اخبار العراق
موقع كل يوم -المسلة
نشر بتاريخ: ٩ تشرين الأول ٢٠٢٥
9 أكتوبر، 2025
بغداد/المسلة: في قلب العراق، حيث تتداخل الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تُلقي أزمة جديدة بظلالها القاتمة على القطاع الصحي، مهددةً حياة الملايين. تفشي ظاهرة 'الأطباء المزيفين' وغير المؤهلين في المستشفيات والعيادات الخاصة أصبح كابوسًا ينذر بكارثة إنسانية.
هؤلاء، المسلحون بشهادات أكاديمية مزورة أو مكتسبة بطرق غير مشروعة، يتسللون إلى نظام الرعاية الصحية، تاركين وراءهم سلسلة من الأخطاء الطبية المروعة والوفيات التي كان يمكن تفاديها.
صناعة الخداع: شهادات مزورة تغزو النظام الصحي
لم يعد الأمر مجرد حالات فردية، بل تحول إلى وباءٍ ينخر في جسد الرعاية الصحية العراقية. آلاف الأفراد غير المؤهلين تسللوا إلى المستشفيات والعيادات، يحملون شهادات طبية مزيفة أو مكتسبة عبر الرشوة والفساد.
تقديرات صادمة من الدكتور مهدي محمد، العضو السابق في نقابة الأطباء العراقية، تشير إلى أن ما لا يقل عن 30% من الأطباء العاملين في العراق قد يكونون غير مؤهلين أو يحملون شهادات مشكوك في صحتها.
هذه النسبة المرعبة تعكس حجم الكارثة التي تهدد حياة المرضى، حيث يُعهد بأرواح البشر إلى أيدٍ لا تملك الكفاءة ولا الخبرة.
المشكلة لا تقتصر على العراق فحسب، بل تمتد جذورها إلى شبكات دولية لتجارة الشهادات المزورة. لبنان، على وجه الخصوص، برز كمركز رئيسي لهذه الصناعة المشبوهة، حيث تُباع شهادات الماجستير بأسعار تتراوح بين 5000 و15000 دولار، وشهادات الدكتوراه بين 10000 و20000 دولار.
في عام 2023، كشفت السلطات العراقية عن أكثر من 27000 شهادة مزورة صادرة عن مؤسسات لبنانية، مما دفع الحكومة إلى تعليق الاعتراف بهذه الشهادات مؤقتًا. لكن هذا الإجراء، رغم أهميته، يبدو كقطرة في محيط الفساد الذي يغذي هذه التجارة.
الجامعات الخاصة: بوابة التزوير المحلي
داخل العراق، تتحمل الجامعات الخاصة نصيبًا كبيرًا من المسؤولية. العديد من هذه المؤسسات أصبحت وكرًا لتخريج أطباء دون استيفاء المعايير الأكاديمية والمهنية.
طلاب يدفعون مبالغ طائلة للحصول على شهادات طبية دون اجتياز الاختبارات اللازمة أو اكتساب المهارات الضرورية. هذه الظاهرة، التي تغذيها الرشوة وسوء الإدارة، حوّلت بعض هذه الجامعات إلى مصانع لإنتاج 'أطباء' لا يملكون أدنى مقومات ممارسة المهنة. والنتيجة؟ أخطاء طبية متكررة، تشخيصات خاطئة، وعمليات جراحية كارثية تودي بحياة المرضى.
تداعيات كارثية
الأزمة لا تقتصر على القطاع الصحي، بل تمتد تداعياتها إلى أعلى مستويات الحكم. شهادات مزورة لم تقتصر على الأطباء، بل شملت مسؤولين وموظفين في مؤسسات حكومية حساسة. هذا الانتشار الواسع للشهادات المزيفة يعكس أزمة أعمق في النظام الإداري والتعليمي، حيث أصبح الفساد بوابة للوصول إلى المناصب والسلطة.
في المستشفيات، تترجم هذه الأزمة إلى أرواح تُزهق يوميًا، بينما يقف المرضى عاجزين أمام أطباء لا يملكون سوى شهادات ورقية بلا قيمة حقيقية.
ومع استمرار تفشي ظاهرة الأطباء المزيفين، يواجه العراق تحديًا وجوديًا: كيف يمكن استعادة الثقة في نظام الرعاية الصحية؟ المرضى، الذين باتوا يخشون اللجوء إلى المستشفيات، يجدون أنفسهم أمام خيارات محدودة. إما المخاطرة بحياتهم في أيدي أطباء مشكوك في كفاءتهم، أو البحث عن علاج خارج البلاد بتكاليف باهظة. في كلتا الحالتين، الخاسر الأكبر هو المواطن العراقي، الذي يدفع ثمن الفساد والإهمال.
About Post Author
زين
See author's posts