"أسبوع الشجرة" و"الري المبتكر".. مبادرات لتحويل البحرين إلى نموذج للاستدامة

طه العاني - الخليج أونلاين

ما الهدف من مبادرة 'الري المبتكر' في البحرين؟

دعم الأفكار الإبداعية لتحسين كفاءة استخدام المياه واستدامة الزراعة.

إلامَ تهدف خطة التشجير الوطنية في البحرين بحلول 2035؟

تواصل مملكة البحرين ترسيخ موقعها كنموذج خليجي في إدارة الموارد الطبيعية وتعزيز الاستدامة البيئية، عبر حزمة من المبادرات العملية التي تمزج بين الوعي المجتمعي والابتكار التقني.

ويأتي تنظيم 'أسبوع الشجرة' وإطلاق مسابقة 'الري المبتكر'، في أكتوبر الماضي، ضمن مسار وطني يهدف إلى مضاعفة الغطاء النباتي وخفض الانبعاثات الكربونية، بما يعكس توجه المملكة نحو تحقيق توازن مستدام بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة.

مبادرات خضراء

وخلال تدشينه 'أسبوع الشجرة'، في 16 أكتوبر، أكد ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، أن الفعالية وغيرها من المبادرات تمثل أهمية كبيرة في ترسيخ ثقافة الحفاظ على البيئة واستدامة مواردها، ورفع الوعي البيئي في المجتمع، وزيادة المساحات الخضراء في مختلف مناطق المملكة.

ويؤكد أن بلوغ الغايات المرجوة على صعيد التشجير يقترن بالتعاون والتكامل والعمل بروح الفريق الواحد بين كافة الجهات الرسمية والأهلية والمواطنين والمقيمين.

وفي إطار التوجهات الوطنية لتعزيز الاستدامة، أكد وزير شؤون البلديات والزراعة وائل بن ناصر المبارك أن البحرين تولي قضايا البيئة والتنمية المستدامة أولوية استراتيجية ضمن رؤيتها التنموية الشاملة.

وأشار المبارك، في تصريحات نشرتها صحيفة 'الوطن' البحرينية في 13 أكتوبر 2025، إلى أن هذا التوجه يعكس إدراكاً متنامياً بأهمية الحفاظ على الموارد الطبيعية في ظل التحولات المناخية والضغوط البيئية المتزايدة.

ولفت المبارك إلى أن إطلاق مبادرة 'أسبوع الشجرة' لهذا العام جسّد حرص الدولة على إشراك المجتمع في حماية البيئة، من خلال فعاليات توعوية ومجتمعية تشجع على التشجير وزيادة الرقعة الخضراء، بالتعاون مع القطاعين العام والخاص والمجالس البلدية والأهالي.

كما أوضح أن مسابقة 'الابتكار في حلول الري' تمثل منصة وطنية لدعم الأفكار الإبداعية في مجال الري الحديث، وتشجيع تطوير تقنيات ترفع كفاءة استخدام المياه وتدعم استدامة المساحات المزروعة في مختلف مناطق المملكة.

وبيّن الوزير أن المبادرتين تمثلان ركيزتين أساسيتين في خطة التشجير الوطنية التي تستهدف مضاعفة عدد الأشجار إلى نحو 3.6 ملايين شجرة بحلول عام 2035، انسجاماً مع التزام البحرين بخفض الانبعاثات الكربونية.

وتسعى المملكة إلى مضاعفة زراعة أشجار القرم أربع مرات حتى عام 2035، لما لها من دور في امتصاص الكربون وحماية الشواطئ.

وفي السياق ذاته، أوضح وزير النفط والبيئة محمد بن مبارك بن دينه، المبعوث الخاص لشؤون المناخ، أن 'أسبوع الشجرة' ومسابقة 'الري المبتكر' يشكلان رافدين رئيسيين لجهود التوعية البيئية.

