القانون وفاجعة مستشفى ابن الخطيب

 هادي عزيز علي

تعد جريمةً كلُّ تصرف جرّمه القانون سواء كان إيجابياً أم سلبياً كالتَرك والامتناع ، ( المادة 19 /4 عقوبات ) ، وفجيعة مستشفى ابن الخطيب تندرج تحت هذا التوصيف القانوني وقد أفرد المشرع العراقي لهكذا نوع من الأفعال عنواناً خاصاً اسماه ( الجرائم الماسة بسير العمل ) الوارد ضمن أحكام الفصل السادس من الباب السابع من قانون العقوبات وشمل في نطاق سريانه كل موظف أو مكلف بخدمة عامة ...

امتنع عمداً عن واجب من واجبات وظيفته أوعمله متى كان من شأن التَرك أو الامتناع أن يجعل حياة الناس أو صحتهم أو أمنهم في خطر وكان من شأن ذلك أن يُحدث اضطراباً أو فتنة بين الناس أو عطل مرفقاً عاماً المادة 364 . ويعد ظرفاً مشدداً عقوبته السجن مدة لا تزيدعلى عشر سنين ، إذا نجم عن الفعل تعطيل مرفق عام ، وزاد المشرع في تغليظ العقوبة وجعلها السجن بشكل مطلق إذا نشأ عن الجريمة كارثة أو موت إنسان . المادة 367 من قانون العقوبات .

لذا فإن كل أفعال الإهمال أو التقصير أو أي فعل عمدي ينطبق عليه النص المذكور يُعد جريمة سواء كان ذلك من قبل الفاعل الأصلي أو مع من تنطبق عليه أحكام الاشتراك ، وبهذا يكون عدم تأسيس أجهزة حماية في المستشفى المذكور أو عدم تصليح المعطل منها أو فقدان سلالم الطوارئ أو عدم وجود نظام للإطفاء أو عطله أو عدم وجود فريق للدفاع المدني أو وجوده مع غياب تأهيله أو حتى عدم وجود العلاج اللازم للوظيفة المخصص لها المستشفى أو قلة كفاءة كوادره أو عدم تصليح أي مرفق فيه مخصص لخدمة المرضى كل تلك الأعمال أو ترك المكلف بالقيام بها تندرج تحت وصف الجريمة تلك ، وللنص نطاق سريانه على كل الأشخاص الذين لم يدرجوا مستلزمات السلامة ضمن خطط الوزارة أو الممتنعين عن رصد الموارد المالية لها ، وهنا نكون أمام جريمة تحققت أركانها كافة ، أي ركنها المادي الفعل أو الامتناع وكذلك ركنها المعنوي القصد الجنائي ( النيّة الآثمة ) فضلاً عن ركنها الشرعي المنصوص عليه قانوناً.

هذا هو الوصف القانوني لما حدث هناك ، ولكن يجب أن نضع في الحسبان أن هذه الحدث لا يقتصر على مستشفى ابن الخطيب فان العديد من المستشفيات معرضة لذات الفعل وهذا مؤشر على خلل بنيوي يطال كل مؤسسات الدولة ومن دون استثناء لكون الأمر لا يقتصر على المستشفيات حسب ، لذا فإن المشكلة هنا ليست مشكلة قضائية أو قانونية لأن الحكم الذي سيصدره القضاء على الفاعلين ولوجاء بأقسى العقوبات فأنه لا يعطي حلولاً لأزمات استوطنت واستحكمت باعتبارها نتاج ثقافة نظام سياسي غير معني بالبرامج والخطط التي ترسم ملامح الدولة الحديثة لا بل إنه لم يدركها أصلاً ، فضلاً عن كونه يملك الخصب في إنتاج وإدارة الأزمات والمشاكل وقدرته على جعلها مستمرة ومتلاحقة ، وهو مستمر في ديمومة الهم المتواصل للمواطن في عيشه وحريته وحقوقه ولا يشعر بالحرج أبداً وهو يرى العراق يستوطن ذيول القوائم الدولية .

ابن الخطيب حالة قابلة للتكرارقطعاً ، والقضاء العراقي لا يمتلك العصا السحرية لتغيير الواقع حتى لو تدرّب قضاته على أحكام العدالة التي نادى بها أفلاطون أو ما دونه جون رولز في عدالته المنصفة أو تحصن بهيبته ووقاره واستقلاله لكون البناء المؤسسي لهذه الثقافة أكبر من حجم المؤسسة القضائية وأكبر من حجم كل المؤسسات المتصدية للفساد .

هذا النوع من الجرائم افرد له المشرع عنوانا خاصا اسماه : ( الجرائم الماسة بسير العمل ) الوارد

ما حدت من فاجعة في مستشفى الخطيب لم تكن قاصرة على المستشفى المذكور وحده بل هومؤشر على خلل بنيوي لعموم مؤسسات الدولة والدولة ذاتها بسبب ثقافة النظام السياسي الذي تأسس بعد 2003 فقد بنيّ واستقوى واستمكن ضمن تلك الثقافة بعيدا كل البعد عن الدولة ومضامينها الحديثة وبنيتها المؤسسية ، انه نظام تحكمه المنافع والمصالح والفساد والمساومات تعوزه المنهجية وغياب والبرامج وفقدان التخطيط ومدافع شرس عن اطماعه ويصفك بابشع الصفات عندما تهدد مصالحه ويهرول مسرعا الى الطائفية وموروثها الفقهي متهجدا متعبدا متمسكا باحكامها يتكأ على ابوابها كلما شعر بان ثمة خطر محدق به بغنائمه .

يبقى هذا النظام ولاّد للازمات المتلاحقة منتجا للفقر والجوع والعوز منسجما مع الفساد واثاره يضعنا دائما في اسفل قوائم التقييم التي تنظمها المؤسسات الدولية ، ولا انعتاق من هذا الوضع الا بتفعيل المباديء التي طرحتها سوح الاحتجاج وتبني مواضيعها مع تفعيل حكم القانون المتمثل في حكام الردع بشقه الخاص المتمثل في عدم افلات من يرتكب الفعل المخالف للقانون من العقاب لكي يرتدع ويكف عن مخالفة القانون مستقبلا ، المفضي الى تحقيق الردع بشقه العام المتمثل الى نتبيه الناس كافة الى عدم القيام بمخالفة القانون وما العقوبة التي طالت الاخر الا درسا عاما يلزم الكافة باحترام القانون وتقدير عواقب مخالفة نصوصه.