اخبار العراق
موقع كل يوم -ار تي عربي
نشر بتاريخ: ٩ حزيران ٢٠٢٥
إن التفسيرات التقليدية لفشل أميركا في تحقيق الاستقرار في أفغانستان لا تقدم الكثير من المساعدة لصناعة السياسات في المستقبل. رونالد نيومان – ناشيونال إنترست
تتلاشى الذاكرة الأمريكية لأفغانستان، وتضيع فرص تعلم الدروس من الحملة التي استمرت 20عاماً وتُستبدل بملصقات وشعارات إما خاطئة أو عديمة الفائدة إلى حد كبير دون تأمل عميق.
ثلاثة من أكثر دروس الملصقات شيوعاً هي 'لا تُمارس الديمقراطية'، و'لا تبن جيشاً على صورتنا'، و'لا تبن دولة'. وتشير مشاكل كل من هذه الدروس إلى الحاجة إلى تأمل أعمق إذا أردنا الاستفادة من الماضي وتجاوز الشعارات لاتخاذ قرارات سياسية مستقبلية.
الديمقراطية في أفغانستان
إن الجدل حول مدى فعالية الولايات المتحدة في تعزيز الديمقراطية في الخارج يعود تاريخه إلى عهد الجمهورية نفسها. فقد ظهر لأول مرة في أوائل القرن 19 خلال نقاشات حول ما إذا كان ينبغي للولايات المتحدة دعم حركات التحرير في أمريكا اللاتينية، أو مدى فعاليتها في ذلك. ومن المرجح أن يستمر هذا الجدل.
تكمن مشكلة استخدام حالة أفغانستان للطعن في تعزيز الديمقراطية كهدف سياسي في أنها تستند إلى فرضية خاطئة مفادها أن نشر الديمقراطية في أفغانستان كان الهدف الرئيسي للحملة الأمريكية هناك. ولكن في الواقع، كان الهدف الحقيقي طوال إدارات بوش وأوباما وترامب الأولى هو كيفية الانسحاب عسكرياً من أفغانستان مع ترك بلد مستقر إلى حد ما، حيث لا يمكن للإرهاب أن يعود.
ويتطلب القيام بذلك أساساً من الشرعية يُبنى عليه نظام الحكم. وباستثناء العودة إلى الحرب الأهلية، التي اتسمت بها البلاد سابقاً، كان من الضروري وجود شكل من أشكال التوزيع السلمي للسلطة. ومن ثم، كانت الديمقراطية ضرورة عملية، لا أيديولوجية، إذا أُريد للبلاد أن تُحكم بالإجماع لا بالرصاص.
لقد واجهت عملية بناء الديمقراطية الأفغانية مشاكل عديدة؛ منها الوقت اللازم لتأسيس ثقافة ومؤسسات داعمة، والاختيار الخاطئ للنظام الانتخابي، وصعوبة إجراء الانتخابات في ظل ظروف غير آمنة. إلا أن مشكلة أفغانستان لم تكن في أن تعزيز الديمقراطية كان هدفاً غير واقعي، بل في ندرة البدائل المتاحة.
على أي حال، لم يقم صانعو السياسات بصياغة المشكلة بهذه المصطلحات؛ فالخروج السريع كان هدفاً، لكن الديمقراطية كانت نوعاً من رد الفعل التلقائي لكيفية تحقيق ذلك. وسواء كان هذا الخيار صائباً أم لا، فهذا أمر قابل للنقاش، إذا ما تم إيجاد نموذج حكم بديل. لكن الاستنتاج بأن حالة أفغانستان تُثبت أن على الولايات المتحدة الامتناع عن بناء الديمقراطية هو رفض للتفكير في الخيارات التي كانت، أو لم تكن، متاحةً آنذاك.
لا جيش نموذجي
لقد أنشأت الولايات المتحدة في أفغانستان قوة تعتمد على الدعم الأجنبي لدرجة أنها لا تستطيع العمل بدونه. فعلى سبيل المثال، كان نظام الإمداد الذي بنيناه في أفغانستان متطوّراً ورقمنياً ويعتمد على المغتربين الأجانب، الذين طردناهم في النهاية. ومع ذلك، فإن المشكلة لا تكمن في حقيقة الشعار، بل في الحاجة إلى بديل.
