اخبار العراق
موقع كل يوم -المسلة
نشر بتاريخ: ٢١ أب ٢٠٢٥
21 غشت، 2025
بغداد/المسلة: يسلط الجدل الدائر حول وفاة الطبيبة العراقية بان الضوء مجددا على واحدة من أكثر القضايا إرباكا في المجال الجنائي، حيث يتقاطع البعد القانوني مع البعد الاجتماعي والسياسي في بيئة متوترة تعكس حجم هشاشة الثقة بالقضاء والمؤسسات.
ويشير خبراء القانون، كما فعل علي التميمي، إلى أن الفارق بين الانتحار والتحريض عليه أو القتل المغلف بالانتحار ليس تفصيلا إجرائيا، بل هو جوهر المسألة، إذ يتحدد الوصف الجنائي وفق الإرادة الحرة للمجني عليه أو غيابها. وتفتح المادة 408 من قانون العقوبات نافذة على حالات الدفع إلى الانتحار، فيما تنقل المادة 406 الجريمة إلى مستوى القتل العمد مع سبق الإصرار حين تكون الإرادة مسلوبة أو الضحية مكرهة.
وقال التميمي للمسلة، أن الفرق بين الحالتين هو الإرادة اي إرادة المجني عليه التي لم تكن حرة في الاختيار بل مكرهة مجبورة وهنا يتحول الجاني الذي ارغم المنتحر إلى ذلك فاعل معنوي يعاقب بعقوبة مكتملة الأركان وفق ماذكرناة وفق المادة 406 من قانون العقوبات العراقي.
وتابع: لكن من يثبت ويحدد الوصف القانوني للجريمة ويحدد هل هي انتحار ام قتل عمدي هو التحقيق من خلال افادات المدعين بالحق الشخصي والمتهمين والشهود ومن خلال التقرير الطبي التشريحي من حيث هل توجد كدمات على الجثه أو مقاومة أو تسمم أو غيرها وحسب نوعية الواقعة وارى ان التقرير الطبي التشريحي هو مفتاح مثل هذه الجرائم بالاضافة الى شهود الحادث ..وكاميرات المراقبة.
واضاف ان القتل المغلف بالانتحار هو من الجرائم القديمة باسلوبها فهي حوادث مدبرة مكشوفة يراد منها إنقاذ الجاني ودفن الحقيقة مع المجني عليه، فكانت شائعة في عقود سابقة مثل يقولون بعد قتل المجني عليه كان ينظف السلاح ونسي اطلاقه في السلاح، وهكذا لكن مرة أخرى يبقى التقرير الطبي التشريحي هو مفتاح ذلك من حيث مسافة الاطلاقة والوشم البارودي وفتحة خروج الاطلاقة كلها يحددها هذا التقرير الذي يشكل مفتاح القضية وكشف وفك طلاسمها وكل ذلك يعتمد على حذاقة المحقق.
ويكشف هذا الجدل عن مفارقة عميقة، فبينما يسعى القضاء إلى تثبيت الوقائع، يبقى الرأي العام أسير الشكوك والتأويلات. ويعود السبب إلى أن أدوات التحقيق – من تشريح طبي وتقارير جنائية وكاميرات وشهادات – هي التي تمنح الحسم، غير أن الثقة بالمنظومة تبقى هي العامل الغائب. وهنا تتحول كل وفاة غامضة إلى حقل ألغام سياسي واجتماعي، يفتح الباب أمام نظريات المؤامرة والاتهامات المتبادلة.
ويستعيد المحللون تجارب عراقية سابقة ارتبطت بجرائم تم إخراجها في صورة انتحار، لتؤكد أن هذه الظاهرة ليست جديدة بل تعود إلى عقود سابقة حيث كان القتل يُغلّف برواية انتحار لإنقاذ الجناة ودفن الحقيقة مع الضحية.
ويضع هذا المشهد الدولة أمام تحدي تقوية منظومة العدالة الجنائية، ليس فقط بالنصوص القانونية، بل بإرادة سياسية شفافة قادرة على إعادة الاعتبار للمؤسسات.
ويثير التذكير بغياب العقوبة على من أخفق في الانتحار سؤالا آخر حول الفجوة بين القانون والبعد الإنساني، فالمقدم على الانتحار لا يحتاج سجنا بل رعاية نفسية، وهو ما نجده معمولا به في القوانين الأوروبية.
وهنا تصبح القضية متعددة الأبعاد، تجمع بين القانون والدين والثقافة والإعلام، لتجعل من ظاهرة الانتحار – إن تمددت – أزمة وجودية تهدد بنية المجتمع كله.
About Post Author
زين
See author's posts