اخبار الإمارات
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ١٧ حزيران ٢٠٢٥
يوسف حمود - الخليج أونلاين
تترافق هذه المخاوف مع استهداف متكرر لمنشآت نووية إيرانية حساسة
وسط تصاعد المواجهة العسكرية غير المسبوقة بين 'إسرائيل' وإيران، بدأ القلق الدولي يتزايد بشأن احتمالات التدهور نحو كارثة نووية، سواء عبر تسرب إشعاعي عرضي من منشآت مستهدفة، أو عبر استخدام مباشر للسلاح النووي، بما يحمل من تداعيات بيئية وصحية كارثية قد تمتد إلى ما هو أبعد من حدود الجانبين.
وتترافق هذه المخاوف مع استهداف متكرر لمنشآت نووية إيرانية حساسة، ومؤشرات من الطرفين على استعدادهما لتوسيع نطاق العمليات.
وفي حين تصر طهران على الرد الكامل على الهجمات الإسرائيلية قبل الدخول في أي مفاوضات، فإن تل أبيب تواصل إرسال إشارات بأنها لن تتراجع عن استهداف البنية التحتية النووية الإيرانية.
ويضع هذا التصعيد المؤسسات الصحية والبيئية في حالة استنفار، لا سيما في دول الجوار، وعلى رأسها دول الخليج التي طالما عبرت عن قلقها من سلامة المفاعلات الإيرانية القريبة من سواحلها.
استهداف منشآت حساسة
خلال الأيام الماضية، استهدفت 'إسرائيل' مواقع نووية إيرانية، أبرزها منشأة 'نطنز' لتخصيب اليورانيوم، الواقعة في محافظة أصفهان، إلى جانب تقارير عن أضرار طالت منشآت فرعية في 'فوردو' و'أراك'.
ورغم عدم صدور بيانات رسمية عن حدوث تسرّب إشعاعي واسع، فإن وكالة الطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة أفادت بأنها تتابع الوضع 'من كثب'، وسط تقييدات على قدرتها في الدخول والتفتيش في المواقع الإيرانية المتضررة.
وتُعد 'نطنز' من أخطر المواقع من حيث البنية التحتية النووية، إذ تحتوي على آلاف أجهزة الطرد المركزي، وتعمل على تخصيب اليورانيوم بدرجات مختلفة. وتاريخياً سبق أن تعرّضت لهجمات إلكترونية وأعمال تخريب داخلية، إلا أن الضربة الأخيرة كانت الأعنف منذ سنوات، وهو ما يزيد من خطر حدوث تسرب إشعاعي إذا تكرّرت الهجمات أو طالت المرافق الأعمق تحت الأرض.
مخاطر كبيرة
تشير دراسات بيئية سابقة إلى أن أي تسرب في منشآت التخصيب أو محطات الوقود النووي قد يُطلق مركبات مثل اليود المشع (I-131) والسيزيوم-137 والسترونشيوم-90، وكلها مواد يمكن أن تنتقل عبر الهواء أو المياه وتستقر في التربة أو السلسلة الغذائية.
ويُعد اليود المشع الأخطر على الأطفال والنساء الحوامل، حيث يهاجم الغدة الدرقية بشكل مباشر.
ويقول خبراء إشعاعيون إن التعرض المباشر لمستويات مرتفعة من هذه المواد يمكن أن يؤدي إلى ما يُعرف بـ'متلازمة الإشعاع الحادة'، والتي تبدأ بأعراض مثل الغثيان والقيء والحروق الجلدية، وقد تصل إلى فشل في الأعضاء والوفاة، إذا لم يُعالج الشخص سريعاً.
أما على المدى الطويل، فتشمل الآثار ارتفاعاً في معدلات السرطان، وتشوهات خلقية، وأمراضاً مزمنة قد لا تظهر إلا بعد سنوات.
وإذا امتد التلوث الإشعاعي إلى مياه الخليج العربي، فإن الخطر سيتضاعف، إذ تعتمد دول الخليج على محطات تحلية المياه من البحر كمصدر رئيسي للشرب، كما أن حركة التيارات البحرية تنقل المواد المشعة من سواحل إيران إلى الضفة الغربية من الخليج، وهو ما حذر منه رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن، في مارس الماضي، حين قال إن أي هجوم على منشآت نووية إيرانية قد 'يترك الخليج بلا مياه ولا حياة'.
إجراءات الوقاية
تؤكد منظمات دولية مثل منظمة الصحة العالمية، ومراكز السيطرة على الأمراض الأمريكية (CDC)، أن الإجراءات العاجلة يجب أن تبدأ فور الاشتباه في أي تسرب.
الاحتماء الفوري في مبانٍ خرسانية أو تحت الأرض، بعيداً عن الجدران الخارجية والأسطح، ويفضل التمركز في الطوابق الوسطى أو السفلى.
إغلاق جميع المنافذ (نوافذ، أبواب، فتحات تهوية)، وارتداء كمامات أو تغطية الفم والأنف لتقليل استنشاق الغبار المشع.
خلع الطبقة الخارجية من الملابس بعد التعرض للهواء الطلق، وغسل الجلد والشعر جيداً بالماء والصابون.
تناول أقراص يوديد البوتاسيوم (KI) لحماية الغدة الدرقية من امتصاص اليود المشع، خاصة للأطفال والنساء الحوامل، بشرط تناوله خلال الساعات الأولى من التعرّض.
البقاء داخل المباني لمدة لا تقل عن 24 ساعة، أو حتى صدور توجيهات من السلطات المختصة.
