اخبار العراق
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ١٤ تشرين الأول ٢٠٢٥
المواطنون يشتكون من غياب الرقابة على المركبات والسائقين مع قلة محطات الإسعاف وتدني خدمات الإنقاذ الصحي
خرجَ صباحاً وقال سأعود، لم يعد، بَقِيَ ينزف وسط الطريق السريع قرب الحلة/ بابل، والناس تُبطئ ثم تمضي، 'اختنق بدمه' هكذا وصف رحيله الطبيب، منذ ذلك اليوم، والغصّة لا تغادر حلقي، كان عمره 21 سنة، بسيطاً يحاول أن يجد عملاً ويؤسس حياة، مثل بقية شبابنا، وفقد حياته مثل مئات غيره في طرق الموت السريعة.
لا تزال مها ترى لون سيارته الصفراء التي اشتراها والدها لأخيها قبل عام من وفاته على طريق بغداد- الحلة والملقب بطريق بغداد السريع وتنهار، التفاصيل الدقيقة لحادث التحطم لم يفهموها، قيل إن الإطار انفجر، وصلت السيارة إليهم بإطارات سليمة، حاول في ما بعد والدها الشكوى ولم يحصل شيء سوى الندم حتى يومنا، على شرائه مركبة وسط طرق مهترئة.
كذلك تقول مها، فإنّ أخاها ليس الضحية الوحيد، إنها فتحةٌ على ملفٍ أثقلته الأرقام والقصص، العراق ما زال يدفع كلفةً بشرية عالية على الطرق السريعة والخارجية وتُسجِّل خسائر متكررة، حوادث تنشأ من تداخلٍ بين سلوكٍ مُخاطر، ومركباتٍ غير مُطابقة، ونقاط هندسية ضعيفة، واستجابة إسعافية لا تصل مطلقاً في الوقت الحرج، على الممرّ بين بغداد والحلّة، حيث وقع حادثُ أخيها، وطرق خارجية أخرى، تتقاطع السرعات العالية مع تجاوزاتٍ غير آمنة ومقاطع إضاءة وإشارات متفاوتة الجودة تضاعف الأخطار.
تشير بيانات الجهاز المركزي للإحصاء إلى تسجيل 11763 حادثاً في العراق عام 2024 (خارج إقليم كردستان)، بينها 2103 حوادث مميتة و9660 غير مميت، وبذلك تبلغ نسبة الفتك نحو 18 في المئة من إجمالي الحوادث، فيما يدور المتوسط اليومي حول 32 حادثاً، بينها قرابة ستة حوادث مميتة، أي حادث مميت كل أربع ساعات تقريباً.
نسبة الحوادث المرتبطة بسلوك السائق تراجعت بوضوح على المقاطع التي فُعِّلت فيها رادارات وكاميرات السرعة، المثال الأبرز طريق محمد القاسم ومحاور أخرى مثل اليوسفية وصولاً إلى صلاح الدين، حيث يعرف السائقون بوجود الرقابة فينضبط الأداء، التحدّي الأكبر يبقى على الطرق الخارجية، كما يبين اللواء المتقاعد عمار وليد الخياط لـ 'اندبندنت عربية'، لأن انتشار الكاميرات عليها محدود، فتظل السرعات العالية والتجاوزات أكثر حضوراً.
أما من جهة التسجيل، فالحوادث التي تُخلِّف أضراراً جسيمة في المركبات تُسجَّل وتحتاج مراجعة مركز الشرطة، بينما قد تمر الحوادث البسيطة من دون قيد جنائي إذا اتفق السائقون ميدانياً، في النهاية، استقصاء المعلومة يعتمد على ثلاثة مسارات: المرور، والشرطة، ووزارة الصحة، وإذا لم يصل تبليغ من أي جهة، قد لا يُحتسب الحادث في الإحصاءات.
وذكر الخياط أنه على الطرق السريعة، خصوصاً الطريق الدولي، تتكرّر الحوادث المميتة لأسباب كثيرة، منها غياب مسافات الأمان، وتُفاقِم الخطر سلوكيّات خاطئة مثل استحواذ الشاحنات الكبيرة على المسار الأيسر والاجتياز من اليمين. الطريق الدولي يعاني في مقاطع منه سياجاً جانبياً مفقوداً، وتخطيطاً أرضياً باهتاً، وتضرراً في الرصف، وعندما تتوافر كاميرات السرعة تكون رادعة، لكن انتشارها على الطرق الخارجية لا يزال محدوداً.
وأضاف اللواء المتقاعد 'نعمل على نشر سيطرات خارجية، غير أنّ تغطية نحو 600 كيلومتر بين بغداد والبصرة بالكامل غير ممكنة بالسيطرات وحدها، لدينا أيضاً طرق تُسمّى ’مزدوجة‘وهي عملياً مسار واحد بلا فاصل بين الذهاب والإياب، ومع اجتيازٍ غير منضبط ورقابة ضعيفة ترتفع احتمالات الصدامات الأمامية'.
