اخبار الإمارات
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ٤ أب ٢٠٢٥
كامل جميل - الخليج أونلاين
المحلل السياسي مسار عبد المحسن راضي:
على السعودية وقطر والإمارات توحيد سياساتها الخارجية؛ أي تحديد ما هو المسموح به للمجتمع الدولي والقوى الإقليمية من نفوذ إيجابي بحكم الشراكات.
أن تبقى الدول الخليجية سياستها الخارجية في مسارات منوَّعة ومتضاربة بحجَّة تحقيق 'ضرورات الدولة' لكلٍّ منها من جهة لن يحقق شيئاً على المدى المتوسط و البعيد.
في قلب منطقة تشهد تقلبات سياسية وجيوستراتيجية متسارعة، تدرك دول الخليج العربي، أن الاستمرار على طريق النجاح في التغلب على التحديات الأمنية بأمس الحاجة إلى بناء تحالفات مع قوى متعددة.
ذلك ما بدا عليه المشهد الخليجي في العقد الأخير، إذ تحول إلى شبكة من التنويع الاستراتيجي، في محاولة واضحة لبناء تحالفات متعددة تلبي الطموح السياسي لدول الخليج، وتحمي مصالحها الاقتصادية.
في ظل هذا المناخ الدولي المعقد، لم تعد دول الخليج، وعلى رأسها السعودية والإمارات وقطر، ترى في التبعية لأي قوة كبرى خياراً حكيماً، ووضع التحالفات في سلال دولية متعددة طريقة أسلم، وهي تشبه تنويع مصادر الدخل في الجانب الاقتصادي.
ولطالما كانت الولايات المتحدة الحليف الدفاعي الأول لدول الخليج، وتعدّ شريكاً استراتيجياً لا غنى عنه. لكن مع توجهات واشنطن لتقليل وجودها المباشر في الشرق الأوسط، وإعادة ترتيب أولوياتها نحو آسيا، أصبحت دول الخليج أمام خيار حتمي يتمثل بتنويع الشراكات لتأمين الاستقراروالمصالح.
شراكات دفاعية
تستثمر دول الخليج اليوم في تعزيز قدراتها العسكرية عبر صفقات ضخمة مع دول مختلفة خارج إطار الولايات المتحدة؛ في إطار استراتيجية تقليل الاعتماد الأحادي على واشنطن، خاصة في تقنيات الأسلحة والدفاع السيبراني.
وسيطول الأمر كثيراً إذا ما جاء الحديث عن هذه الصفقات خلال عقد، لكن لضرب بعض الأمثلة، يمكن إدراج أبرز هذه الصفقات خلال عامين:
توقيع السعودية وفرنسا مشروع تعاون في مجالات القدرات والصناعات العسكرية.
شراكة سعودية تركية لتوطين إنتاج الطائرات المسيرة، وأنظمة الدفاع الجوي، ومقاتلات 'Kaan' من الجيل الخامس.
اتفاق سعودي - كوري جنوبي على تطوير التعاون في صناعة الدفاع والأسلحة.
إبرام الإمارات اتفاقية تعاون دفاعي مع تركيا. وأخرى مع فرنسا تهدف إلى تعزيز القدرات الدفاعية.
عقدت الكويت اتفاقيةمع روسيا لشراء وتوريد معدات التسليح والدفاع. وأخرى مع الهند تتعلق بإنتاج مشترك للمعدات الدفاعية.
أما قطر فأبرز اتفاقياتهاكانت مع تركيا في إطار التعاون العسكري والفني بين وزارتي دفاع البلدين.
أبرمت سلطنة عُمان عدة عقود للتعاون العسكري مع تركيا.
لكن البحريناختارت تعزيز علاقاتها الأمنية مع واشنطن، وتوسيع تعاونها مع لندن لإضفاء بعد موثوق في سياق الدفاع، من خلال انضمام بريطانيا إلى الاتفاقية الشاملة للتكامل الأمني والازدهار (C-SIPA) التي كانت تضم فقط البحرين والولايات المتحدة.
بناء نموذج سياسي مرن
هذه التحالفات المتعددة تستعرض ما جرى خلال عامين في مجال توقيع العقود وإبرام الاتفاقيات الملزمة، دون التطرق إلى اتفاقيات سابقة مع دول أخرى تمت خلال أكثر من عامين.