ولا يمكن إرسال أعداد كبيرة من العسكريين الأمريكيين لتدريب جيش دولة أخرى دون وجود عقيدة تنظيمية للتدريب. فليس لدينا مثل هذه العقيدة لتدريب قوة مختلفة جذرياً عن قوتنا، مع قيود كبيرة على محو الأمية والتعليم. وسيتطلب بناء جيش بنموذج مختلف تفكيراً وتطويراً مكثّفين. وبدون هذا التفكير سنكون إما عاجزين عن المساهمة في بناء جيش أجنبي عند الحاجة، أو سنكرر أخطاء الماضي. لذا فإن هذه العبارة بحد ذاتها لا تعيننا على اتخاذ القرارات المستقبلية.
بناء الدولة، لا بناء الأمة
يُعتبر 'عدم بناء الأمة' بلا شك 'الدرس' الأكثر إشكاليةً في التاريخ الأمريكي الحديث. أولًا، يُعدّ مصطلح 'بناء الدولة' أكثر دقة، لأن أفغانستان قائمة كدولة محددة منذ عام 1747. وقد استخلصت إدارة بوش الأولى، وخاصة وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، درساً من البلقان مفاده أن بناء الأمة خطأ.
وكانت النتيجة مقاومة أي التزام بتعزيز المؤسسات في أفغانستان مباشرة بعد حرب عام 2001، عندما هُزمت طالبان بشكل أساسي وتراجعت حدة المشاكل الأمنية. وقد ضاعت هذه الفترة المواتية عندما بلغ النفوذ الأجنبي ذروته، ولم يكن هناك اهتمام ببناء المؤسسات. واقتصرت المساعدات الأمريكية على المساعدات الإنسانية فقط، ولم تبدأ أول مساعدة تنموية، وإن كانت غير كافية، إلا في عام 2004.
أما في العراق فقد كان هناك افتراض بأنه عند الإطاحة بحكومة صدام حسين، سيتحول العراق ببساطة إلى ديمقراطية مع قلة الدعم. لكن فكرة عدم بناء الدولة ظلت تُؤرق الولايات المتحدة. وخلصت المراجعة الثانية طويلة الأمد لسياسات الولايات المتحدة تجاه أفغانستان في عهد إدارة أوباما إلى أن الولايات المتحدة ستقتصر أهدافها على تدمير طالبان، ولن تُركز على بناء الدولة.
تكمن مشكلة هذه الصيغة في أن طالبان حركة تجديدية، ويتطلب قمعها جيشًاً. لكن الجيوش جزء من الدولة، والدولة تحتاج إلى اقتصاد وبنية تحتية فعّالة. وقد أدت كل هذه الاعتبارات إلى زيادة هائلة في ميزانية التنمية، ونشر فرق إعادة إعمار المقاطعات والأقاليم، وجهود جبارة لزيادة الوجود الاستشاري المدني. وكان منطق هذه الخطوات واضحاً لا لبس فيه، وكانت بلا شك بمثابة بناء دولة، حتى مع إعلان الإدارة أنها لن تفعل ذلك. ولكن هذا التناقض لم يكن مفيداً للسياسة، على أقل تقدير.
الدروس الحقيقية
بعد 20 عاما تستحق القضايا التكتيكية ومخاوف الحوكمة واستراتيجيات هزيمة طالبان التفكير، لكن الدروس الأكثر جوهرية هي في صنع السياسات الأمريكية التي تعتمد على بناء منظمة متعلمة ووشع جداول زمنية معقولة وتحديد الشركاء المحليين.
لقد تفاقمت عيوب نقص قوة الشرطة المحلية في أفغانستان والعراق بسبب الجدل الدائر حول ما إذا كان ينبغي أن تكون قوات الشرطة عسكرية أم مدنية. وبالطبع، كان الجواب أن كليهما ضروري. فبدون تدريب ملائم على إنفاذ القانون، لا يمكن لقوات الشرطة أن تكون مصدراً للعدالة أو السلامة العامة. ومع ذلك، لا تزال الشرطة الأفغانية تواجه جماعات متمردة كبيرة ومسلحة بأسلحة ثقيلة.
لا شك أن هناك دروساً مهمة أخرى يمكن استخلاصها من أفغانستان. وللاستفادة منها، يتعين على الأكاديميين، وكذلك صانعي السياسات، تجاوز الشعارات الجاهزة. وسيحتاجون إلى مراعاة أن الإخفاقات المتكررة تعكس مشاكل هيكلية أعمق في نهجنا. وإذا لم نتمكن من حل مشاكل جودة القيادة المحلية أو الحاجة إلى أفق زمني واقعي، فعلينا على الأقل أن نبدأ بالاعتراف بوجود هذه المشاكل وتكرارها، وعندها فقط سنتمكن من صياغة مناهج أفضل للمستقبل.
المصدر: إنترناشيونال إنترست
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب