اخبار العراق
موقع كل يوم -المسلة
نشر بتاريخ: ١٤ أيلول ٢٠٢٥
14 شتنبر، 2025
بغداد/المسلة: ليث شبر
من السهل أن ينهال العراقيون بالانتقاد على السلطة، حتى من داخل السلطة نفسها وأن يرفعوا أصواتهم بالاحتجاج ضد الفساد، وأن يلعنوا السلاح المنفلت في العلن، ولكن السؤال الجوهري يبقى لماذا لا نجد لهذا النقد أثراً حقيقياً في الواقع، ولماذا يكتفي أغلب المنتقدين بالتشاؤم والتذمر ثم يمارسون حياتهم اليومية وكأن شيئاً لم يكن.
ولعل السبب الأعمق يكمن في أن المجتمع صار يتعايش مع هذا الواقع، فهو يندد بالفساد لكنه يمارسه في يومياته، وهو يرفض السلاح المنفلت بينما يتعامل معه عند الحاجة، وهو يستنكر المحسوبية وهو يطلبها في الخفاء، فالبنية الاجتماعية المركبة والمشوهة لم تُنتج حكامها ومسؤوليها من فراغ، وإنما انعكست فيهم بأشكال مختلفة، فهم لم يأتوا من المريخ ولا من كوكب آخر بل خرجوا من رحم هذه البيئة التي اعتادت أن تقول شيئاً وتفعل ضده.
وهكذا تحولت الازدواجية إلى ثقافة عامة، فنحن نلعن السياسيين في المجالس ونبحث عن رضاهم في السر، ونشتم الفصائل في المقاهي ونطلب حمايتها في الخفاء، ونحتج على ارتفاع الأسعار ونغض الطرف عن التهريب والفساد الذي يغذيها، وإن هذه الثقافة قبل أي نظام سياسي هي ما جعل الفساد يترسخ ويتناسل، وهي ما جعل السلاح خارج الدولة يتحول إلى جزء من دورة الحياة اليومية.
ومن هنا فإن الصراحة تفرض علينا أن نقر بأننا لسنا ضحايا فحسب بل شركاء في إنتاج هذا الواقع، فالمجتمع الذي يتعايش مع القبح ويديره بنفاق يومي لا يمكن أن ينتظر نتائج مختلفة مهما تبدلت الحكومات أو تبدلت الوجوه، والتغيير لا يبدأ من الخارج بل من لحظة الرفض الجاد الذي لا يكتفي بالشعارات ولا يساير الخطأ بحجة الخوف أو الحاجة، وإنما يبدأ من مواجهة الذات قبل مواجهة الآخر، ومن القدرة على تحويل الرفض من موقف معلن في النهار إلى التزام حقيقي في كل حين.
إن مشروعنا في بناء الدولة المدنية الذكية السيادية النابضة لا يمكن أن يتحقق ما لم نكسر هذه الحلقة، وما لم يتحول الرفض من كلام إلى فعل، وما لم يتحول التذمر من عادة إلى قوة تغييرية، وما لم ندرك أن التواطؤ الصامت هو أصل البلاء الذي يمد الفاسدين بعمر أطول وسلاح أقوى.
ولهذا فإن الخطوة الأولى ليست في انتظار مخلّص ولا في تحميل الطبقة السياسية كل الذنوب، بل في أن يقرر كل فرد أن يتوقف عن تغذية ما ينتقده، وأن لا يلجأ إلى الفاسد ولا يتوسل صاحب السلاح ولا يساوم على حقه ولا يتستر على باطل، وأن يحوّل رفضه من صرخة في الشارع إلى موقف في البيت والعمل والسوق والمؤسسة، لأن الدولة لا تبنى بالهتاف وحده بل بالممارسة اليومية التي ترفض القبول بالفساد وتواجهه مهما صغر حجمه، وتتصدى للسلاح المنفلت مهما كانت الحاجة إليه، وتنتج قيماً جديدة قادرة على أن تفتح الطريق أمام ولادة عراق مختلف.
About Post Author
moh moh
See author's posts