نائبة وزير خارجية ليتوانيا لـ الجريدة•: الكويت شريك موثوق وصوت متزن

• تتولى الكويت حالياً رئاسة مجلس التعاون الخليجي... إلى أي مدى ترين أن هذه الرئاسة يمكن أن تساهم في تعميق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والمجلس؟

- تمثل رئاسة الكويت لمجلس «التعاون» فرصة مهمة لتعميق وتوسيع الحوار بين الاتحاد الأوروبي والمجلس. وتُقدّر ليتوانيا الدور البنّاء والمتوازن الذي تؤديه الكويت إقليميًا، وقدرتها على تعزيز التعاون داخل الخليج وفي المجتمع الدولي الأوسع.

تتمتع الكويت بتقليد راسخ في الوساطة والحوار بين الشركاء الإقليميين، مسترشدة بسياسة خارجية معتدلة والتزام صادق بالاستقرار. وهذا ما يجعلها مؤهلة تمامًا لقيادة مجلس التعاون في وقت يسعى كل من الاتحاد الأوروبي ودول الخليج إلى تعزيز التعاون في مجالات متعددة.

نعتقد أن رئاسة الكويت يمكن أن تمنح دفعة حقيقية للمبادرات المشتركة في المجالات التي تتقاطع فيها أولويات الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون بوضوح، مثل الطاقة المتجددة، والأمن الغذائي، والابتكار. كما تتيح فرصة لتوسيع الحوار المنهجي ليشمل قضايا الأمن والاستقرار الإقليمي والتعاون الإنساني، إلى جانب القضايا الاقتصادية.

وفي هذا السياق، يُعد الاجتماع الوزاري المشترك بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي الذي استضافته الكويت، منصة مهمة لتمهيد الطريق أمام قمة الاتحاد الأوروبي – الخليج على مستوى القادة في الرياض العام المقبل. ونحن نعمل جاهدين لضمان أن تسفر اجتماعات الكويت عن نتائج ملموسة تضع الأساس لشراكة أكثر طموحًا بين المنطقتين.

• ما الدور الذي يمكن أن يؤديه الاتحاد الأوروبي بالاشتراك مع الكويت ودول الخليج في دعم الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط؟

- يُعتبر الاتحاد الأوروبي ودول الخليج شركاء طبيعيين في تعزيز الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، إذ يمتلك كل منهما نقاط قوة متميزة لكنها متكاملة: الاتحاد الأوروبي بخبرته الدبلوماسية العالمية، وتجربته في الوساطة، والتزامه بالحلول المتعدد الطرف، ودول الخليج بفهمها العميق للمنطقة، ومصداقيتها، وقدرتها على التحرك المباشر على الأرض.

ومن خلال العمل المشترك، يمكننا مضاعفة التأثير عبر خلق مساحة للدبلوماسية وخفض التصعيد وحل النزاعات بالوسائل السلمية. كما يمكن لتعاون أعمق بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون أن يشكل جسراً بين الخليج والمشرق وشمال إفريقيا، مما يعزز الحوار الإقليمي الأوسع، ويقلل التوترات، ويبني أسس سلام واستقرار دائمين.

• كيف يمكن لتعاون الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون تعزيز الاستجابة للأزمات الإقليمية مثل الحرب في اليمن أو التوترات في مضيق هرمز؟

- يستطيع الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي إحداث فرق حقيقي عندما يتحركان معًا. تبدأ الخطوة الأولى بتوحيد الجهود الدبلوماسية والتحدث بصوت واحد من أجل خفض التصعيد واحترام القانون الدولي. فعندما تتوحد رسائل أوروبا والخليج، يمتلكان النفوذ اللازم لدفع الأزمات نحو الحل وليس التصعيد.

أما الركيزة الثانية فهي الاستجابة الإنسانية. إذ يُعد الاتحاد الأوروبي من أكبر المانحين للمساعدات في اليمن، في حين توفر دول الخليج قدرات لوجستية وموارد مالية وشبكات إقليمية لا مثيل لها. ويؤدي العمل المشترك إلى تسريع وتنسيق وتفعيل المساعدات بشكل أفضل لخدمة المحتاجين.

