اخبار العراق
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ١٥ تموز ٢٠٢٥
مطالب برلمانية بتوطين الصناعة وتوفير البنية التحتية والدعم السياسي والمادي والتشريعي
في ظل التحولات المتسارعة في طبيعة الحروب والتحديات الأمنية التي تواجه المنطقة، بدأت في العراق جهود وطنية لتوطين صناعة الطائرات المسيرة. وهي الخطوة التي ليست فقط محاولة لتعزيز الدفاعات الحدودية، بل تمثل مساراً استراتيجياً لإحياء الصناعة الوطنية وتوظيف الكفاءات العراقية الشابة في مجالات تكنولوجية متقدمة.
مؤشرات واعدة
وكانت هيئة التصنيع الحربي في العراق أعلنت العام الماضي، تدشين صناعة أول طائرة مسيرة استطلاعية محلية. وأجريت تجربة ناجحة لهذه الطائرة بحضور مسؤولين أمنيين وعسكريين، أبرزهم قائد قوات الحدود ورئيس هيئة التصنيع الحربي، مما عُد مؤشراً إلى بداية جادة لتحول نوعي في قدرات البلاد الدفاعية.
وصرح المتحدث باسم وزارة الداخلية وخلية الإعلام الأمني العميد مقداد ميري، بأن التجربة هدفت إلى 'دعم قوات الحدود العراقية بالتقنيات الحديثة، ورفع جاهزيتها وقدراتها في عمليات الرصد والاستطلاع وحماية الحدود'.
وأكد ميري أن الطائرة أظهرت كفاءة ميدانية في المدى والقدرة على التقاط صور دقيقة وتحليلها في الوقت الفعلي، مما يعزز إمكانات العراق لمراقبة حدوده الشاسعة، التي كثيراً ما تشكل مسرحاً لاختراقات أمنية، خصوصاً في المناطق الصحراوية والجبلية.
النائب السابق وعضو لجنة الأمن والدفاع النيابية عباس سروط، شدد في تصريحات صحافية على أن العراق أمام فرصة تاريخية لتوطين صناعة الطائرات المسيرة، واصفاً إياها بـ'المفتاح الذي سيحدد ميزان القوى في العقد المقبل'.
وقال، 'العالم يشهد تحولاً جذرياً في أساليب إدارة المعارك، ولم تعد الجيوش التقليدية وحدها قادرة على فرض السيطرة، إذ أصبحت الكسيرات العنصر الحاسم في الميدان لدقتها وكلفتها المتواضعة مقارنة بالأنظمة التقليدية'.
وأشار إلى أن العراق يمتلك مخزوناً هائلاً من العقول الشابة في الجامعات والمعاهد الهندسية، وهذه الطاقات يمكن أن توظف في بناء صناعات دفاعية محلية إذا ما تم توفير البنية التحتية والتشريعات الحامية والدعم السياسي والمادي الكافي.
متعددة الاستخدامات
بحسب المحلل العسكري اللواء المتقاعد علي حسين، تمثل الطائرات المسيرة مستقبل المعارك غير المتكافئة، حيث تعوض النقص العددي والتقني في الجيوش، وتقلل من الأخطار البشرية في المهام الاستطلاعية والهجومية.
ويوضح حسين أن المسيرات تلعب اليوم دوراً محورياً في سبعة مجالات رئيسة، منها الاستطلاع والمراقبة الحدودية، ودعم العمليات العسكرية المباشرة، ورصد وتوثيق التحركات الإرهابية، وحماية المنشآت الحساسة (معسكرات، مطارات، محطات كهرباء)، وتقديم الإسناد في الظروف الجوية القاسية، والاستخدام في الكوارث الطبيعية والحرائق، وتطبيقات مدنية في الزراعة والتخطيط الحضري.
ويضيف، 'العراق يمكن أن يكون لاعباً مهماً في هذه الصناعة، شريطة أن يتحول من الاستيراد إلى الإنتاج، وأن يستثمر في البنية البحثية بدلاً من الاتكال على الدول المصنعة'.
لكن طريق التوطين ليس سهلاً، إذ يواجه العراق تحديات متعددة أبرزها ضعف التمويل، وقصور التشريعات، وتشتت الجهود المؤسسية.
يرى المحلل السياسي والأمني مروان البياتي، أن الحكومة مطالبة بخلق بيئة قانونية تتيح للشركات الناشئة والمراكز البحثية التعاون مع الوزارات السيادية، مضيفاً 'لا يمكن لصناعة الطائرات المسيرة أن تزدهر بمعزل عن رؤية أمنية واضحة، واستراتيجية دفاعية شاملة'.
ويشير إلى ضرورة إدخال الطائرات المسيرة ضمن موازنة الدفاع السنوية، وفتح باب التعاون مع القطاع الخاص المحلي، وتشكيل فرق متخصصة في الجامعات العراقية لمتابعة هذا الملف.
للعراق أن يتعلم
في المنطقة قطعت دول مثل تركيا وإيران شوطاً كبيراً في توطين صناعة الطائرات المسيرة، حيث أصبحت من الدول المصدرة لها، بل وحققت نجاحات عملياتية بارزة في ميادين عدة. ووفقاً لتقارير دولية، فإن نسبة إسهام الطائرات المسيرة في العمليات الناجحة لتلك الدول تجاوزت 30 في المئة من مجمل العمليات الجوية.
يؤكد المتخصص في الشؤون العسكرية الدولية حسن اللامي، أن العراق يستطيع الاستفادة من هذه التجارب بشرط عدم تكرار الاعتماد الكلي على الخارج. مضيفاً 'تركيا على سبيل المثال بدأت بمشاريع صغيرة يقودها باحثون مستقلون، لكن بدعم مباشر من الحكومة تحولت إلى لاعب دولي في السوق الدفاعية'.
واحدة من أكثر النقاط التي يجمع عليها المحللون هي ضرورة الاستثمار في الطاقات البشرية. فالكوادر العراقية أثبتت كفاءتها في مجالات البرمجة والذكاء الاصطناعي والفيزياء والاتصالات وهي تخصصات تشكل العصب الرئيس لأي مشروع لإنتاج طائرات مسيرة.
وتشير إحصاءات وزارة التعليم العالي إلى وجود مئات من الطلبة العراقيين يتخرجون سنوياً من الكليات التقنية والهندسية، مما يوفر قاعدة بشرية ضخمة يمكن أن تتحول إلى رأس مال معرفي في حال تمت تعبئتها في الاتجاه الصحيح.
إن دخول العراق إلى عالم صناعة الطائرات المسيرة يمثل فرصة استراتيجية لتطوير الأمن الوطني، وبناء قدرات ذاتية بعيداً من التبعية الخارجية. ومع وجود الإرادة السياسية، والدعم المؤسسي، والتخطيط الطويل الأمد، يمكن للعراق أن يتحول من مستورد للسلاح إلى مصنع ومصدر له عبر 'أجنحة المستقبل' التي قد تغير معادلات الردع والاستقرار في المنطقة.
ومع كل مسيرة عراقية تحلق في السماء، يرتفع أمل جديد في أن يتبوأ العقل العراقي موقعه المستحق في عالم تكنولوجيا الدفاع الحديثة.