وسط استمرار مشاكل التمويل.. ما المصير الذي ينتظر الأونروا؟

بعد حوالي أسبوع من إعلان الولايات المتحدة ودول غربية أخرى عن تجميد تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين 'أونروا'، في أواخر يناير الماضي، توجه كبير مسؤوليها إلى الخليج، على أمل أن تنقذ الدول العربية الثرية المنظمة التي تعتبر 'بصيص النور الوحيد لملايين' اللاجئين.

وخلال جولته، استطاع المفوض العام للوكالة،فيليب لازاريني، من جمع 85 مليون دولار من السعودية وقطر والإمارات لعام 2024، في رقم أقل بكثير من التمويل الذي قطعته الولايات المتحدة ودول أخرى، بعد مزاعم إسرائيلية بأن ما لا يقل عن 12 من موظفي الوكالة، شاركوا في هجمات 7 أكتوبر على إسرائيل. ففي العام الماضي مثلا، قدمت واشنطن وحدها أكثر من 422 مليون دولار للمنظمة الإنسانية، وفقا لصحيفة 'وول ستريت جورنال'.

ويقول مسؤولون في الوكالة، إن الأموال التي سعى لازاريني جاهدا لجمعها حتى الآن تكفي لتغطية نفقات الأونروا حتى شهر مايو، وبعد ذلك، وبدون أموال جديدة، تقول الأونروا إنها ستضطر إلى تقليص أنشطتها الإنسانية في غزة، والتي تشمل إطعام وإيواء أكثر من مليون شخص.

وتعتمد وكالات الأمم المتحدة الأخرى والمجموعات الخيرية بشكل كبير على الأونروا، حيث يشرف حوالي 3 آلاف من موظفيها داخل القطاع على توزيع المساعدات وتقديم الرعاية الصحية الأولية.

وقال لازاريني، إن المساهمات الأخيرة التي قدمها المانحون العرب وغيرهم مكنت الوكالة من مواصلة مساعدة الفلسطينيين. غير أنه صرح بأنها لا تكفي، وسيبقى مستقبل الأونروا مجهولا دون تمويل إضافي.

وبالفعل، فإن غالبية سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة يعيشون على شفا مجاعة خطيرة مع غياب أسس ومقومات الحياة بالقطاع المحاصر.

وأدى احتمال تفاقم الوضع بشكل أكبر إلى إقناع العديد من البلدان - بما في ذلك كندا والسويد وأستراليا وفنلندا - باستئناف التمويل الذي تم تعليقه في البداية في الأسابيع الأخيرة، وفقا للصحيفة.

واتهمت إسرائيل ما لا يقل عن اثني عشر موظفا، بما في ذلك معلمين، بالمشاركة في الهجمات التي قادتها حماس. وزعمت أيضا أن مئات الموظفين الآخرين ينتمون إلى جماعات مسلحة بالقطاع.

ومباشرة بعد التقارير الإسرائيلية، سارعت الوكالة إلى طرد الموظفين الذين زُعم أنهم على صلة بالهجمات، وتقول إن إسرائيل لم تقدم أدلة على أن التورط في الجماعات المسلحة يتجاوز عددا محدودا من الأفراد. وبدأت الأمم المتحدة تحقيقين في حياد الوكالة.

'فجوة كبيرة'

وتضغط إسرائيل من أجل انسحاب الأونروا تدريجيا من غزة واستبدال الوكالة بمنظمات إنسانية أخرى هناك. وقالت الأونروا، الأحد، إن الجيش الإسرائيلي منع الوكالة من توصيل الغذاء إلى الجزء الشمالي من القطاع، وهي منطقة تعاني من سوء التغذية الحاد على نطاق واسع.

ولن تستأنف الولايات المتحدة التمويل في أي وقت قريب، وفقا للصحيفة التي أشارت إلى أن حزمة الإنفاق الجديدة التي أقرها الكونغرس والتي وقعها الرئيس بايدن لتصبح قانونا، تتضمن بندا يمنع الأونروا من تلقي الأموال، حتى مارس 2025 على الأقل.

