حظر العراق "حركة المدخلية" يطرح المخاوف مع اقتراب الانتخابات

عبر بعض المراقبين عن خشيته على الحريات بينما حذر آخرون من التعامل الأمني مع الجماعات الدينية

في ظل تصاعد القلق من موجات التطرف العنيف المؤدي إلى الإرهاب واتساع رقعة التهديدات التي تواجه السلم المجتمعي في العراق، اتخذت الحكومة العراقية ممثلة بمستشارية الأمن القومي خطوةً أثارت جدلاً سياسياً وفكرياً واسعاً حين وجهت باتخاذ إجراءات قانونية بحق حركة 'المدخلية' السلفية، باعتبارها من الحركات الدينية المتطرفة التي تهدد الاستقرار الداخلي.

ونشر القرار الذي وصف بالسري في طابعه الرسمي علناً في الـ 19 مايو (أيار) الجاري، مما كشف عن توجه أمني جديد قد يعيد رسم العلاقة بين الدولة والحركات الدينية داخل الطيف السنّي.

والحركة المدخلية التي وصفت من قبل باحثين ومتابعين بأنها 'تيار موال للسلطة' ورافض للعنف والعمل المسلح، وجدت نفسها فجأة مصنفة ضمن قائمة الحركات عالية الخطورة على الأمن القومي، وفق توصيف رسمي شاركت فيه مختلف الأجهزة الأمنية والاستخبارية العراقية، ويأتي هذا التصنيف في توقيت حساس تشهده البلاد مع اقتراب استحقاق الانتخابات البرلمانية في الـ 11 من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وسط تنافس محتدم بين قوى سياسية وطائفية تحاول تعزيز مواقعها.

ردود الأفعال

وتراوحت ردود الأفعال على هذا القرار بين التأييد الصامت والقلق العلني، بخاصة من داخل البيت السنّي، إذ عبر 'تحالف السيادة' عن خشيته من أن يشكل القرار تجاوزاً خطراً على الحريات الدينية والفكرية، كما حذر من أن مثل هذه الإجراءات قد تأتي بنتائج عكسية وتدفع بعض أتباع الحركات الدينية نحو مزيد من الانغلاق والتطرف.

وفي المقابل ترى أطراف حكومية أن القرار يندرج ضمن إستراتيجية وقائية لا تهدف إلى استهداف الفكر بحد ذاته، وإنما 'تحصين المجتمع من أية اختراقات فكرية قد تستغل لزعزعة الاستقرار أو خلق بيئات حاضنة للتطرف'.

وفي ظل انقسام الآراء وتضارب التقييمات يطرح سؤال جوهري حول هل يشكل القرار بداية تحول في السياسة الأمنية والفكرية في العراق؟ أم أنه انعكاس لصراع أعمق داخل التيارات الدينية والسياسية السنيّة؟

وفي خطوة غير مسبوقة أثارت جدلاً فكرياً وسياسياً، وجه مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي باتخاذ إجراءات قانونية ضد 'الحركة المدخلية السلفية' باعتبارها تهديداً مباشراً للسلم المجتمعي، فالقرار الذي كشف عنه عبر وثيقة رسمية في الـ 24 من أبريل (نيسان) الماضي ونشر في الـ 19 من مايو الجاري، جاء مدعوماً بتوصيات من أجهزة أمنية واستخبارية عدة وبموافقة رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة محمد شياع السوداني.

وخاطبت الوثيقة التي سربت إلى الإعلام نائب محافظ بغداد بصفته رئيس اللجنة الفرعية لمكافحة التطرف العنيف، ودعت إلى تنسيق الجهود مع باقي اللجان الفرعية في محافظات كركوك وديالى والأنبار وصلاح الدين ونينوى للبدء باتخاذ 'ما يلزم' ضد الحركة المذكورة، في إطار خطة وطنية لمواجهة ما سمي بـ 'التطرف العنيف المؤدي إلى الإرهاب'.

الحركة المدخلية تحت المجهر

وتميزت الحركة المدخلية التي تنتمي فكرياً إلى التيار السلفي التقليدي على مدى أعوام بمواقفها المناهضة للعنف، فحرّمت التظاهر أو الخروج على الحاكم مما جعلها تصنف من قبل كثيرين على أنها 'تيار موال للسلطة'، ويشير باحثون ومن أبرزهم يحيى الكبيسي إلى أن هذه الحركة دعمت مشاركة السنّة في القوات الأمنية وحرمت 'الجهاد ضد الاحتلال الأميركي'، بل ووقفت إلى جانب الحكومات المتعاقبة، بما في ذلك حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، ويؤكد الكبيسي أن 'هذا القرار ليس وليد تقييم أمني بحت بل انعكاس لصراع داخل الحركات السنيّة، إذ دخلت قوى شيعية مدعومة من فصائل مسلحة على خط التنافس لمصلحة تيار الرباط المحمدي المتحالف مع فصائل مثل بدر وعصائب أهل الحق على حساب التيار المدخلي، ويعتقد أن قرار إزاحة المدخلية يحمل في طياته بعداً سياسياً بقدر ما يحمل بعداً أمنياً'.