وأكد 'بن دينه' لوكالة أنباء البحرين (بنا)، في 13 أكتوبر 2025، أن بلاده تمضي بخطى ثابتة نحو تحقيق أهدافها البيئية الطموحة بالتوازي مع التزاماتها الدولية، لاسيما في إطار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ (COP26).

ويضيف أن هذه المبادرات تعكس تصميم البحرين على توسيع نطاق استخدام المياه المعالجة في عمليات الري، بما يسهم في تحسين كفاءة الموارد وتقليل الفاقد المائي، إلى جانب نشر ثقافة الابتكار في الحلول الزراعية والري الذكي.

كما شدد على أن تعزيز المشاركة المجتمعية يشكل عنصراً محورياً في ضمان نجاح الاستراتيجية الوطنية للتشجير والاستدامة.

ومن خلال هذه الخطوات، تسعى البحرين إلى تكريس نهج البيئة المستدامة القائم على الحلول الذكية، بما يعزز مكانتها كنموذج إقليمي يجمع بين التطور الحضري والحفاظ على البيئة، ويجعل من مبادراتها البيئية أداة فاعلة لدعم الاقتصاد الأخضر وتحقيق أهداف التنمية المستدامة حتى عام 2030.

تجربة رائدة

ويقول أستاذ الجيولوجيا وعلوم البيئة الدكتور أحمد ملاعبة، إن الشجرة أصبحت حلاً شاملاً ومتكاملاً للعديد من متطلبات البيئة، وأهمها إيجاد مناخ منتظم يتمتع بعدالة بيئية، بعيداً عن الفوضى الناتجة عن الانبعاثات الغازية التي تسببت في احترار عالٍ.

ويضيف ملاعبة لـ'الخليج أونلاين'، أن البحرين تواكب الاتفاقية الإطارية العالمية للأمم المتحدة وتوصيات مؤتمرات الأطراف المعنية بالمناخ.

ويرى أن ما تقوم به البحرين من خلال مبادرات مثل 'أسبوع الشجرة' و'الري المبتكر' هو خطوة رائدة وجادة نحو المساهمة في إيجاد بيئة جمالية رائعة بأشجار تتحمل قسوة الرطوبة والجفاف والحرارة العالية.

ويلفت إلى أن زراعة مثل هذه الأشجار، خاصة المثمرة منها، ضمن مفهوم الأمن الغذائي والأمن المائي، يمكن أن تتم بنجاح باستخدام التكنولوجيا الحديثة والسماد الطبيعي، واستخدام تقنيات الري المناسبة.

ويردف أن مسألة توفير المياه لن تكون عقبة بوجود الخليج، حيث يمكن وضع محطات تحلية لمياه البحر، ضمن المواثيق الدولية، واستخدام المياه المحلاة لري هذه الأشجار.

ويؤكد ملاعبة أن هذه المبادرات سيكون لها نتائج كبيرة تتمثل في تلطيف المناخ لأكثر من خمس درجات مئوية، وإيجاد مساحات خضراء تساهم في الحفاظ على التربة ومنع تدهورها أو انجرافها مع الرياح أو الفيضانات.

وأشار إلى أن وجود الغطاء النباتي يمثل واقياً لسطح الأرض والتربة، خاصة عند استخدام الفسائل التي تناسب المناخ الصحراوي، مثل النخيل الذي يساهم في خفض نسبة ثاني أكسيد الكربون.

ويشيد بالتجربة البحرينية، واصفاً إياها بأنها 'رائدة ونموذج'، بسبب التزام الهيئات الرسمية العليا والعائلة الحاكمة بالمشاركة في زراعة الأشجار.

ويمكن لهذا النموذج أن يكون مثالياً للعالم، خاصة مع الخطط الاستراتيجية الوطنية لزراعة عدد كبير من الأشجار بحلول عام 2035، ما سيجعل الدولة 'واحة' ورافعة اقتصادية جديدة.

