي كان يومًا ما يعجّ بالزوار والصفقات وصخب الممرات الضيقة، ولكنه اليوم تغيّر إيقاعه، فخفّ ضجيجه، وهدأت خطوات مرتاديه، لكن أجواءه القديمة ظلت كما هي، حافظة عبق الزمن الذي صنع شهرته.
في الماضي، كان مجمع الرحاب الوجهة الأولى لعشّاق الألعاب الإلكترونية، والمكان الوحيد الذي يمكن أن يجد فيه الزائر كل جديد قبل أن يظهر في أي مكان آخر، وكانت محاله تبيع أقراص الألعاب «سي دي» والأجهزة الحديثة، وتقدّم خدمات البرمجة وصيانة أجهزة الألعاب القديمة مثل «نينتندو» و«سيغا».
تغيَّر الزمن
يقول أبو محمود، أحد الباعة القدامى «الزمن تغيّر... في السابق، حين تصدر لعبة جديدة، كان الناس يصطفون طوابير طويلة لشرائها، أما اليوم فالأمر لا يتعدى ضغطة زر لتحميلها عبر الإنترنت»، مضيفا وهو يبتسم: «حتى الأطفال لم يعودوا كما كانوا، فهم يشترون ألعابهم من منازلهم، ويدفعون إلكترونيًا ليحصلوا عليها في دقائق معدودة».
لم يكن التحوّل مفاجئًا، بل جاء تدريجيًا مع تطوّر الإنترنت وانتشار المنصات الرقمية للألعاب، ومع مرور الوقت، اختفت مشاهد التجمّع والانتظار أمام المحال، غير أن مجمع الرحاب ما زال يحتفظ بجاذبيته لفئات معيّنة من الزبائن.
يقول أبو حسام، صاحب أحد المحال الشهيرة للألعاب في الطابق الأول: «صحيح أن الإقبال تراجع، لكنه لم يتوقف. الناس اليوم يأتون من أجل الصيانة والبرمجة وتركيب أنظمة الألعاب على أجهزة الكمبيوتر. هناك محال متخصصة بملحقات اللعب كالكراسي وأجهزة التحكم ولوحات المفاتيح وحتى الإضاءة الخاصة بغرف اللاعبين».
مبرمجون وهواة
في أروقة المجمع تنتشر ورش صغيرة للبرمجة وصيانة الأجهزة، يعمل فيها شبان يمتلكون خبرة تقنية متنامية، يقول سيف، أحدهم: «الزبائن أصبحوا أكثر وعيًا، فهم يبحثون عن أجهزة قوية وبرامج معدّلة تناسب احتياجاتهم. الخبرة التقنية اليوم أهم من البيع نفسه»، ويضيف: «في السابق كانوا يأتون لشراء أقراص الألعاب، أما الآن فيقصدوننا للصيانة أو التحديث والتطوير».
ورغم التحوّل الرقمي، لا يزال بعض الزوار يعودون إلى مجمع الرحاب بدافع الحنين أو للبحث عن شيء نادر. يقول عبدالله العنزي، أحد الزوار الدائمين: «أزور الرحاب حتى إن لم أكن أنوي الشراء، فالمكان يحمل عبق الماضي، أرى فيه ألعابًا وأجهزة تعاملت معها قبل سنوات طويلة».
نبض قديم في زمن جديد
لم يعد مجمع الرحاب مزدحمًا كما كان في السابق، لكن ممراته لا تزال تنبض بحركة متقطعة، وواجهاته تضيء بألوان الشاشات وقطع الإضاءة المنزلية، إذ يضم المجمع أيضًا محال متخصصة في الإضاءة والمستلزمات الكهربائية المنزلية. محاله الصغيرة تقاوم الزمن، تجمع بين رائحة الماضي وتقنيات الحاضر، وتوازن بين البيع التقليدي وخدمات البرمجة الحديثة.
ورغم تغيّر كل شيء من حوله، ما زال الرحاب يحتفظ بهويته الشعبية ودفء العلاقة بين البائع والزبون، في زمنٍ أصبحت فيه التجارة رقمية والعلاقات افتراضية.
من زمن الأقراص والازدحام إلى عصر التحميل السريع والدفع الإلكتروني، تغيّر مجمع الرحاب كثيرًا، لكنه لم يفقد روحه. فبين محال الإضاءة وملحقات اللعب وورش البرمجة، يواصل هذا السوق العريق سرد قصته بصوتٍ أقل ضجيجًا، لكنه أكثر عمقًا.. قصة مكانٍ قاوم النسيان، وظلّ رمزًا لجيلٍ عاش أجمل لحظاته بين أروقة التكنولوجيا الأولى.


































