اخبار الإمارات
موقع كل يوم -ار تي عربي
نشر بتاريخ: ١٤ تشرين الثاني ٢٠٢٥
إن التحرك السريع الذي يقوم به الرئيس ترامب نحو التوصل إلى اتفاق دائم في غزة قد يشكل ضربة قاضية للحكومة الإسرائيلية. شالوم ليبنر – ناشيونال إنترست
يشهد الشرق الأوسط اليوم حالة من الاضطراب حيث يتم الاستعداد لما بعد حرب غزة. وهناك نقاش حاد ونشاط مكثف وحالة من الاضطراب؛ حيث يتنافس القادة على النفوذ في مستقبل المنطقة. وأحدهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يُسحق بسبب هذه العملية. وقد يكون الضرر الذي لحق به لا رجعة فيه.
ومع اقتراب القتال في قطاع غزة من نهايته، والذي يثير استياء بعض حلفاء نتنياهو الذين أصرّوا على الاستمرار في القتال، برزت فراغات قيادية على جانبي الحدود. ولم يُكتب النجاح للمبادرات السابقة لوضع خطط لغزة ما بعد الصراع، لأسباب منها: رفض إسرائيل قبول أي دور للسلطة الفلسطينية. وانتهزت حماس، التي تعهّد نتنياهو في البداية بـ'القضاء عليها'، هذه الفرصة للسيطرة على الأراضي التي أخلتها قوات الدفاع الإسرائيلية. وأي آمال في حكم بديل في غزة ستواجه احتمال المقاومة المسلحة من قبل مقاتلي حماس المنشقين.
وهناك الآن فراغ مماثل في إسرائيل، حيث استقال رون ديرمر، أقرب المقربين من نتنياهو ومن إدارة ترامب، مؤخراً من منصب وزير الشؤون الاستراتيجية. ويأتي رحيله بعد استقالة تساحي هنغبي، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، الذي أُقيل في 21 أكتوبر، على خلفية خلافات حول السياسات. وسيتوجه تساحي برافرمان، رئيس مكتب نتنياهو الشخصي، إلى لندن قريبًا كسفير إسرائيل القادم لدى محكمة سانت جيمس. وسيؤدي التغيير الكبير في القيادة إلى عجز عملياتي لا مفر منه، مع رحيل ذوي الخبرة في لحظة حرجة لإسرائيل.
يملأ ترامب الفراغ بمبادرة جريئة، إذ تدخل ليُسيء معاملة جميع الأطراف وسط احتمال انهيار وقف إطلاق النار الذي ترعاه الولايات المتحدة. وهدد في 29 أكتوبر قائلاً: 'إذا لم تتصرف حماس بشكل صحيح، فسيتم القضاء عليها'. لكن اعتماد إسرائيل على السخاء الدبلوماسي والعسكري والاقتصادي الأمريكي يجعل نتنياهو مُلزمًا بمطالب ترامب، وهناك ضغط ملموس وشامل من واشنطن. فقد قال الرئيس لبرنامج '60 دقيقة' في 31 أكتوبر: 'لقد ضغطتُ على نتنياهو، ولم يعجبني بعض ما فعله، وقد رأيتم ما فعلته حيال ذلك'.
لقد شهدت الأسابيع الأخيرة زيارات متتالية إلى إسرائيل من ترامب ونائبه جيه دي فانس ووزير الخارجية ماركو روبيو ورئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال دان كين، ومبعوثي السلام الرئاسيين، جاريد كوشنر وستيف ويتكوف، وذلك لضمان موافقة نتنياهو على برنامج البيت الأبيض لإنهاء الأزمة. وبالإضافة إلى افتتاح مركز التنسيق المدني العسكري في إسرائيل ــ حيث يدعم مئات من الموظفين الأمريكيين 'جهود الاستقرار' و'يراقبون تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار' ــ عزز ترامب مكانته باعتباره الحكم النهائي في كل الأمور المتعلقة بغزة.