الردع الحازم ضرورة، والكاميرات، وبخاصة نظام قياس المسافة والزمن، هي الأداة الأكثر فاعلية لضبط السرعة على الطرق السريعة، لكن الحوادث ليست سرعةً فقط، نقص الكفاءة في القيادة وضعف المعرفة بالعلامات يضاعف الخطر، وفق ما يرى اللواء المتقاعد أن من الضروري للغاية إجراء اختبارات إلزامية ودورات قيادة معتمدة، امتحان نظري وعملي حقيقي، وإعادة الاختبار لمن يرسب، أسوةً بما هو معمول به دولياً.
وتابع المتحدث قوله 'الاعتماد على السيطرات كل بضعة كيلومترات يُبطئ السير لحظياً، لكنه ليس نهجاً مرورياً، البديل الصحيح هو إنفاذ إلكتروني مستمر مع عقوبات متدرجة صارمة وغرامات ونقاط، وكذلك إيقاف رخصة للمخالفات الجسيمة'.
ويؤكد الخياط أنه هندسياً، هناك أدوات تنبيه تقلل الحوادث من دون تعطيل الحركة منها خطوط حرارية بارزة على مسافات متدرجة قبل النقاط الخطرة، ودهانات عالية الانعكاسية، وشرائط اهتزازية على الحواف والمنتصف، ولوحات تحذير مكررة، ومعها توعية مرورية لا تكتفي بالشعار، بل تشرح القاعدة وما يترتب على مخالفتها، كثيرون يستهينون اليوم لأنهم يظنون أن القانون غير مُنفَّذ، عندما يرون كاميرا تقيس، ونظاماً يعاقب، ودورة تُعلّم وتختبر سينخفض الخطر بوضوح.
تغطية الطرق الخارجية بالرادارات والكاميرات الذكية بدأت في الأول من يوليو (تموز) 2025 وهي تجربة قيد التوسع لتشمل أكبر عدد ممكن من المحاور، يوضح العقيد الحقوقي محمد شاكر، مدير شعبة الإعلام في مديرية المرور العامة لـ 'اندبندنت عربية'، أن هذا النمط من المراقبة يحدّ من السرعات والمخالفات ويُترجم مباشرةً إلى تحسّن في السلامة على الطرق وتقليل الحوادث.
وأضاف شاكر 'كل حادث يخلّف أضراراً مادية يُسجَّل أصولياً لدى دوائر مديرية المرور العامة، ونؤكد على الاتصال بالخط الساخن 911 فور وقوع البلاغ، إذ تتوجّه مفرزة مختصة لرسم المخطط المروري واتخاذ الإجراءات، أما الأسباب المباشرة الأكثر شيوعاً على الطرق بين المدن فتشمل تجاوز السرعات المقررة، واستخدام الهاتف أثناء القيادة، والإرهاق في المسافات الطويلة وما قد يفضي إليه من نعاس، إضافة إلى ضعف إدامة المركبات ولا سيما الإطارات، إلى جانب عوامل الطريق والمركبة'.
أيضاً الطريق الخارجي غير آمن، وهو واقع يواجهه السائق العراقي كل يوم، يقول مهندس الطرق والمشاريع أحمد منجد إن الصورة تتكرر، قوافل شاحنات ثقيلة تضغط على الرصف، مداخل زراعية مباشرة تفتح على المسار السريع، مطبّات عشوائية عند مداخل القرى، وفتحات وسطية غير محمية لاستدارة مفاجئة، ترى أغناماً وكلاباً وحيوانات سائبة أخرى تعبر بلا أسوار، وجرارات زراعية تسير بسرعة منخفضة وسط حركة سريعة.
يوضح منجد بحديثه لـ'اندبندنت عربية' شبكة الطرق العراقية يغلب عليها الطابع الثنائي باتجاهين، وتشير أحدث القرائن الإحصائية إلى أن نحو 80 في المئة من الشبكة طرق شريانية/ ريفية غير مفصولة بجزرة وسطية، هندسياً، هذا فراغ أمان خطِر، لأنه يفتح الباب لأخطر أنواع الحوادث، التصادم الأمامي على سرعات عالية، حين لا نفصل الاتجاهين بحاجز وسطي، يصبح أي انحراف بسيط كانفجار إطار، أو غفوة لحظية، تجاوز مضغوط مرشحاً للتحوّل إلى اصطدام رأسي قاتل.