ويضيف ملاعبة أن تحديات المياه يمكن مواجهتها بالزراعة الذكية، مثل الري بالتنقيط أو الزراعة المائية بدون تربة، التي توفر منتجات تكفي لسد احتياجات السوق اليومي من الخضروات والفواكه.

ويعتبر أستاذ الجيولوجيا وعلوم البيئة أن هذه المشاريع العملاقة في زراعة الأشجار والغابات الصناعية توفر الرطوبة والتبريد، وستكون مواجهة فعالة للتحديات المناخية.

ويبين أن القطاع الخاص يستطيع الاستثمار في هذا المجال من خلال إنشاء مزارع صناعية بأنواع محددة من النباتات، ما يوفر مواد غذائية وعائداً مالياً، ويساهم في خدمة الوطن للوصول إلى 'الحياد الكربوني'.

كما يعتقد أن الدخل القومي للبحرين من هذه المشاريع الزراعية أو 'الغابات الصناعية' سيعطي مردوداً اقتصادياً عالياً، قد يصل إلى نسبة كبيرة من الناتج القومي المحلي.

وأوضح ملاعبة في حديثه لـ'الخليج أونلاين'، أن البحرين مستعدة لهذا العمل، وإذا استمر الحال على هذا المنوال، ستصبح هناك 'غابة اسمها غابة البحرين' تغطي مساحة الدولة بشكل كامل.

ويرى أن هذا التحول سيجعل البحرين منتجعاً سياحياً يرفد القطاع السياحي، ويوفر أمناً غذائياً للمواطن، ويقلل فاتورة الاستيراد، بل وربما يصل بالبلاد إلى حد التصدير.

التزام بيئي

وتواصل البحرين ترسيخ مكانتها كنموذج في العمل البيئي من خلال دمج أهداف التنمية المستدامة في سياساتها الوطنية، وتبني نهج متكامل يوازن بين النمو الاقتصادي وحماية الموارد الطبيعية.

وبحسب الموقع الرسمي للحكومة، تُعد الاستدامة ركيزة أساسية في رؤية البحرين الاقتصادية 2030، التي تستهدف تنمية متوازنة تحقق رفاه الإنسان وتحافظ على البيئة للأجيال المقبلة.

ويقود المجلس الأعلى للبيئة تنفيذ الاستراتيجية البيئية للمملكة بالتعاون مع الجهات الحكومية والخاصة، حيث يضطلع بمسؤولية رسم السياسات والإشراف على حماية الحياة الفطرية وتنمية الموارد الطبيعية، بما يتماشى مع التزامات البحرين في الاتفاقيات الدولية المعنية بالمناخ والبيئة.

ويبرز هذا الالتزام من خلال القانون رقم (7) لسنة 2022، الذي يشكّل إطاراً تشريعياً شاملاً لمعالجة قضايا التنوع البيولوجي وجودة الهواء وإدارة المخلفات والحد من التلوث.

كما شملت الإجراءات الوطنية حظر الأكياس البلاستيكية أحادية الاستخدام وتشديد الرقابة على الانبعاثات الجوية والبحرية، في إطار سياسة بيئية أكثر صرامة واستدامة.

وفي سياق العمل المناخي، تستهدف المملكة تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060، وخفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 30% بحلول 2035، إلى جانب مضاعفة إنتاج الطاقة المتجددة إلى 20% وزيادة عدد الأشجار.

كما تولي الحكومة إدارة المياه أولوية ضمن الاستراتيجية الوطنية للأعوام 2021 – 2030، من خلال تبني حلول مبتكرة في معالجة وإعادة استخدام المياه، وتعزيز الكفاءة في استهلاكها.

وتأتي الحملة الوطنية 'مياه مستدامة – لكل قطرة قصة' لتجسّد هذا التوجه، عبر رفع الوعي المجتمعي بضرورة الاستخدام المسؤول للموارد المائية وتكريس ثقافة الحفاظ عليها كركيزة للاستدامة المستقبلية.