إن نتنياهو الذي كان يتلذذ بقدرته على توجيه العلاقات مع الولايات المتحدة ويقول بثقة 'اتركوا أمريكا لي'، يجد نفسه الآن هدفاً لانتقادات لا هوادة فيها داخل إسرائيل لتنازله عن سيادة البلاد لترامب. وقد ولّى عهد التبجح الذي كان نتنياهو يُظهره عندما كان يتنازع مع إدارة بايدن، التي كان يحاول باستمرار التفوق عليها بالمناورة. ولكن هذه التكتيكات اليوم لن تسفر إلا عن نتائج عكسية.
لقد تراجع الحماس لترامب داخل حكومة نتنياهو، رغم أن هذا الحماس كان في أوجه عندما طرح ترامب فكرته للسيطرة على غزة وتحويلها إلى ريفييرا فرنسية. وقد دفع التزام ترامب بالحفاظ على وقف إطلاق النار إلى التقليل من شأن انتهاكات حماس وتقييد حرية إسرائيل في العمل. وتدخل المسؤولون الأمريكيون لإلغاء الرد الإسرائيلي الذي كان سيشمل منع وصول المساعدات الإنسانية وتوسيع نطاق تواجد جيش الدفاع الإسرائيلي في غزة. وقد شعر عديد من شركاء نتنياهو بالإحباط الشديد عندما صرّح ترامب لمجلة تايم بحزم بأن ضم الضفة الغربية 'لن يحدث' وأن 'إسرائيل ستفقد كل دعم الولايات المتحدة' إذا حدث.
تواجه نتنياهو تحديات استراتيجية في إدارة المفاوضات مع ترامب بشأن المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار. وستؤثر التساؤلات المتعلقة بطبيعة الحكم المستقبلي في غزة ومدى نزع سلاح حماس وملامح إعادة انتشار جيش الدفاع الإسرائيلي، على مدى تعرض إسرائيل لخطر تكرار مذبحة 7 أكتوبر. ومن المرجح أن يتعارض نهج رئيس الوزراء تجاه هذه القضايا - التي سيسعى فيها إلى أقصى قدر من المرونة - مع أجندة الرئيس، التي تُفضل تقديم تنازلات أكبر من أجل تحقيق تقدم أسرع.
وسيكون لملف قوة الاستقرار الدولية المقترحة تأثير مماثل على أمن إسرائيل؛ إذ أن إعجاب ترامب بحكام تركيا وقطر وانخراطهما العميق في مشروع غزة يُثير القلق في إسرائيل، حيث يعترض صانعو القرار على ترقية دولتين استضافتا قادة حماس. ويتعارض تهميش المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة - اللتين اتخذتا نهجاً أكثر صرامة تجاه حماس - مع تفضيلات إسرائيل. ووفقاً لمسؤول أمريكي رفيع المستوى، 'أُصيب الإسرائيليون بالاختناق' إزاء أجزاء من مشروع قرار صندوق النقد الدولي الذي أطلعت عليه الولايات المتحدة بعض الأعضاء المحددين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 3 نوفمبر.
وفي ظل الأزمة الداخلية والائتلاف المتناحر أصلاً، تبدو احتجاجات نتنياهو على الاستقلال الذاتي مجرد هراء. بل ربما يتمنى بفارغ الصبر أن ينجح متظاهرو 'لا ملوك' في كبح جماح ترامب في التصرف بشكل أحادي. ومع ذلك، في الوضع الراهن، فإن توجه الرئيس نحو اتفاق دائم في غزة وزيادة التطبيع مع العالم العربي - مع أنه قد يؤدي في النهاية إلى تحقيق استقرار أكبر على المدى الطويل لإسرائيل - قد يُوجه، ومن المفارقات، ضربة قاضية لحكومتها.
المصدر: ناشيونال إنترست
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب


