مخاوف وتحذيرات من 'تحالف السيادة'

ولم تمر هذه الخطوة دون رد فعل سياسي، إذ عبر تحالف 'السيادة' بزعامة خميس الخنجر عن قلقه من القرار، معتبراً أنه تجاوز خطر على حرية الرأي والاعتقاد التي يكفلها الدستور العراقي، وأشار بيان 'التحالف' إلى أن 'مثل هذه القرارات تهدد التعددية الفكرية داخل الطيف السنّي وقد تدفع بالحركات المستهدفة إلى الانغلاق أو حتى التطرف'، داعياً إلى 'اعتماد مقاربة فكرية تقوم على الحوار والانفتاح لا الإجراءات الأمنية'، ومحذراً من أن 'استهداف جهة عقائدية واحدة قد يفتح الباب لاحقاً أمام استهداف جهات أخرى، مما يعرض وحدة الصف المجتمعي للخطر ويزيد فجوة الثقة بين المواطن والدولة'.

المؤسسات الدينية والمجتمعية بين التأييد والتحفظ

وفي مقابل هذا الجدل حرص رئيس الوزراء محمد شياع السوداني على تأكيد أهمية دور رجال الدين في ترشيد الخطاب الديني ونبذ التطرف خلال لقائه وفداً من 'الهيئة العليا للمجمع الفقهي العراقي'، وذلك خلال لقاء تزامن مع نشر القرار ووصف بأنه محاولة لاحتواء ردود الفعل وضمان موقف موحد من قبل المرجعيات السنيّة التقليدية، بخاصة في ظل ما يشاع عن وجود انقسام داخل النخبة الدينية السنيّة بين من يدعم 'المدخلية' ومن يرى فيها انغلاقاً فكرياً يضر بالمجتمع، وقد ثمّن وفد 'المجمع الفقهي' دور الحكومة في تعزيز الاستقرار وتحقيق مشاريع خدمية وتنموية، لكنه لم يدلِ بموقف واضح تجاه القرار الأمني المتعلق بالحركة المدخلية، مما ترك الباب مفتوحاً لتفسيرات متباينة حول موقف المؤسسة الدينية السنية التقليدية.

القرارات الأمنية في ميزان التوازن الوطني

ويرى مراقبون أن التعامل مع الحركات الدينية والفكرية، ولا سيما ضمن المذهب السنّي، يتطلب حساسية فائقة في ظل ماضي العراق القريب الذي شهد استقطاباً طائفياً حاداً، ويحذر الباحث السياسي والاكاديمي خالد العرداوي من أن 'أي قرار أمني ينبغي أن يبنى على معلومات دقيقة وأن يتجنب الانزلاق نحو الاستهداف السياسي أو الوقوع في فخ التضليل الاستخباري'.

ويشدد العرداوي على 'ضرورة تحلي الأجهزة الأمنية بأقصى درجات المهنية والنزاهة، خصوصاً وأن العراق يمر بعام انتخابي حساس يتسم بتصاعد الصراع بين القوى السياسية إلى حدود خطرة، مما يحتم اتخاذ قرارات أمنية حكيمة تتجنب إشعال صراعات جديدة أو تغذية شعور المظلومية لدى أي مكون ديني أو سياسي'.

هل نحن أمام 'سياسة احتواء' جديدة؟

ومن غير الواضح ما إذا كان هذا القرار سينفذ بصورة كاملة في كل المحافظات أم أنه سيبقى ضمن إطار التقدير الميداني لكل لجنة فرعية، كما لم يُفصح عن طبيعة الإجراءات القانونية المزمع اتخاذها ضد أتباع تلك الحركة، وهل تشمل محاسبة جنائية أم مجرد قيود على النشاط الدعوي.

لكن المؤكد أن الحكومة العراقية تحاول من خلال هذه الخطوة إرسال رسالة قوية بأن خطاب التطرف، ومهما كان مظهره سلمياً، فلن يترك من دون رقابة، ولا سيما في مرحلة ما بعد 'داعش'، إذ تسعى الدولة إلى إعادة تعريف الهوية الدينية والوطنية وفق ثوابت أكثر اعتدالاً واندماجاً، كما أن قرار تصنيف 'المدخلية' كحركة متطرفة تطور لافت في نهج الدولة تجاه الحركات الدينية، ويكشف عن تحولات أعمق في فهمها لطبيعة التهديدات، لكنه في الوقت نفسه يختبر التزام العراق بالدستور والحريات، ويطرح تحديات كبيرة أمام مؤسسات الدولة في الحفاظ على التعددية ومنع الانزلاق في صراعات جديدة، ويبقى على الدولة أن تثبت أن معركتها ضد التطرف لا تعني بالضرورة عداء للفكر، بل دفاعاً عن الوطن من كل ما يهدد نسيجه وسلمه الأهلي.