بابل.. حضارة تختنق تحت ركام الإهمال: بلا سياحة ولا بنى تحتية 

19 شتنبر، 2025

بغداد/المسلة:  يسفر المشهد في مدينة بابل الأثرية عن صورة قاتمة تكاد تخفي تحت ترابها أعظم حضارات البشرية، حيث يتجلى الإهمال الحكومي وقلة البنى التحتية ليجعل من الموقع التاريخي مجرد محطة عابرة للسياح لا تستغرق أكثر من ساعات قليلة قبل أن يغادروا إلى بغداد أو غيرها من المدن.

ويظهر التباين صارخاً عند مقارنة تجربة بابل بما حققته دول مثل مصر، التي حوّلت آثارها إلى رافد اقتصادي ضخم يدر مليارات الدولارات سنوياً، بينما تتراجع بابل إلى الظل بلا فنادق أو خدمات إقامة ولا حتى طرق مهيأة لاحتضان زوارها.

بابل بين الماضي العريق والحاضر المهمل

ويؤكد أحد المرشدين السياحيين في جولة أن “السائح اليوم يقضي ساعتين أو ثلاثاً داخل أطلال المدينة، يتأمل حدائق معلقة لم تعد معلقة إلا في الكتب، ثم يرحل لأنه لا يجد مكاناً يبيت فيه ولا مطعماً يليق بمقام بابل”. ويضيف المرشد بلهجة مريرة: “كيف تُترك أعظم مدينة في التاريخ بلا رعاية، بينما العالم يتسابق لاستثمار كل حجر أثري؟”.

السياحة كرافد اقتصادي مفقود

ويشرح خبير اقتصادي محلي أن السياحة باتت مورداً رئيسياً لمعظم بلدان العالم، إذ يشكل في بعض الدول أكثر من 10% من الناتج المحلي، بينما حُرم العراق من هذه النسبة بسبب الإهمال والفساد. ويشير إلى أن محافظة بابل لو جرى استثمارها بالشكل الصحيح لما احتاجت حتى إلى موازنة من الحكومة المركزية، بل لكانت خزينة قائمة بذاتها.

أصوات الأهالي والزوّار

ويشتكي أحد سكان المدينة قائلاً: “نحن نعيش بجوار إرث عالمي مدرج على لائحة اليونسكو، لكننا لم نجنِ منه إلا الغبار والازدحام. لا فنادق، لا مطاعم، ولا فرص عمل لشبابنا”.

بينما يعلّق زائر عبر منشور فيسبوكي قائلاً: “زرت بابل وكانت تجربة ساحرة للحظات ومحبطة لساعات، فالمكان بلا خدمات وكأن الزمن توقف عند سقوط الإمبراطورية”.

الطريق نحو الحل

ويطالب ناشطون محليون بإنشاء مشاريع استثمارية عاجلة، تبدأ بتأهيل الطرق، وبناء فنادق صغيرة، وتوفير مرشدين معتمدين يتحدثون بلغات أجنبية، مؤكدين أن ذلك كفيل بزيادة مداخيل المدينة وتحويلها إلى قبلة سياحية دائمة.

ويشدد أحد الأكاديميين أن “التراث لا يُصان فقط بالحماية من التدمير، بل بالاستثمار الذكي الذي يجعله مورداً مستداماً للأجيال”.

إرث عالمي على حافة النسيان

ويتضح أن بابل، رغم إدراجها على لائحة التراث العالمي في 2019، لا تزال تواجه خطر النسيان والإهمال، وكأن التاريخ يعيد نفسه بشكل مأساوي، حين تترك الحضارة العريقة فريسة لعوامل الزمن والبيروقراطية، فتتحول من أسطورة إلى أطلال تبحث عن حياة.

—

About Post Author

moh moh

See author's posts