اخبار الكويت
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ١٦ أيلول ٢٠٢٥
يوسف حمود - الخليج أونلاين
البديوي:مكافحة المخدرات مسؤولية جماعية، تتطلب عملاً تكاملياً، وجهداً مستداماً، وتعاوناً وثيقاً بين الحكومات والمجتمعات والأفراد.
تشهد دول الخليج منذ سنوات تصاعداً مقلقاً في مؤشرات الخطر المرتبط بتجارة المخدرات الصناعية، خاصة الكبتاغون والميثامفيتامين، مع توسع مسارات التهريب عبر المنافذ البحرية والبرية والجوية.
وقد دفعت هذه التحديات المتنامية العواصم الخليجية إلى تبني مقاربة جماعية طويلة الأمد تتجاوز الإجراءات المتفرقة، لتستند إلى تنسيق مؤسسي وأمني وصحي واجتماعي متزامن، في وقتٍ تؤكد تقارير أممية أن سوق المنشطات في غرب آسيا يتكيّف بسرعة مع إجراءات الضبط، ما يزيد من صعوبة التصدي لهذه التجارة غير المشروعة.
وترى الحكومات الخليجية أن المخدرات لم تعد مجرد جريمة جنائية، بل تهديد استراتيجي يمس الأمن المجتمعي والاقتصادي ويضغط على الموارد المالية والبشرية، ولذلك تعمل بكل طاقاتها على محاربة هذه الآفة ومنع وصولها إلى أراضيها، وسن قوانين صارمة تصل إلى الإعدام للمتاجرين بها.
استراتيجية حديثة
مع التحولات الإقليمية التي ساهمت في تسهيل عمل الشبكات العابرة للحدود، أقرت دول مجلس التعاون الاستراتيجية الخليجية لمكافحة المخدرات 2025-2028 بإشراف الأمانة العامة للمجلس، كإطار موحد يهدف إلى تقليص العرض والطلب، وتجفيف المنابع، وتحديث التشريعات، وتعزيز بناء القدرات والتنسيق المعلوماتي بين الدول الأعضاء.
وتشمل الاستراتيجية الخليجية تطوير نظام رصد وطني مشترك يتيح للدول تبادل البيانات لحظة بلحظة، ومكافحة غسل عائدات الجريمة، وتوسيع التدريب الأمني والشرطي، إلى جانب تحديث القوانين لملاحقة أنماط الاتجار الحديثة التي تستغل التقنيات الرقمية ومسارات 'الترانزيت'.
وأكد الأمين العام لدول مجلس التعاون الخليجي، جاسم البديوي (26 يونيو)، أن مكافحة المخدرات مسؤولية جماعية، تتطلب عملاً تكاملياً، وجهداً مستداماً، وتعاوناً وثيقاً بين الحكومات والمجتمعات والأفراد.
ولفت إلى أن الأمانة العامة لمجلس التعاون ماضية في دعم وتنفيذ هذه الاستراتيجية، وتعزيز أوجه التعاون والتنسيق، وتبني المبادرات لبناء مجتمعات آمنة، خالية من آفة المخدرات، وقادرة على حماية أبنائها من المخاطر المستقبلية.
أرقام كبيرة
وتشدد دول مجلس التعاون الخليجي على أولوية مكافحة المخدرات، وتبذل جهوداً كبيرة في مكافحتها، ما يشير إلى الأرقام الكبيرة التي تضبطها، ففي الإمارات تُظهر إحصاءات وزارة الداخلية للعام 2023 ضبط 29.7 طناً من المخدرات، وتسجيل 8,300 بلاغ، وإيقاف 11,988 متهماً في قضايا مرتبطة بالمخدرات.
هذه البيانات الرسمية التي أُعلنت في يونيو 2024 تعكس حجم التحدي الميداني، إذ تشهد الأجهزة الأمنية تزايداً ملحوظاً في حجم القضايا وتشابكها مقارنة بالسنوات السابقة، حيث تُظهر هذه الأرقام الضغط التشغيلي الكبير الذي تتحمله الفرق الجمركية، وتوضح أن التدفقات المستمرة تتطلب تحديثاً دائماً في أدوات الكشف.
واحدة من أبرز الضبطيات تمثلت في عملية سبتمبر 2023 التي كشفت عن 86 مليون قرص كبتاغون (تزن أكثر من 13 طناً) أخفيت داخل أبواب وألواح زخرفية وشُحنت عبر ميناء جبل علي، بقيمة تتجاوز مليار دولار.
أما في الكويت فقد أعلنت وزارة الداخلية، في 2023، عن ضبط 3.57 أطنان من المواد المخدّرة وأكثر من 25 مليون حبة مؤثر عقلي، إلى جانب تسجيل مئات القضايا المرتبطة بالإدمان والاتجار.