والركيزة الثالثة تتعلق بأمن الطاقة والاقتصاد. فحماية الممرات البحرية عبر مضيق هرمز وضمان سلاسل إمداد آمنة ومستقرة تصب في مصلحة جميع الأطراف.

• كيف تنظر ليتوانيا، بصفتها دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، إلى آفاق تعزيز التعاون بين الاتحاد الأوروبي ومجلس «التعاون»، لا سيما في مجالات الطاقة المتجددة، والتكنولوجيا، والأمن الغذائي؟

- يتقاسم الاتحاد الأوروبي ودول الخليج العديد من الأولويات المشتركة، بدءاً من التحول في مجال الطاقة، وصولاً إلى الابتكار والأمن الغذائي. والعمل المشترك بين الجانبين منطقي من الناحيتين الاقتصادية والاستراتيجية.

ليتوانيا ملتزمة التزاماً قوياً بالتحول الأخضر. ففي عام 2023 شكّلت مصادر الطاقة المتجددة أكثر من%32 من إجمالي استهلاكنا للطاقة، ونسعى للوصول إلى%55 بحلول 2030. أما في مجال الكهرباء، فنحن نسير بخطى ثابتة نحو تحقيق نسبة%100 من الطاقة الخضراء بحلول عام 2028. وتُعد طاقة الرياح البحرية خطوتنا الكبيرة التالية، إذ يُخطط لإنشاء مزارع رياح بطاقة 1.4غيغاواط في بحر البلطيق بحلول عام 2035. لذلك، نرى إمكانات كبيرة للتعاون مع دول مجلس التعاون التي تستثمر بدورها بكثافة في الهيدروجين والتقنيات النظيفة. وبالعمل المشترك، يمكن للاتحاد الأوروبي ودول الخليج أن يحققا تقدمًا في الأهداف المناخية، والابتكار، وأمن سلاسل التوريد في مجال الطاقة.

وفي مجال الزراعة والأمن الغذائي، تستطيع ليتوانيا ودول الاتحاد الأوروبي الأخرى تقديم منتجات عالية الجودة وحلول متقدمة في التكنولوجيا الزراعية، بما يساهم في تحقيق الاستدامة والمرونة عبر المناطق. هذه مجالات طبيعية تتقاطع فيها مصالحنا، ويمكن أن تثمر تعاونًا ملموسًا ومستدامًا.

•... وماذا عن الأمن السيبراني والدفاع في ضوء التحديات التي أبرزتها الحرب في أوكرانيا؟

- نعم، نرى إمكانات كبيرة في هذا المجال. لقد أظهرت الحرب في أوكرانيا بوضوح أن الصراعات الحديثة لم تعد مقتصرة على ميادين القتال التقليدية، بل تمتد إلى الفضاء الإلكتروني وبيئة المعلومات. تواجه كل من أوروبا ودول الخليج تهديدات متشابهة: من الهجمات السيبرانية على البنى التحتية الحيوية إلى حملات التضليل الواسعة النطاق، وصولًا إلى الطائرات المسيّرة المعادية التي عطلت المجال الجوي الأوروبي وأجبرت بعض المطارات على الإغلاق موقتًا.

وتُظهر هذه المخاطر مدى ترابط بيئاتنا الأمنية، وتؤكد أهمية تعزيز التعاون بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي. تمتلك أوروبا خبرة كبيرة في تطوير المرونة السيبرانية والأطر التنظيمية والحلول التقنية المتقدمة، بينما تقدم دول الخليج قدرات ابتكارية وموارد كبيرة وسرعة ملحوظة في تبني التقنيات الجديدة.

• ما أبرز مجالات التعاون بين ليتوانيا والكويت، خصوصاً في ضوء رئاسة الكويت الحالية لمجلس التعاون؟

- تربط ليتوانيا والكويت صداقة طويلة الأمد تقوم على الاحترام المتبادل وحسن النية الصادقة. وقد تعززت علاقتنا على مدى العقود الثلاثة الماضية، وستظل الكويت بالنسبة إلينا شريكًا مميزًا. فبعد فترة قصيرة من استعادة ليتوانيا استقلالها، كانت الكويت من أوائل الدول التي مدّت يد الدعم، مقدمة منحاً لتعلم اللغة العربية وفرصاً للتبادل الثقافي. وما زلنا ممتنين لهذه المبادرات التي تستمر حتى اليوم، وتُبقي الروابط بين شعبينا حية وذات مغزى.

