اخبار العراق
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢ تشرين الأول ٢٠٢٥
تاريخياً كانت نصف صادرات كردستان من الخام تذهب إلى إسرائيل
على خلاف ما كنت أتوقع، بدأ ضخ النفط من شمال العراق في الأنبوب المار عبر تركيا إلى ميناء جيهان، وذلك باتفاق موقت بين الحكومة المركزية في العراق وحكومة الإقليم والشركات الأجنبية الثماني العاملة في كردستان، وسبب توقعي هو أن مطالب تركيا السياسية والمالية لم تتحقق، كما أنها ألغت جميع الاتفاقات الستة التي تنظم خط الأنابيب العراقي - التركي اعتباراً من يوليو (تموز) 2026، كما أن الشركات قلقة في شأن إعادة الحكومة سيطرتها على قطاع النفط في كردستان والتغيير الذي حصل للعقود، والمفاجئ في الأمر هو التدخل الأميركي بأشكال مختلفة منذ فبراير (شباط) الماضي.
وأحد أهداف إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب هو تعويض الانخفاضات المحتملة في صادرات النفط الإيرانية، في ظل حملة الضغط الأقصى التي يشنها ترمب على طهران، فقد هددت الإدارة الحكومة العراقية بفرض عقوبات وفرضت بالفعل عقوبات على كثير من الناقلات والشركات والهيئات، بما في ذلك شركات وأفراد عراقيون، متهمة إياهم بخلط النفط العراقي بالإيراني، واتهمت شركة تسويق النفط العراقية (سومو) بذلك، وهو ما نفته 'سومو'، وقد ضغطت هذه العقوبات والاتهامات على مختلف الأطراف للتوصل إلى اتفاق، فمكّن الاتفاق بين الحكومة المركزية العراقية وحكومة إقليم كردستان وشركات النفط من استئناف تصدير النفط في خط الأنابيب السبت الماضي، كما طالب ترمب نظيره التركي رجب طيب أردوغان بالتوقف عن استيراد النفط الروسي بعد فترة بسيطة من فرض إدارة ترمب ضرائب جمركية على الواردات من الهند، بحجة أنها تستورد النفط الروسي.
وما ذكر ليس نظرية بل حقيقة واقعة، إذ أعلنت حكومة ترمب رسمياً أنها وراء الاتفاق الذي حصل قبل بدء الضخ في الأنبوب، وجرى الربط بين ذلك والعقوبات على إيران، إذ يتوقعون أنه يعوض جزئياً عن ذلك، ويشار إلى أن إدارة بايدن ضغطت لاستئناف تدفق النفط عبر خط الأنابيب، لكن هدفها كان إبقاء أسعار النفط منخفضة قبل الانتخابات، والآن نتحدث في عهد ترمب عن لعبة عالمية أوسع نطاقاً تشمل روسيا والصين وإيران وفنزويلا.
العراق عضو مؤسس في 'أوبك'، وتلقائياً عضو في 'أوبك+'، كما أنه عضو في مجموعة الثماني التي أقرت الخفوض الطوعية، وهذا لا يؤثر في استئناف تصدير النفط عبر خط أنابيب ميناء جيهان من تركيا في 'أوبك+'، لأن قرارات التحالف ومجموعة الثماني مبنية على مستويات الإنتاج وليس الصادرات، وأثر ضخ 190 ألف برميل يومياً في الأنبوب هو تحويل معظم هذا النفط من الشرق إلى الغرب، أي من الأسواق الآسيوية إلى الأسواق الأوروبية والغربية ولكن لا يزيد الإنتاج، فهذا النفط المنتج في كردستان كان يهرّب إلى داخل العراق ليستهلك محلياً، مما يمكن 'سومو' من تصدير مزيد من النفط، كما كان يهرّب في صهاريج إلى ميناء إيراني ومنه إلى الصين، والضخ في الأنبوب هو مجرد تحويل لوجهة النفط وسيخفف كثيراً من عمليات التهريب بخاصة إلى إيران، وعلى رغم أن بيانات الإنتاج التي تعلنها الحكومة العراقية لا تشمل إنتاج كردستان بحجة أنه إنتاج غير رسمي، واتفاقات 'أوبك' ومجموعة الثماني تعتمد على تقديرات شركات المراقبة المتخصصة وليس على بيانات الحكومات، وبعبارة أخرى فإن تصدير النفط من الشمال لا يغير من الأمر شيئاً من وجهة نظر 'أوبك+'، إلا أنه مع الاتفاق الأخير ستقوم الحكومة العراقية بتضمين إنتاج النفط من كردستان في بياناتها، مما يجعل البيانات الحكومية متطابقة مع بيانات شركات المراقبة، وقد طالب الرئيس ترمب أردوغان بوقف استيراد النفط من روسيا، وروسيا عضو في تحالف 'أوبك+' ومجموعة الثماني، واللافت هنا أن جزءاً كبيراً مما تستورده تركيا من روسيا يذهب إلى أوروبا، وأي خفض تركي لواردات النفط من روسيا سيجبر روسيا على تحويل تلك الكميات لآسيا، مما يعني أن كمية النفط المتوافرة في حوض المتوسط لن تتغير، إذ إن تصدير النفط من كردستان هو تعويض عن النفط الذي لن تستورده تركيا من روسيا، كما أن الدول الآسيوية ستحصل على النفط الروسي كبديل لنفط كردستان.
