اخبار العراق
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٧ أيار ٢٠٢٥
استمرار الإخفاق يهدد بترحيل الاختيارات إلى ما بعد الانتخابات الاتحادية ومعارضون يصعدون لحل البرلمان
أكثر من ستة أشهر مرت منذ إجراء الانتخابات البرلمانية في إقليم كردستان العراق في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ومع ذلك لا تزال مشاورات تشكيل الحكومة تراوح مكانها وسط انسداد سياسي واضح لم تنجح حتى قمة السليمانية التي جمعت رئيس الحكومة مسرور بارزاني وزعيم 'الاتحاد الوطني الكردستاني' بافل طالباني في كسره، وفيما يستمر حال الفراغ القانوني تبرز تساؤلات حول طبيعة الخلاف والمطالب المتبادلة في ظل سيناريوهات مطروحة عدة أمام الحزبين للتوصل إلى مخرج تحت تأثير عوامل خارجية.
وكانت نتائج الانتخابات التي أجريت في نوفمبر 2024 بعد نحو عامين من التأجيلات على وقع خلافات قانونية وسياسية أفرزت واقعاً جديداً فقد فيه الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني الغالبية البرلمانية (50+1) على رغم تصدره النتائج بـ39 مقعداً من أصل 100، يضاف إليها ثلاثة مقاعد للأقليات محسوبة عليه، بينما حصل الاتحاد الوطني على 23 مقعداً، إضافة إلى مقعدين عن الأقليات.
وجاءت هذه الصيغة بعد إجراء تعديل على قانون الانتخابات إثر سلسلة طويلة من الخلافات، حسمت لاحقاً بقرارات من المحكمة الاتحادية العليا في بغداد، بدفع من الاتحاد الذي رأى في القانون القديم خللاً يصب في صالح منافسه التقليدي.
عقدة المناصب
تشير تسريبات إلى أن المفاوضات بلغت مراحل حساسة، لكنها تتركز بصورة كبيرة على تقاسم المناصب، لا سيما الوزارات السيادية، فبينما يطالب 'الاتحاد' بمنصب رئاسة الإقليم ووزارات مؤثرة عدة مع تخليه عن رئاسة البرلمان لضعف صلاحياته، يرفض 'الديمقراطي' هذه المطالب ويرى فيها محاولة لتقويض نفوذه خارج الاستحقاق الانتخابي، وبات من غير الواضح ما إذا كانت آلية تقاسم المناصب ستتم وفق نظام النقاط تبعاً لأهمية المنصب، أم بطريقة 'السلة الواحدة'، حيث توزع المناصب على مستويات ثلاث، الرئاسات، والوزارات السيادية، ثم الوزارات الخدمية.
ومع انحسار الوقت فإن على الحزبين الإسراع في الاتفاق قبل حلول موعد انتخاب هيئة رئاسة البرلمان نهاية مايو (أيار) الجاري، بغية انتخاب رئيس للإقليم خلال 30 يوماً، ومن ثم تكليف مرشح لرئاسة الحكومة، وقد يدخلان في تقاطع مع فترة الإعداد والدخول في مرحلة الانتخابات البرلمانية الاتحادية المقبلة والمقررة في نوفمبر المقبل، في وقت تستمر فيه النقمة الشعبية جراء الأزمة الاقتصادية واستمرار حال الانسداد السياسي على المستوى الداخلي، وكذلك في الخلافات المزمنة مع بغداد.
مسارات للتأجيل
ويعطي توجه زعيم الاتحاد إلى واشنطن في زيارة يرجح أن تستغرق أكثر من أسبوعين مؤشراً إلى تعليق موقت للمفاوضات وليزيد الشكوك في ترحيل التشكيلة إلى ما بعد الانتخابات الاتحادية، بخاصة مع توجه الحزبين للدخول في محادثات للاتفاق على خوض الانتخابات بقائمة مشتركة في مناطق موضع نزاع مع بغداد، في موازاة تصاعد الأصوات المطالبة بحل البرلمان لفشله في الانعقاد وإجراء انتخابات مبكرة تزامناً مع نظيرتها الاتحادية، حيث أعلن النائب السابق عمر كولبي أنه سجل دعوى قضائية لدى المحكمة الاتحادية في هذا الإطار.