نتطلع اليوم أيضاً إلى استقبال المزيد من الطلبة الكويتيين في ليتوانيا. فجامعاتنا تقدم برامج دراسية عالية المستوى وتنافسية، خاصة في مجالات الطب والتكنولوجيا والهندسة، وتُعرف بتوجهها التقدمي ومعاييرها الأكاديمية الرفيعة. ونرى في التعليم أحد أكثر أشكال الشراكة عمقًا واستدامة.

أما على الصعيد السياسي، فقد اكتسب الحوار بين بلدينا زخماً جديداً. وشكّلت المشاورات السياسية الثنائية التي عُقدت في فيلنيوس في يوليو الماضي خطوة مهمة إلى الأمام، حيث تم خلالها توقيع مذكرة تفاهم لإجراء مشاورات سياسية منتظمة، مما فتح فصلاً جديداً من التعاون الوثيق بين بلدينا. وهناك بالتأكيد مجال لتوسيع التعاون في القطاعات التقليدية والجديدة على السواء كالأغذية والزراعة المستدامة مثلاً.

في الوقت نفسه، تتطلع ليتوانيا إلى التعاون مع الكويت في الطاقة المتجددة والابتكار والبحث العلمي وتكنولوجيا الفضاء، وهي مجالات نحرز فيها تقدماً سريعاً.

كما نرى فرصاً للعمل المشترك في دعم الجهود الإنسانية أو إعادة الإعمار في مناطق أخرى، بما يجسد التزامنا المشترك بالسلام والاستقرار والتنمية المستدامة.

وتُقدّر ليتوانيا الكويت كشريك موثوق ومتفهم للمستقبل، ونحن مستعدون لبناء شراكة قائمة على الثقة والابتكار والمسؤولية المشتركة من أجل مستقبل أفضل.

• كيف تنظرون إلى الوضع الراهن في غزة وإسرائيل؟ وما الدور الذي يمكن أن يؤديه الاتحاد الأوروبي بالتعاون مع دول الخليج في الدفع نحو حل عادل ومستدام؟

- يتقاسم الاتحاد الأوروبي ودول الخليج وجهات نظر متقاربة إزاء العديد من التحديات الراهنة. فكما أن مأساة أوكرانيا تهمّ دول الخليج بعمق، فإن معاناة الشرق الأوسط قريبة من وجدان الاتحاد الأوروبي.

تتابع ليتوانيا بقلق بالغ الوضع الإنساني المدمّر في غزة. ونحن نبذل كل ما بوسعنا لمساعدة المحتاجين، من خلال تقديم المساعدات الإنسانية لتخفيف معاناة المدنيين. ونواصل الدعوة إلى احترام القانون الإنساني الدولي من جميع الأطراف. فلا أحد يجب أن يواجه المجاعة أو خطر الجوع. فهذا أمر غير مقبول إطلاقاً.

ونأمل بصدق أن تنجح المبادرة التي يقودها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم في غزة وضمان الإفراج عن جميع الرهائن. مثل هذا الاتفاق سيفتح الطريق لإنهاء الأزمة الإنسانية وإعادة الأمل إلى من عانوا من ويلات لا توصف. إن دعم كل من مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي لهذه المبادرة الأميركية يمنحنا سبباً للتفاؤل بإمكانية تنفيذها بالكامل.

وعلى المدى الطويل، يتفق الجانبان – الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون – على أن الحل المستدام الوحيد للسلام والاستقرار هو حل الدولتين، القائم على القانون الدولي، والذي يضمن الأمن والتطلعات المشروعة لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين.

وقد أكدت ليتوانيا هذا الموقف في المؤتمر الدولي الذي عُقد في نيويورك في سبتمبر الماضي (برئاسة مشتركة بين السعودية وفرنسا) والمخصص لدفع تنفيذ حل الدولتين.