وإذا تم انتخاب المرشح الجمهوري دونالد ترامب، في نوفمبر، فيبدو أن احتمال استئناف التمويل أقل، إذ سبق أن قطعت إدارته تمويل الوكالة في عام 2018، قائلا إن نموذج أعمالها 'معيب بشكل لا يمكن إصلاحه'.

توضح المتحدثة باسم الأونروا، تمارا الرفاعي، أن 'لا شيء يمكن أن يسد الفجوة التي ستتركها الولايات المتحدة إذا لم تستأنف التمويل'.

وأضافت: 'تساعدنا إجراءات الطوارئ هذه في التعامل مع الاحتياجات العاجلة. لكن يجب أن نجري محادثات استراتيجية طويلة المدى حول ما إذا كان عمل الأونروا سيبقى مستداما'.

وبدون تمويل جديد، قد تضطر الأمم المتحدة إلى إعادة التفكير في عمل الوكالة التي تعمل منذ عقود على توفير الإغاثة الطارئة للاجئين من الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، وتطورت خلال السنوات اللاحقة، لتصبح هيكلا شبه حكومي، يدير المدارس الابتدائية والثانوية ومراكز الرعاية الصحية للفلسطينيين في جميع أنحاء بلاد الشام.

وتبلغ نفقات المنظمة 1.4 مليار دولار سنويا، يستخدم الجزء الأكبر منها لتغطية رواتب موظفيها البالغ عددهم 30 ألف موظف في غزة والضفة الغربية والأردن ولبنان وسوريا.

و على مدار العقود الماضية، قدمت الولايات المتحدة الجزء الأكبر من تمويل الأونروا لكن أعدادا متزايدة من السياسيين في كلا الحزبين الرئيسيين لديهم مخاوف بشأن الوكالة ومهمتها المفتوحة.

ودافع الأمين العام العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الإثنين، عن الوكالة مؤكدا أنها 'بصيص النور الوحيد لملايين' اللاجئين الفلسطينيين و'شريان حياة للأمل والكرامة' وسلبها سيكون 'أمرا قاسيا لايمكن إستيعابه'.

وقال غوتيريش في مؤتمر صحفي في مخيم الوحدات للاجئين الفلسطينيين في عمان 'يجب علينا أن نسعى جاهدين للحفاظ على تدفق الخدمات الفريدة من نوعها التي تقدمها الأونروا لأن ذلك يبقي الأمل حيا، وفي عالم مظلم، فإن الأونروا هي بصيص النور الوحيد للملايين من الناس'.

مواقف الدول العربية الثرية

من جهتها، فضلت الأنظمة العربية منذ فترة طويلة التبرع بشكل مباشر بدلا من التبرع من خلال الأمم المتحدة، بحسب الصحيفة التي أشارت إلى أن هذه الدول 'لا تريد أن تنهار الأونروا ولكنها ترى أيضا فوائد في إصلاحها، مثل تحسين الطريقة التي تقوم بها بفحص الموظفين لمنع حماس من التسلل إليها'.

كما أن العواصم العربية الغنية، لا ترى أن من واجبها التدخل بشكل كامل لتعويض التمويل الغربي، وفقا لأشخاص مطلعين على تفكير الحكومات الخليجية.

وتعهدت السعودية، الأسبوع الماضي، بتقديم 40 مليون دولار للأونروا، مخصصة للاستجابة الإنسانية في غزة. وبالرغم من أن هذه أكبر مساهمة منفردة تقدمها دولة للوكالة منذ الجدل المثار بشأن أطقمها، تقول الصحيفة، إنها لا تقارن بمبلغ 400 مليون دولار من المساعدات الإنسانية، التي أعلنتها المملكة لأوكرانيا في عام 2022.