وسيؤدي السماح بالتصدير من شمال العراق إلى تحويل معظم النفط الخام الذي تنتجه كردستان من آسيا إلى أوروبا والولايات المتحدة، وسيقلل التهريب بصورة كبيرة، وادعاء بعض وسائل الإعلام والمحللين بأن استئناف الضخ سيرفع إمدادات النفط العالمية ما بين 190 و230 ألف برميل يومياً غير صحيح، وقد يؤثر هذا النفط الخام، ومعظمه من النفط المتوسط الحامض الأقرب إلى الثقيل، في فروق الأسعار نظراً لموقعه الجغرافي ونوعية النفط الخام، ولكنه لا ينبغي أن يؤدي إلى انخفاض الأسعار، كما ادعى بعضهم، وقد بالغ بعض المسؤولين ووسائل الإعلام للأثر الإيجابي في اقتصاد كردستان، فهذا النفط كان يصدر على كل الحالات ولا يمثل إضافة جديدة، وتهريبه يعني أن كردستان تحصل على عائده كاملاً، ولكن بحسب الاتفاق الجديد تذهب الإيرادات للحكومة المركزية التي ستقوم بإعطاء كردستان حصتها من النفط العراقي ككل، والمنفعة الأساس من الاتفاق الجديد أنه يخفض التهريب بصورة كبيرة، وبالتالي يخفض الفساد الإداري المرتبط بذلك، مما يسمح بدخول أموال لحكومة كردستان بدلاً من السماسرة والمتنفذين، والمشكلة أن كردستان تدين للشركات بنحو مليار دولار، وهذا يعني أن جزءاً من الإيرادات الرسمية سيذهب لسداد الديون وزيادة الإنتاج كي يعود لما كان عليه قبل وقف الأنبوب في مارس (آذار) 2023، وهذا يتطلب استثمارات لن تقوم بها الشركات إلا إذا حصلت على حقوقها، وكانت أكبر شركتين منتجتين في كردستان، 'دي إن أو' و'جنيل'، أعلنتا أنهما لن ترسلا إنتاجهما المملوك لهما عبر الأنبوب وإنما ستقومان ببيعه في الأسواق المحلية.
ومن التغيرات التي قد نشهدها أن عودة نفط كردستان لأسواق البحر المتوسط لا يعني عودته لإسرائيل، وكلام بعض المحللين الأكراد المروجين للاتفاق بأن النفط سيذهب لإسرائيل غير منطقي الآن، فتاريخياً نصف صادرات كردستان من النفط الخام كانت تذهب لإسرائيل، إلا أن السوق السوداء قد تلعب دورها وقد ينتهي بعض النفط في إسرائيل.
وفي هذا الصدد من الصعب أن يحل هذا النفط محل النفط الروسي في أوروبا لأن الكميات التي كانت تصدر إلى أوروبا محدودة من جهة، ولأن هناك حظراً أوروبياً على النفط الروسي، وقد يكون هناك استبدال إذا قررت تركيا خفض صادراتها من النفط الروسي.
ومن المفارقات التي قد تحصل أن تحويل هذه الكميات من الشرق إلى الغرب يزيد أهمية النفط الإيراني بالنسبة إلى الصين، وخلق حوافز إضافية لتجاهل العقوبات الأميركية والأوروبية، بخاصة بعد القرار الأخير لإعادة العقوبات على إيران لعدم التزامها بالاتفاق النووي لعام 2024، وخلاصة القول إن هذا اتفاق موقت مدعوم من حكومة ترمب لأسباب تتعلق بسياساتها والتي قد يتضح بعضها لاحقاً، كما أن هناك كثيراً من القضايا العالقة بين الشركات والحكومة المركزية في العراق، وبين تركيا والحكومة العراقية وتركيا وحكومة كردستان، ولا تزال قضية التحكيم التي رفعتها تركيا ضد العراق مستمرة، وتركيا لم تدفع 1.9 مليار دولار للحكومة العراقية وفقاً لقرار مجلس تحكيم أوروبي، والمفاوضات في شأن اتفاق لخط أنابيب جديد جارية، ولكن بحسب الواقع الحالي فإنه سينتهي في يوليو المقبل، وباختصار فإن الاتفاق الذي أبرم الأسبوع الماضي وبدء الضخ في الأنبوب لم يحل كل القضايا العالقة بين كل الأطراف، والقضايا التي لم تحل كبيرة ويمكن أن تسبب خلافات في أي وقت، مما قد يؤدي إلى خفض كميات النفط في الأنبوب وربما وقف الضخ فيه، ولهذا تنظر الغالبية إلى تطورات الأيام الماضية بتفاؤل حذر.