غير معلنة
في المقابل، لا تنشر السعودية والبحرين وقطر وعُمان إحصاءات إجمالية علنية تغطي عامي 2023–2024، على الرغم من نشرها بيانات فردية باستمرار لعمليات ضبط المخدرات.
وتقول الأمم المتحدة في تقريرٍ لها إن السلطات المختصة في دول مجلس التعاون الخليجي ضبطت 39 مليون قرص من الكبتاغون، وفق تقديرات العام 2023، معتبرة أن هذه الظاهرة موجودة بشكل متباين في دول المجلس، وخطورتها تكمن في أنها تركز على الفئة العمرية من 18 إلى 24 سنة.
وتمنح هذه الإحصائيات صورة كمية نادرة في المنطقة، وتساعد على فهم أعمق لمستوى التحدي في بيئة سكانية أصغر حجماً مقارنة بجيرانها.
البعد الصحي والاجتماعي
تعتمد الاستراتيجية المعلنة على رؤية شمولية تعترف بالإدمان كحالة صحية-اجتماعية تتطلب استجابة متعددة الأبعاد، تشمل العلاج وإعادة الإدماج إلى جانب الردع.
وتعمل الدول الخليجية على إطلاق حملات مدرسية وجامعية لتعزيز الوعي المبكر، وتوفير أدوات كشف أولي للكشف عن المواد الصناعية، إلى جانب تدريب الطواقم الطبية والنفسية للتعامل مع حالات الإدمان.
وتحذر تقارير أممية من أن سوق المخدرات الصناعية يتطور بوتيرة أسرع بكثير من الطلب على المخدرات التقليدية، ما يستدعي تحديثاً مستمراً للمواد التوعوية ووسائل العلاج.
وتبنت بعض الدول الخليجية برامج إدماج للتثقيف حول المخاطر ضمن المناهج المدرسية، إلى جانب تطوير قواعد بيانات سريرية تراعي الخصوصية وتساعد على تتبّع أنماط التعاطي، خاصة بين الفئات الشابة.
كما يشمل التعاون الخليجي في هذا المحور تبادل الخبرات العلاجية وإنشاء مراكز متخصصة لإعادة التأهيل، بحيث يمكن للدول الأقل تجهيزاً أن تستفيد من الخبرات الطبية المتراكمة لدى نظيراتها، حيث تعمل الخطة على إدخال مؤشرات قياس مشتركة لمدى فعالية برامج العلاج، ما يساعد على مقارنة الأداء بين الدول الأعضاء بشكل دوري.
الأبعاد الاقتصادية
لا تقتصر أضرار تجارة المخدرات على الجانب الصحي والاجتماعي فحسب، بل تمتد إلى الاقتصاد الوطني، حيث تُقدر تقارير وطنية ودولية أن الأسواق غير المشروعة تستنزف مليارات الدولارات من الموارد العامة سنوياً، سواء عبر الإنفاق الأمني والصحي أو عبر الخسائر غير المباشرة الناتجة عن انخفاض إنتاجية القوى العاملة وزيادة الضغط على الأنظمة الاجتماعية.
وتضع الاستراتيجية الخليجية مكافحة غسل عائدات الاتجار على رأس أولوياتها، حيث تسعى إلى سد الثغرات المالية التي تستغلها الشبكات عبر أنظمة مصرفية موازية أو قنوات تحويل غير رسمية.
وتعمل وحدات متخصصة في بعض الدول على تطوير أدوات متقدمة لرصد حركة الأموال المشبوهة، بالتعاون مع البنوك والقطاع المالي، ويُنظر إلى هذا البعد على أنه عنصر حاسم في تجفيف منابع التمويل التي تُبقي شبكات المخدرات ناشطة.
التعاون الدولي والإقليمي
وتوسع دول الخليج شراكاتها الدولية لمواجهة الظاهرة، عبر التعاون مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC) في مجالات الرصد والتدريب والمشروعات الخاصة بالمؤثرات العقلية الناشئة.
كما تعزز الدول قنواتها مع شركاء غربيين وإقليميين من أجل تبادل المعلومات في الوقت الفعلي حول مسارات الشحن المشبوهة.
ومع اقتراب تنفيذ الاستراتيجية، تراهن دول الخليج على خطوات تدريجية تشمل الوقاية والعلاج والردع، إلى جانب توسيع برامج التدريب المشترك بين الأجهزة الأمنية والصحية، كما تخطط لإطلاق أنظمة قياس موحّدة للأثر تعكس مدى التقدم المحقق في كل محور من محاور الاستراتيجية.
ويُنتظر أن تعزز الاستراتيجية، بحلول 2028، مكانة دول الخليج كمنطقة أكثر قدرة على مواجهة تحديات المخدرات، عبر مقاربة موحدة تتكامل فيها الأبعاد الأمنية والاقتصادية والصحية والدولية.