وتبدو المواقف في المفاوضات ضبابية إزاء ما كانت هناك رغبة لدى أحد الحزبين في تأجيل الاتفاق لحسابات تضمن تحقيق مكاسب في حال المساومة على المناصب في الجانب الاتحادي، ويعتقد المحلل السياسي سرتيب جوهر أن 'الضغط الغربي بقيادة واشنطن على الحزبين بدا واضحاً للإسراع في خطواتهما، لكن الصورة لا تزال غير واضحة.
وفي حال المضي على هذا النحو، فإن سيناريو تأجيلها إلى ما بعد الانتخابات الاتحادية المقررة في نهاية العام الحالي لن يكون مستبعداً، ما دام الديمقراطي لن يكون بمقدوره ضم قوى أخرى لتحقيق الغالبية لأنه لا أحد مستعد للمخاطرة بأصواته مع قرب الانتخابات الاتحادية، ثم إن معظم القوى واقعة تحت تأثير هيمنة الدول المحيطة أيضاً'.
تداعيات العامل الخارجي
ويصف بعض المراقبين مرحلة ما بعد الانتخابات بالمعقدة، فـ'الديمقراطي' بعد خسارته للغالبية يتمسك بالحفاظ على أدوات سلطة القرار مقابل ضغط يمارسه 'الاتحاد' باتجاه ما يسميه 'تحقيق التوازن في الحكم'، وكلاهما يترقب أي متغير قد يحصل في الصراع الإقليمي والدولي لما له من انعكاسات مباشرة على الساحة العراقية والإقليم الكردي.
ويشير جوهر إلى أن '(الديمقراطي) يعول في مسألة الاحتفاظ بنفوذه على نتائج المفاوضات بين الأميركيين والإيرانيين، ذلك أن تراجع نفوذ طهران يصب في مصلحته'، لافتاً إلى أن 'استمرار التأخير سينعكس لمصلحة الاتحاد في الانتخابات الاتحادية المقبلة، كما أن الأخير يخشى تبعات دخوله مجدداً في حكومة كما الصيغة السابقة من دون صلاحيات أوسع، ويأمل في نجاح المفاوضات الأميركية الإيرانية التي ستصب في صالحه، وقد يرغب في خيار التأجيل بهدف التفاوض والمساومة على المناصب في الإقليم وبغداد في سلة واحدة، تجنباً للنزاع الذي حصل سابقاً بين الحزبين على منصب رئيس الجمهورية'.
وعلى رغم إبداء مسؤولين من الطرفين تفاؤلاً مع قرب التوصل إلى تفاهم حول تعريف الشراكة وتوصيف الصلاحيات، فإن قادة في الاتحاد لم يتجنبوا انتقاد الديمقراطي في تنصل مستشارين وخبراء في الحكومة سابقاً عن الرجوع إلى الوزراء ما اعتبروه 'تقويضاً لمفهوم الشراكة'، وطالبوا بتغيير النظام الداخلي للبرلمان 'تجنباً لجعل رئيسه أداة بيد نوابه'، في حين أكد مسؤولون في الديمقراطي عن تحفظ وفدهم المفاوض على مطالب الاتحاد.
لا بدائل عن التوافق
قد لا ينطبق مبدأ الاستحقاق الانتخابي وفق الثقل النيابي على تقاسم السلطة في الإقليم بالنظر إلى إرث الانقسام الإداري المترسخ، مع وجود سلطتين لا تزالان غير متجانستين في إكمال دمج المؤسسات الحكومية الرئيسة، وفي هذا السياق يقول الباحث في الشأن السياسي الكردي كمال جوماني إن 'حزب بارزاني بإمكانه تشكيل الحكومة من دون الاتحاد وفق معيار النظام الديمقراطي السليم، لكن الواقع ليس كذلك، فهو يريد تطبيق المبادئ الديمقراطية فقط في موضوعة تشكيل الحكومة استناداً إلى نتائج الانتخابات'.
