اخبار العراق
موقع كل يوم -المسلة
نشر بتاريخ: ١٤ تشرين الأول ٢٠٢٥
14 أكتوبر، 2025
بغداد/المسلة: في قلب الشرق الأوسط، حيث يلتقي التاريخ بالتحديات الوجودية، يواجه العراق أكبر أزمة مياه في تاريخه الحديث، أزمة ليست مجرد نقص في الإمدادات بل تهديد يهز أركان الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
أنهار دجلة والفرات، التي روت حضارات قديمة وغذت شعوباً لآلاف السنين، تتحول اليوم إلى شرايين جافة، تئن تحت وطأة الجفاف الذي يبتلع الأراضي الخصبة ويحول المزارع إلى صحاري قاحلة.
اجتماعات أنقرة: تفاهمات هشة أم خطوة نحو الإنقاذ؟
في الأيام القليلة الماضية، أجرت وزارة الموارد المائية العراقية اجتماعات مكثفة مع مسؤولين أتراك في أنقرة، أسفرت عن مجموعة من التفاهمات المركزية حول أزمة المياه. رحبت الوزارة بهذه اللقاءات كخطوة إيجابية، حيث تم التوصل إلى إطار اتفاقي مبدئي لإدارة تدفقات نهري دجلة والفرات، يشمل زيادة الإطلاقات المائية الفورية إلى 500 متر مكعب في الثانية لكل نهر خلال أشهر تشرين الأول والثاني.
الاتفاق، الذي يُعد امتداداً لآليات مشتركة اتُفق عليها قبل عامين، يركز على إعادة تأهيل البنية التحتية المائية العراقية من خلال لجنة عمل مشتركة، مع التركيز على الإجراءات قصيرة المدى لتوجيه المياه نحو الجنوب المتضرر.
لكن هذه التفاهمات تأتي محملة بأمل هش، إذ يُنظر إليها كجسر مؤقت فوق هاوية الجفاف. الزيادة الموعودة في التدفقات، التي ارتفعت مؤخراً بنسبة تصل إلى 88% في بعض الأقسام من الفرات، قد تخفف الضغط الفوري على السدود والقنوات، لكنها لا تضمن استدامة طويلة الأمد.
وفي الواقع، يُشكل هذا الإطار خطوة دبلوماسية مهمة، إذ دعا الجانب العراقي إلى توقيع الاتفاق النهائي في بغداد قريباً، مع الإقرار المشترك بأن كلا البلدين يواجهان انخفاضاً في هطول الأمطار ومستويات الخزانات، مما يتطلب ترقية الشبكات داخل العراق إلى جانب التنسيق على التدفقات النهرية.
وعود السياسيين: زيارات متكررة وإطلاقات وهمية
وراء الجدران الدبلوماسية، يتردد صدى وعود كاذبة ألقت بظلالها على الثقة العامة.
وعلى مدار السنوات الأخيرة، زار عدد من المسؤولين العراقيين – من خميس الخنجر إلى صالح المطلك، مروراً بوزير الموارد المائية ورئيس الحكومة محمد شياع السوداني – أنقرة مراراً، معلنين في كل مرة عن زيادات في الإطلاقات المائية كأنها منجزات تاريخية.
هذه الزيارات، التي غالباً ما تُروج كانتصارات دبلوماسية، أثارت موجة من الإحباط الشعبي، إذ تحولت الوعود إلى سراب يتبخر مع مرور الشهور. تركيا، التي تعد ولا تفي في كل الاجتماعات التي تجمع الطرفين، تستمر في استخدام المياه كورقة ضغط، مستفيدة من غياب معاهدة ملزمة تحدد الحصص السنوية لكلا النهرين.
هذا الفشل الذريع في الحصول على حصة ثابتة ليس مصادفة، بل نتيجة لعقود من التفاوض غير المتوازن، حيث يعتمد العراق بنسبة 90% على المياه الوافدة من تركيا. الإعلانات المتكررة عن زيادات مؤقتة، مثل تلك التي وعد بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال زيارة البرلماني العراقي محمود المشهداني في يوليو، سرعان ما تذوب أمام الواقع: تدفقات انخفضت إلى 120 متر مكعب في الثانية فقط في بعض الفترات، مما يعكس نمطاً من الخداع الدبلوماسي يُتهم به الجانب التركي.
هذه الوعود، التي تُباع للشعب كحلول سحرية، لا تفعل سوى تعميق الشعور بالخيانة، حيث يرى المواطنون فيها مجرد مسكنات لألم مزمن.
و في الجنوب، حيث يلتقي الظمأ بالغضب المكبوت، يواصل المتظاهرون احتجاجاتهم الليلية المتقدة، محولين الشوارع إلى ساحات صراع يومي.
ومن البصرة إلى ميسان وذي قار، يخرج الآلاف ليلاً ليطالبوا بحقهم في قطرة ماء نظيفة، محاصرين طرقاً رئيسية ومصانع نفطية في حركة احتجاجية تعبر عن يأس يفوق الوصف.
وهذه الاحتجاجات، التي اندلعت مؤخراً في أكثر من خمس محافظات، ليست مجرد صرخة؛ إنها ثورة صامتة ضد إهمال يهدد بتحويل المناطق الزراعية إلى أراضٍ مهجورة، ودفع عشرات الآلاف إلى الهجرة القسرية نحو المدن الكبرى.
About Post Author
moh moh
See author's posts