وتُظهر هذه التحالفات نضجاً سياسياً، إذ لا تسعى دول الخليج فقط إلى التنويع الاقتصادي أو العسكري، بل إلى بناء نموذج سياسي دولي مرن قادر على المناورة بين الأقطاب الكبرى.
بالإضافة إلى هذا، فإن هذه التحالفات تأتي في حين تعد الولايات المتحدة أبرز الشركاء الأمنيين لدول الخليج، مع انتشار للجيش الأمريكي في قواعد داخل هذه الدول وفي سواحلها عبر اتفاقيات معتبرة.
لكن رغم ذلك تذهب الدول الخليجية لبناء شراكات مع دول أخرى، فهي بهذا الأسلوب تحافظ على استقلال قرارها وتقلل من خطر الإملاءات السياسية الخارجية، سواء من واشنطن أو بكين أو موسكو.
توازن القوى
وفي هذا السياق، يرى الكاتب والمحلل السياسي مسار عبد المحسن راضي، الذي تحدث لـ'الخليج أونلاين'، أن هناك 'مشكلة' تواجه دول الخليج، لا سيما الرياض والدوحة وأبوظبي، في تنويع شراكاتها الإقليمية والعالمية.
ويلفت إلى أن هذه المشكلة تتمثل بـ'إصرار واشنطن على إعطاء الوكالة الأمنية و توازنات القوة في المنطقة لحساب 'إسرائيل'، ومحاولة فرض ذلك على أوروبا نفسها، رغم كُل الإمكانيات الاقتصادية التي قدَّمتها هذه العواصم العربية في زيارة الرئيس الأمريكي السابقة إلى المنطقة'.
ويجد راضي أن الحل الوحيد الذي على هذه العواصم الخليجية الثلاث اتخاذه هو 'توحيد سياساتها الخارجية؛ أي تحديد ما هو المسموح به للمجتمع الدولي وحتى للقوى الإقليمية غير العربية من نفوذ إيجابي بحكم الشراكات لا بالاعتماد على الفراغ السياسي والأمني في المنطقة'.
أما أن تبقى السياسة الخارجية لهذه الدول الخليجية في مسارات منوَّعة ومتضاربة بحجَّة تحقيق 'ضرورات الدولة' لكلٍّ منها من جهة، والإصرار دولياً على أنها اللاعب الأكثر تأثيراً في المنطقة من جانبٍ آخر، فهو 'لن يحقق شيئاً على المدى المتوسط و البعيد'، بحسب راضي.
وبناء عليه، يقول:
يجب ألا تنسى هذه العواصم بأن ما تحقِّقه الآن هو نتيجة وجود فراغات أمنية وسياسية في المنطقة.
مشكلة دول الخليج عموماً هو طرحها أجندات حلول كثيرة، لكن بدون وضعها في سلَّة واحدة أمام المجتمع الدولي.
المعضلة الأساسية الأخرى، التي تحاول الرياضوأبو ظبي، والدوحةبدرجةٍ أقل، علاجها هي مسألة نقل التكنولوجيا و تطوير مخزوناتها من الأسلحة بما يعطيها هامشاً دفاعياً أكبر. أوروبا بهذا الصدد مع روسيا، و الصين تبدو مرنة أكثر من الولايات المتحدة.
أعتقد أن مناورات مشتركة بالسلاح البحري والجوي ستكون رسالة نوايا ذات وزن.
تركيا تستطيع أن تلعب دوراً لا بأس به وسريعاً نسبياً في تحقيق هامش امتلاك دول هذه العواصم لأسلحة نوعية متطوِّرة.
هذه العواصم الوازنة الثلاث مطالبة بأن تؤمِن عملياً لا نظرياً فقط بقانون أرخميدس حالياً، والذي أقصدهُ هنا 'ما ستضعهُ في حوض المنطقة السائل سياسياً و أمنياً من أحجار كبيرة وصلدة من سياسات خارجية موحَّدة سيُخرج سيولة الخيال الجيواستراتيجي لجميع اللاعبين الآخرين'.