اخبار الإمارات
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ١٢ أيلول ٢٠٢٥
يوسف حمود - الخليج أونلاين
- في سبتمبر 2019، تعرضت منشآت بقيق وخريص التابعة لشركة أرامكو لهجوم غير مسبوق
- في يناير 2022، تعرضت أبوظبي لهجوم بطائرات مسيرة وصواريخ
بعد الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف مقرات سكنية لعدد من قادة حركة 'حماس' في العاصمة القطرية، تجد الولايات المتحدة نفسها في قلب تساؤلات متجددة حول جدوى وجود قواعدها العسكرية في الخليج. فبينما أكدت عواصم عدة تضامنها مع الدوحة، بقيت الأنظار معلقة على واشنطن، التي لم تُبدِ أي رد عسكري مباشر.
الموقف أعاد إلى الواجهة نقاشاً أوسع حول حدود التزامات الولايات المتحدة تجاه شركائها الخليجيين، لا سيما أن دولاً مثل السعودية والإمارات واجهت، في السنوات الماضية، هجمات مشابهة لم تلقَ استجابة عملية من جانب القوات الأمريكية المنتشرة على أراضيها.
ورغم أن واشنطن دأبت على تأكيد أن وجودها العسكري يهدف إلى ضمان الاستقرار الإقليمي، فإن وقائع السنوات الأخيرة، من بقيق إلى أبوظبي وصولاً إلى الدوحة، أثارت شكوكاً متزايدة حول طبيعة هذه الالتزامات.
هجوم يفتح باب التساؤلات
في 9 سبتمبر، استهدفت غارات إسرائيلية العاصمة القطرية، حيث أصابت مقرات سكنية قالت تل أبيب إنها تعود لقيادات في حركة 'حماس'.
السلطات القطرية اعتبرت العملية انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي واعتداء مباشراً على سيادتها، فيما سارعت عدة عواصم عربية وأجنبية إلى التعبير عن تضامنها مع الدوحة.
الدوحة من جانبها أكدت أنها ستتخذ كافة الإجراءات اللازمة لحماية أمنها، فيما بقي الموقف الأمريكي محصوراً في بيانات سياسية عامة لم تترجم إلى تحرك عسكري.
وتصاعدت التساؤلات حول دور قاعدة العديد، التي تُعد أكبر منشأة عسكرية أمريكية في المنطقة، فالنقاشات ربطت بين الهجوم وصمت القوات الأمريكية، في وقت يرى فيه كثيرون أن الهدف المفترض لهذه القاعدة هو حماية الدولة المضيفة.
ويقول سفير دولة الاحتلال الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة داني دانون، في تصريحات نقلتها القناة 12 العبرية: إن 'تل أبيب تتحمل وحدها مسؤولية قراراتها الأمنية، حتى لو تعارضت مع حسابات حليفتها الرئيسية الولايات المتحدة'.
وأضاف أن 'إسرائيل لا تفعل الأمور دائماً وفقاً لمصالح الولايات المتحدة'، مشيراً إلى أن هناك حالات يجري فيها إبلاغ واشنطن مسبقاً بالعمليات، وأخرى تنفذ العمليات خلالها دون تنسيق كامل، قبل أن يضيف: 'في النهاية نحن من يتحمل المسؤولية'.
السعودية.. أرامكو 2019
هذا الهجوم يعيد التذكير بهجمات تعرضت لها دول خليجية وسط تجاهل يراه البعض متعمداً من قبل واشنطن، ففي سبتمبر 2019، تعرضت منشآت بقيق وخريص التابعة لشركة أرامكو لهجوم غير مسبوق، أدى إلى توقف نصف إنتاج المملكة النفطي لعدة أيام، حيث اتهمت واشنطن إيران بالوقوف وراء الهجوم، لكنها لم تتخذ أي إجراء عسكري مباشر.
الموقف الأمريكي آنذاك أثار صدمة في الرياض، التي كانت ترى في الوجود العسكري الأمريكي ضمانة للأمن، حيث وصف الإعلام السعودي ذلك بالمفاجأة غير المتوقعة من الحليف الأكبر، فيما طالبت أصوات سياسية بإعادة تقييم طبيعة العلاقة الدفاعية مع واشنطن.
الهجوم دفع السعودية لاحقاً إلى تسريع خطط تعزيز دفاعاتها الجوية، والبحث عن تنويع مصادر السلاح عبر عدة دول كروسيا والصين وتركيا، ما عكس بداية تراجع الثقة في المظلة الأمريكية.
الإمارات.. استهداف أبوظبي
وفي يناير 2022، تعرضت أبوظبي لهجوم بطائرات مسيرة وصواريخ أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص وإلحاق أضرار مادية بعدة منشآت، فالعملية التي تبنتها مليشيا الحوثيين أثارت استغراباً واسعاً في الإمارات، إذ لم تتحرك القوات الأمريكية المتمركزة في قاعدة الظفرة لردعها.
السلطات الإماراتية تلقت دعماً سياسياً وبيانات تضامن من واشنطن، لكن غياب أي رد مباشر ترك تساؤلات مشابهة، فيما اتجهت أبوظبي لاحقاً لتوسيع تعاونها الدفاعي مع شركاء آخرين.
والحادثة شكلت منعطفاً في التفكير الإماراتي، حيث برزت توجهات نحو الاعتماد على تنويع الحلفاء بدلاً من الاكتفاء بالمظلة الأمريكية.