أما في حال كان الأشخاص في سياراتهم فينصح بأن يغلقوا نوافذ السيارة والمكيف وأي فتحات تهوية طالما تعثر عليهم اللجوء إلى مبانٍ مغلقة، وفي حالة اللجوء إلى المباني أو الإخلاء لا بد من تقليل فرص التعرض للهواء الطلق بشكلٍ عام.
وبصورة عامة يكون الخطر الأكبر على الأشخاص الذين يعيشون في محيط 16 كيلومتراً من محطة نووية أو انفجار نووي، وتحذر مراكز الطوارئ من أن الإشعاع لا يُمكن رؤيته أو شمه أو لمسه، ويُكتشف فقط باستخدام أجهزة مخصصة، ما يجعل من الالتزام بالإجراءات المعلنة ضرورة قصوى، حتى في حال غياب 'علامات مرئية'.
دول الخليج تراقب
مع استمرار التوتر تعيد دول الخليج، خصوصاً الكويت والإمارات وقطر، تفعيل خطط الطوارئ التي سبق إعدادها منذ عام 2012، عندما شكلت الأمانة العامة لمجلس التعاون لجاناً خاصة لتقييم التأثير البيئي لمفاعل بوشهر.
وتركز هذه الخطط على:
مراقبة التلوث الإشعاعي البحري.
حماية محطات تحلية المياه.
توفير المخزون الاستراتيجي من أقراص اليود.
التدريب على الإخلاء والإيواء السريع.
ومع المخاوف الجديدة سارع مركز عمليات الطوارئ النووية بهيئة الرقابة النووية والإشعاعية السعودية بإعلان أنه يتابع الأوضاع الإقليمية على مدار الساعة، ويؤكد أن المستويات الإشعاعية في المملكة في مستوياتها الطبيعية.
ويعمل المركز على 'استقراء تداعيات الطوارئ النووية المحتملة على المملكة استباقياً، واتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة لحماية الإنسان والبيئة من الآثار الإشعاعية'، وفق بيان نشره المركز عبر منصة 'إكس' (13 يونيو الحالي).
بدورها أكدت وزارة البيئة والتغير المناخي القطرية (15 يونيو 2025)، أن مستويات الإشعاع في الهواء والمياه الإقليمية في قطر ضمن المعدلات الطبيعية، وأنها'تتابع بدقة، وعلى مدار الساعة، مستويات الإشعاع من خلال شبكات الرصد الإشعاعي البرية والبحرية المنتشرة في مختلف أنحاء الدولة'.
ودشنت قطرمؤخراً شبكة وطنية متقدمة للرصد الإشعاعي، تعمل على مدار الساعة وتغطي كافة مناطق الدولة، بهدف الرصد المبكر للإشعاعات في حالات ارتفاعها عن الحدود الطبيعية، وضمان تحقيق أعلى مستويات الأمان الإشعاعي والنووي على المستويين الإقليمي والعالمي.
وأعلن أمين عام مجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي، في بيان الاثنين (16 يونيو)، 'تفعيل مركز المجلس لإدارة حالات الطوارئ لاتخاذ جميع الإجراءات الوقائية اللازمة على المستويات البيئية والإشعاعية كافة، ومتابعة المؤشرات الفنية بدقة، وذلك بالتنسيق الكامل مع الجهات المختصة في الدول الأعضاء، وعبر منظومات الإنذار المبكر، مع إصدار التقارير الفنية فور توفرها، ونشر البيانات المتعلقة بها، وقد أصدر البيان الأول في هذا الجانب لوسائل الإعلام'.
من جانبه أكد مركز الشيخ سالم العلي للدفاع الكيماوي والرصد الإشعاعي في الحرس الوطني الكويتي (15 يونيو)، أن 'الحالة الإشعاعية والكيماوية في الكويت طبيعية ولا يوجد أي ارتفاع بها'.
وقال المسؤول بالمركز المقدم الركن خالد لامي، في حديث لقناة 'الأخبار' المحلية: 'لدينا 29 محطة برية في المناطق الحدودية للرصد الإشعاعي موزعة بشكل يغطي دولة الكويت قدر المستطاع، وتؤخذ القراءات الإشعاعية والكيماوية بها باستمرار وعلى مدار الساعة، إلى جانب 15 محطة رصد بحرية وزعت لتغطية المياه الإقليمية للكويت'.
أما سلطنة عُمان، فأعلنت عبر 'هيئة البيئة' (16 يونيو) أن البيانات الحالية تشير إلى عدم وجود أي مستويات إشعاعية غير طبيعية أو ملوثات بيئية تؤثر على الأجواء في السلطنة، وأن الوضع البيئي مستقر وآمن حتى تاريخه، داعيةً المواطنين والمقيمين إلى استقاء المعلومات من المصادر الرسمية وعدم الانسياق وراء الشائعات أو المعلومات غير الموثوقة.
وتطالب دراسات خليجية حديثة بإطلاق 'بروتوكول خليجي موحد' للتعامل مع الطوارئ الإشعاعية، مشددة على ضرورة التواصل المستمر مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والاستفادة من تجارب دول مثل اليابان وأوكرانيا وبيلاروسيا.
وبينما لا تزال فرص تفادي الكارثة قائمة، خصوصاً في ظل وجود وسطاء إقليميين مثل سلطنة عُمان وقطر، فإن فشل الجهود الدبلوماسية وغياب خطوط الاتصال بين تل أبيب وطهران يُبقي الخيار النووي، أو على الأقل خطره، حاضراً بقوة.
وما لم تُضبط إيقاعات التصعيد الراهن، فإن الخليج والشرق الأوسط عموماً يقتربان من احتمال بالغ الخطورة: مواجهة نووية غير تقليدية، تبدأ من قصف منشأة، لكن لا أحد يعرف أين تنتهي.