الدليل الدولي يبين أن حواجز الوسط تُعد من المعالجات المثبتة، يقول منجد إنه سجّلت دراسات مرجعية انخفاضاً كبيراً في وفيات حوادث العبور إلى المسار المقابل بعد تركيبها، لذلك، الأولوية العاجلة في المحاور الخارجية العراقية هي ترقية المقاطع الثنائية إلى ممرّين مفصولين، مع تحسين الأكتاف والتخطيط الأرضي والإنارة، 'لدينا توصيات محلية سابقة على محاور قديمة بين بعقوبة وبغداد بهذا الاتجاه، والمسألة تعتبر كمتطلب أمان أساسي يقلص الخسائر فوراً، 'المشكلة ليست سائقاً فقط، بيئة الطريق تزيد المفاجآت'.
تصدر ممرات بغداد- كركوك (عبر ديالى)، والناصرية- البصرة، وبغداد- الموصل، ودهوك- زاخو، ونجف- كربلاء (موسمياً) قائمة 'الخطورة المتكررة' بسبب اختلاط الشاحنات بالمركبات الصغيرة، وغياب فواصل وسطية/ طرق خدمية، وسلوكيات سرعة وتجاوز على طرق غير مهيأة، صحة ديالى وثّقت وحدها 17 وفاة و65 إصابة في 2025 على طريق بغداد- كركوك المسمى شعبياً 'طريق الموت'، مع عشرات الضحايا خلال 24 ساعة في 2024، فيما تسجّل ممرات الجنوب والشمال حوادث مميتة متكررة.
وكان مدير ناحية جديدة الشط في محافظة ديالى، حسين الخزرجي، أوضح، أن قرب التجمعات السكنية من الطريق الدولي بغداد- كركوك الممر التجاري الرئيس بين الشمال والجنوب، وعدم توافر طريق خدمي موازٍ لتصريف الحركة، يقفان وراء جزء مهم من ارتفاع الحوادث خلال السنوات الأخيرة، وأضاف أن ديالى سجّلت أكثر من ثلاثة حوادث يومياً بفعل السرعة المفرطة واستخدام الهاتف أثناء القيادة ومخالفات أخرى.
وفي السياق، ذكر مدير إعلام صحة ديالى، فارس العزاوي، أن مستشفيات ديالى تستقبل شهرياً أكثر من 30 حالة وفاة، إضافة إلى عشرات الإصابات بسبب الحوادث، معظمها على محور بغداد- كركوك، الطريق الذي يطلق عليه الأهالي 'طريق الموت' نظراً لتكرار التصادمات المميتة.
يُبيّن جهاز المركز الإحصائي، أن إجمالي الحوادث المسجّلة في عام 2024 بلغ 11763 حادثاً خارج إقليم كردستان، من بينها 2103 حوادث مميتة (نحو 18 في المئة) و9660 غير مميتة (نحو 82 في المئة)، وهو ما يعادل في المتوسط حادثاً مميتاً كل نحو أربع ساعات على مدار السنة.
ووفق التوقيت، تقع الحصة الأكبر نهاراً بنسبة 56.9 في المئة (نحو 6690 حادثاً)، ثم ليلاً 18.8 في المئة، فالغسق/ الشفق 15.3 في المئة، والفجر 9.0 في المئة، ومن حيث طبيعة الحادث، يتصدر الاصطدام بنسبة 58.0 في المئة (نحو 6834 حادثاً)، يليه الدهس بنسبة 33.3 في المئة (نحو 3916)، ثم الانقلاب بنسبة 7.5 في المئة (نحو 877).
أما مكان وقوع الحوادث بحسب نوع الطريق، فتستحوذ الطرق الرئيسة على 52.6 في المئة (نحو 6191)، تليها الطرق السريعة بنسبة 23.1 في المئة (نحو 2719)، ثم الثانوية بنسبة 18.5 في المئة (نحو 2171)، وأخرى 5.8 في المئة (نحو 682)، هذه المؤشرات تُستخدم كمرجع رقمي موجز داخل المادة لتثبيت التوزّعات الزمنية والنوعية والجغرافية للحوادث في عام 2024.
تُسجَّل أعلى معدلات الحوادث على الطرق السريعة، ولا سيما الطريق الدولي الذي يربط المحافظات الجنوبية بالوسطى فالشمالية، هذا الطريق مُعبَّد حديثاً، ومع جودة الرصف يشعر السائق بثقة زائدة في المركبة والمسار، كما يقول العقيد محمد، فتقع حوادث مميتة عند تجاوز السرعات أو سوء التقدير، العوامل الجوية تضاعف الخطر في الشتاء مع الأمطار والضباب، وتزداد الكثافة المرورية في مواسم الزيارات إلى العتبات المقدسة، فتتعقّد إدارة الحركة.