وأضاف جوماني 'هذا النظام نشأ منذ البداية عام 1992 على مبدأ المناصفة، ثم انقسم على إدارتين، وإن انفراد الديمقراطي بالحكومة سيواجه رفضاً قاطعاً من الاتحاد الذي لن يقبل بأن يتحول إلى معارضة، لذا فإن حزب بارزاني أمامه أحد خيارين، الأول أن يوافق على مبدأ المناصفة في حكومة مسرور بارزاني المقبلة، والثاني العودة إلى نظام حكم الإدارتين'.
ويستبعد جوماني أن يقبل 'الاتحاد' بأي حل خير هذين الخيارين 'لأنه سيقوض نفسه بنفسه، والحل لن يكون في هيمنة طرف دون آخر، بل في الخضوع للإرادة الديمقراطية وبلورة عقد اجتماعي جديد مع شعب الإقليم، وبخلافه ستكون الحكومة المقبلة ضعيفة وهشة'، وإزاء دور الفاعل الخارجي في رسم ملامح الحكومة المقبلة يعتقد أن 'الوضع المحلي والدولي قد يفرض تغييراً، لكن لا نعلم هل نحو الأفضل أم الأسوأ، عندما غزت أميركا العراق عام 2003، تحت شعار دمقرطة البلاد، حصلت تغييرات سياسية وتقدماً نال فيه الإعلام الحر والمعارضة فرصتهما، لكن اليوم هناك تراجعاً ملحوظاً، منوهاً بأن 'الحزبين سيتفقان في النهاية، لكن أي اتفاق يجب ألا يخرج عن الخيارات التي ذكرتها، وبعكسه فإن عمر الحكومة المقبلة سيكون قصيراً'.
اتفاق على تغيير محدود
ومع اقتراب نهاية مايو الجاري الذي يفترض أن يشهد انتخاب هيئة رئاسة البرلمان وتكليف رئيس الحكومة يبقى السيناريو الأكثر ترجيحاً التوصل إلى تسوية توافقية معززاً بالدوافع الغربية بقيادة واشنطن للتقريب بين الحزبين، وفي قراءته للمشهد من هذه الزاوية يوضح الكاتب والمحلل السياسي دلشاد أنور أن 'الإقليم يشهد حراكين، أحدهما بين الحزبين لتشكيل الحكومة والثاني بين بقية القوى لتشكيل تكتل أو لصوغ موقف موحد، والدول الغربية تتفهم جيداً عمق الخلاف بين الحزبين، وتدرك أيضاً أن أي اتفاق لن يتحقق من جدون حل الخلافات الشخصية على المستوى السياسي، وهذا يتضح من خلال اجتماع السليمانية الأخير بين مسرور وبافل، وكان بدفع من طرف دولي بغية تهيئة أرضية للاتفاق، والعلاقة بين الشخصين تبدو اليوم أفضل، ما أسهم في استمرار المفاوضات، وهما يدركان أنه لا خيار آخر أمامهما سوى الاتفاق'.
من جهة أخرى يشير سياسيون من خارج الحزبين إلى أن الحكومة المقبلة لن تختلف عن سابقتها في معالجة الملفات والأزمات، وفي هذا الإطار يكشف رئيس كتلة 'التيار الوطني' التي فازت بأربعة مقاعد علي حمة صالح عن رؤية تذهب إلى بقاء الواقع على حاله، ذلك أن 'الحزبين لا يزالان متمسكين بإرث حكم الإدارتين المنقسمتين بين أربيل (نفوذ الديمقراطي) والسليمانية (نفوذ الاتحاد)، إذ لا يملك رئيس الحكومة عن الديمقراطي سلطة على متر في نطاق نفوذ الاتحاد'.
وأضاف صالح أن الواقع يقول إن بضاعة ما لا تعبر بين الطرفين من دون تنسيق مسبق أو أخذ رسومات'، موضحاً 'هذه الحال تنطبق على نائب رئيس الحكومة، فإذا كان من (الاتحاد) فإنه لن يكون لسلطته وقع في منطقة (الديمقراطي)، والشيء نفسه ينطبق على بقية الوزراء، وبناءً عليه فإن الحزبين على ماذا سيتفقان إذاً؟ طالما لكل طرف يتحكم بنطاقه، سواء مالياً أو عسكرياً أو إدارياً'.