بدورها، قامت الإمارات مؤخرا بصرف 20 مليون دولار للأونروا، وهي الأموال التي وعدت بها في العام الماضي، لكنها لم تقدمها، وقد أعطتها أبوظبي بشرط ألا تعتبرها الوكالة كمساعدة جديدة، أو تهدف إلى سد تعليق الدول الأخرى للأموال، وفقا لأشخاص مطلعين على المووضع.

وتعهدت قطر بتقديم مبلغ 25 مليون دولار خلال العام الجاري، فيما لم تقدم الكويت أي التزام حتى الآن.

وتتردد بعض الدول العربية، بما في ذلك السعودية، في تخصيص مبالغ كبيرة من المال لغزة حتى يكون هناك وضوح أكبر بشأن المستقبل السياسي للقطاع.

وتضغط المملكة من أجل التوصل إلى حل الدولتين الذي ستلعب فيه السلطة الفلسطينية بعد إصلاحها دورا - وهو الاحتمال الذي استبعده رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتتنياهو، حتى الآن.

الخبير في شؤون الخليج العربي والشؤون العربية في جامعة الكويت، بدر السيف، يقول إن 'إنهم يضعون أعينهم على إعادة الإعمار بعد الحرب. ودفع فاتورة الأونروا يعزز الصورة القائلة بأن الخليج سيأتي دائما للإنقاذ'.

وتابع: 'بالتأكيد لن يقوموا بإعادة البناء إذا لم يكن ذلك مرتبطا بتنازلات من إسرائيل، ولا أعرف كيف سيتم ذلك في ظل المناخ الحالي'.

'أزمة مالية قبل الحرب'

وقدمت الولايات المتحدة للوكالة 71 مليون دولار حتى الآن هذا العام قبل توقف التمويل، وفقًا لمسؤول في وزارة الخارجية.فيما تقدم ألمانيا، التي كانت ثاني أكبر مانحي الأونروا، أي مساهمات هذا العام.

وكانت الأونروا تعاني ماليا بالفعل قبل بدء الحرب في غزة، لأنها خلافا لمعظم وكالات الأمم المتحدة، لا تعتمد على الميزانية العامة للأمم المتحدة، إلا للمساعدة في تغطية رواتب عدد صغير من موظفيها الدوليين.

وبدلاً من ذلك، تعتمد على المساهمات الطوعية التي لا يمكن التنبؤ بها من الجهات المانحة. ولم تتعاف الوكالة بشكل كامل من القرار الذي اتخذته إدارة ترامب بوقف تمويلها بين عامي 2018 و2020.

وفي ذلك الوقت، قامت دول، بما في ذلك ألمانيا ودول الخليج، بزيادة مساهماتها السنوية بشكل كبير، ولكن ليس بما يكفي للتعويض الكامل عن التمويل الأميركي المتوقف.

وعلى الرغم من استئناف المساعدة الأميركية في عهد بايدن، تقول الأونروا، إنها أنهت كل سنة من السنوات المالية الأخيرة بفواتير متأخرة بعشرات الملايين من الدولارات للجميع، بدءا من الأطباء العاملين إلى موردي ورق التواليت.

وإن تعليق التمويل الذي تم الإعلان عنه في يناير قد يكون له تأثير شبه فوري على الأونروا. وساعدت الجهود الدبلوماسية التي بذلها لازاريني في تأخير ذلك من خلال تأمين أموال إضافية بسرعة من دول مثل إسبانيا وأيرلندا.

وقال الاتحاد الأوروبي في وقت سابق من هذا الشهر، إنه سيقدم دفعة أولية قدرها 50 مليون يورو للأونروا، أي ما يعادل 54 مليون دولار، بعد أن وافقت الوكالة على السماح للخبراء المعينين من قبل الاتحاد الأوروبي بمراجعة الطريقة التي تقوم بها بفحص الموظفين.