ويضيف قائلاً 'استخدمنا التقنيات الحديثة، الرادارات والكاميرات الذكية، وظهر انخفاض ملحوظ في المخالفات على الشوارع الرئيسية داخل المدن والطرق السريعة، نحتاج لبعض الوقت، لكن العراق مقبل على تجهيز شبكاته بكاميرات مراقبة أوسع، ونعمل على الإسراع بإكمال الرادارات على المحاور الخارجية والتنبيه المسبق للسائقين على تلك المقاطع، إلى جانب تعزيز التوعية بأخطار الطريق'.
وفي وقت قريب، تقييم الأضرار والاحتياجات للبنك الدولي أكد بتقرير أن تحميل الشاحنات فوق الأوزان المحورية وغياب ضبط الأوزان يسببان تدهوراً سريعاً لشبكة الطرق في العراق، وأظهرت خلفية صادرة عن البنك الدولي والأمم المتحدة أن العراق يعتمد على الطرق البرية بنحو 70 في المئة من حركة النقل، ما يرفع ضغط الحمولة على الشبكة ويجعل أي خلل في ضبط الأوزان عالي الكلفة على البنية والسلامة.
حالة طرق العراق ضعيفة ومتردّية، وفق منجد، وهذا ينعكس مباشرة على أداء السلامة المرورية، 'ميدانياً نرصد أنماط عيوب متكرّرة، تشققات طولية وعرضية، تخدد واضح في مسارات العجلات، حفر متناسلة، تشققات حافة، تفكك بطبقة السطح، ونزف إسفلتي في مواسم الحر تحديداً، وجميعها علامات إنذار مبكر على رصفٍ لا يتحمّل الخدمة التصميمية، مضيفاً أن من الأسباب الحمولات المحورية الزائدة للشاحنات، إذ تقصّر عمر الرصف وتسرّع التعب والتخدد، ويضاعف الأثرَ استخدامُ خلطات وسماكات أقل من المطلوب أو تنفيذ غير منضبط.
جزء كبير من الخسائر على الطرق الخارجية، تحصل بعد الاصطدام، المشكلة ليست الطريق والسائق فقط، سلسلة ما بعد الحادث أضعف من المطلوب، زمن الوصول، وتجهيز الإسعاف، وتوجيه الجرحى إلى مستشفى ملائم للصدمة، هذا يرفع الفتك، حتى في حوادث قابلة للنجاة لو وصلت الرعاية سريعاً وبالمستوى المناسب، إطار منظمة الصحة العالمية يبين أن رعاية ما بعد الحادث ركنٌ أساسي لإنقاذ الأرواح وتقليل العجز، ويعتمد على سرعة الاستجابة ونقل المصاب إلى مركز قادر على الجراحة والإنعاش العاجلين، بحسب المهندس أحمد منجد.
ويقارن منجد الدول إقليمياً، لا سيما التي أعلنت متوسط استجابة إسعافية لحوادث الطرق بنحو 7.5 دقيقة، مثلاً إمارة دبي، 'هذه المنظومات تضع نقاطاً ميدانية على المحاور وتستخدم قيادة مركزية وخرائط تموضع للوحدات، لكن أقرب مستشفى من الطرق الخارجية العراقية فيكون عند دخول المدن والمحافظات.
بدورها تقول جوان سالم مواطنة عاشت حوادث الطرق 'على طريق العظيم، قبل أن يصل والدي إلى دوز/ محافظة صلاح الدين، شمال بغداد، وقع الاصطدام مع صهريج ينقل مشتقات نفطية، كان النهار يميل إلى العصر، والدي في المقعد الأمامي موثِّق الحزام، وثلاثة في الخلف، وحده نجا، والدي وبصعوبة بالغة، وبقيّة مَن كانوا في السيارة توفّوا، انتظروا الإسعاف لأربعة ساعات من دون إنقاذ، القادمون يبلّغون من مناطق كثيرة، ولا أحد يصل سريعاً، الطريق حينها مسار واحد، محطّم ومليء بالمطبات، غير مهيّئ للسرعات'.
تبين جوان سالم، أنه بعد عام واحد فقط، على الطريق نفسه، تلقى والدها، حادث آخر غير مميت هذه المرة، سببه استخدام السائق للهاتف، وفقدوا شخصين.
يعمل والد جوان محامياً في بغداد ويتنقل كل 10 أيام إلى السليمانية/ كوردستان العراق، حيث تعيش عائلته، يوم الحادث حمله الناس إلى سيارة متبرّع أوصله إلى كوردستان العراق، أي أن أقرب مستشفى كانت تبعد تقريباً 130–150 كيلومتراً بالسيارة، وتستغرق عادةً نحو ساعتين إلى 2.5 ساعة في الظروف العادية، فيما بقي الآخرون ينتظرون الإسعاف ومصيرهم.






