تركيا.. انقلاب 2016
والسوابق لا تقتصر على الخليج. ففي يوليو 2016، شهدت تركيا محاولة انقلاب عسكري فاشلة، وأثير جدل واسع حول استخدام قاعدة إنجرليك الجوية، التي تضم قوات أمريكية، في عمليات لتزويد طائرات متمردة بالوقود.
أنقرة عبرت حينها عن غضبها من موقف واشنطن المتردد، ما فاقم أزمة ثقة بين الطرفين داخل حلف الناتو، فيما أظهر الموقف أن وجود القواعد الأمريكية قد يصبح جزءاً من صراع داخلي أو إقليمي بدلاً من أن يكون ضمانة للحماية.
خلل جوهري
يرى أستاذ علم الاجتماع السياسي علاء عبد اللطيف أن الهجوم الإسرائيلي على الدوحة كشف عن خلل جوهري في بنية التحالف بين واشنطن والخليج، إذ ظهر بوضوح أن الولايات المتحدة لم تعد تتعامل مع وجود قواعدها العسكرية كالتزام بحماية الدول المضيفة، بقدر ما تستخدمها كأداة لخدمة أولوياتها الاستراتيجية المرتبطة بـ'إسرائيل'.
أزمة عميقة
يقول الباحث والمحلل السياسي علي باكير إن ما جرى في الدوحة يعكس أزمة أعمق في العلاقة بين الولايات المتحدة وحلفائها في الخليج، موضحاً أن لواشنطن سوابق في استخدام قواعدها بما يتعارض مع مصالح الدول المستضيفة.
وأضاف باكير في منشورات له على منصة 'إكس' أن قطر، بوصفها حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة من خارج حلف الناتو، كانت تتوقع التزاماً أكبر من جانب واشنطن تجاه أمنها، غير أن الهجوم الإسرائيلي الأخير على الدوحة كشف –بحسب قوله– عن معادلة مقلوبة، إذ بدا أن القوات الأمريكية المنتشرة في المنطقة لا تؤدي الدور المفترض في حماية الدول المضيفة، بل تغض الطرف عن استهدافها.
وأشار إلى أن المسألة لا تتعلق بقطر وحدها، بل بعدة دول كما حدث سابقاً في السعودية والإمارات، وتساءل: 'ما الذي تفعله القوات الأمريكية بالضبط في المنطقة؟ ولماذا تنتشر هناك إذا لم يكن الهدف الدفاع عن الدول المضيفة؟'.
وحذر باكير من أن 'إسرائيل' لم تكن لتتمكن من تنفيذ هجوم بهذا الحجم على الدوحة من دون علم أو موافقة أو تسهيل أمريكي، لافتاً إلى أن هذا التطور يضع واشنطن في خانة التورط المباشر ضد دولة من دول مجلس التعاون، بعد أن كان دورها في السابق يقتصر على الدعم السياسي أو التواطؤ الضمني.
ورأى باكير أن هذه الحادثة ستترك تداعيات تتجاوز قطر والخليج إلى عموم الشرق الأوسط، إذ إنها تقوض ما تبقى من مصداقية واشنطن كضامن للأمن.
واعتبر أن تلك المصداقية انتهت فعلياً منذ عام 2017، لكن الأحداث الأخيرة كشفت حجم الانكشاف الاستراتيجي للدول الخليجية التي ما زالت تراهن على الولايات المتحدة.
وختم بالقول: 'آن الأوان لأن تدرك دول المنطقة أن واشنطن ليست شريكاً ولا حليفاً ولا ضامناً للأمن. من الضروري البحث عن بدائل استراتيجية جديدة تعيد التوازن وتوفر الحماية بعيداً عن الاعتماد الأحادي على الولايات المتحدة'.
الغطرسة الإسرائيلية تتوسع
الهجوم الذي طال العاصمة القطرية جاء امتداداً لعمليات إسرائيلية متصاعدة تشهدها المنطقة منذ أشهر، حيث لم تقتصر الغارات على غزة وحدها، بل شملت لبنان وسوريا واليمن وحتى الأراضي الإيرانية.
في غزة تواصل الطائرات الإسرائيلية قصف كل شيء، ما أدى إلى نزوح واسع وسقوط عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، وسط تصعيد مؤخراً شمل عملية عسكرية في مدينة غزة حيث يوجد نحو مليون فلسطيني.
وفي لبنان استهدفت 'إسرائيل' بلدات في الجنوب خلال المواجهات الأخيرة، قبل أن تفضي تفاهمات ميدانية إلى خفض مستوى التصعيد، من دون أن توقف نهائياً الخروقات الجوية والقصف المدفعي.
أما في اليمن فقد طالت الضربات مواقع في صنعاء والحديدة ضمن التصعيد المتبادل في البحر الأحمر، فيما تكررت في سوريا الغارات على مواقع عسكرية وبنى تحتية للحكومة السورية.
ولم تسلم إيران نفسها من المواجهة، إذ تعرضت منشآت داخل أراضيها لضربات إسرائيلية، ما أشعل مواجهات مباشرة بين الطرفين في الأشهر الماضية قبل توقفها فيما قيل إنها هدنة برعاية أمريكية.
هذا الامتداد من الدوحة إلى غزة ولبنان وسوريا واليمن وإيران عكس اتساع نطاق العمليات العسكرية الإسرائيلية، ما يضع واشنطن في موقع حرج أمام حلفائها، إذ تُتهم بأنها توفر الغطاء السياسي والعسكري لهذه الهجمات، بينما يزداد شعور العواصم الإقليمية بأن أمنها لا يحظى بالأولوية في الحسابات الأمريكية.