اخبار الإمارات
موقع كل يوم -الإمارات اليوم
نشر بتاريخ: ١٨ تموز ٢٠٢٥
تعدّ العلاقات البسيطة من أسمى أشكال العلاقات الإنسانية وأكثرها صدقاً وراحةً للنفس، فهذه العلاقات لا تقوم على مصلحة أو مجاملة، ولا تتطلب تكلّفاً أو تصنعاً، بل تُبنى على التفاهم العفوي والمودة الفطرية التي لا تحتاج إلى مقدمات طويلة أو تفسيرات معقدة أو حركات معينة أو إيحاءات محددة. وفي ظل تعقيدات الحياة اليومية تصبح هذه العلاقات بمثابة ملاذ آمن يبعث على الطمأنينة، عندما يتذكرك صديق برسالة صباحية، وزميل عمل يبتسم لك بلا سبب أو حاجة، وجار يلقي عليك التحية بصدق. ولا ترتبط هذه العلاقات بحجم الوقت الذي نقضيه مع الآخرين، بل بجودة هذا الوقت، وما يميز هذه العلاقات أنها تبنى على نقاء النفس دون تكبر، حيث تغيب فيها حسابات الورق، وتذوب فيها المقارنات الزائفة، فلا أحد ينتظر من الآخر أكثر من الاحترام والمودة ورحابة الوجه والابتسامة الصادقة، لذلك فإنها تمنح الإنسان شعوراً نادراً بالحرية النفسية في التعامل مع الطرف الآخر دون تكلف. وفي زحمة الحياة العملية، نلتقي أشخاصاً يعرّفون أنفسهم، من خلال مناصبهم فقط، يتحدثون بلغة الوظيفة، ويتصرفون ببرود، يخفي خلفه جداراً من التصنع، وإذا دخلوا مجلساً يتصدرون المشهد، ويمد يده للسلام كأنه مغصوب، ولحديثه الأولوية، ورأيه هو الصحيح دائماً، وتشعر كأنك حين تسلم عليهم، أنك لا تسلم على «فلان» ذلك الإنسان، بل على «فلان المدير»، أو الفلان المسمى بـ«المشهور»، كأن المسمى الوظيفي أصبح قناعاً يغطي ملامح الوجه والروح.
هذه الظاهرة قد لا تكون واضحة في بدايتها، لكنها تظهر مع تكرار اللقاءات، فبعضهم لا ينظر إليك إلا من خلال وظيفته، ويتحدث معك بلغة صلبة خالية من الدفء، كأنك تنتظر منه شيئاً. فلا مساحات للإنسانية أو المودة، والأخطر من ذلك أن بعض الأشخاص يظنون أن احترامهم مستمد من كراسيهم الوظيفية، فإذا زال المنصب زال ثقله، وزال التواصل، وانطفأت الوداعة.
وجميعنا يعلم أن الوظيفة مؤقتة، والمناصب زائلة، لكن الكلمة الطيبة، والابتسامة الصادقة، والروح المتواضعة، والسمعة الطيبة، والأثر الطيب، كلها تبقى محفورة في الذاكرة دون نسيان، كأثر والدنا المغفور له الشيخ زايد، طيّب الله ثراه.
لا أحد يتذكر الألقاب بقدر ما يتذكر الأخلاق وفعل الإنسان، ومواقفه تجاه الآخرين دون أذى. التواضع الإنساني مطلوب، والاحترام مطلوب، والرسمية ضرورية أحياناً، لكن دون أن نغفل أن وراء كل اسم وظيفي إنساناً له مشاعر، ويحتاج إلى أن يُرى بعيداً عن لقبه المؤقت.
*أكاديمي وباحث
@ Dr. Khaledali123. X.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه