اخبار الإمارات
موقع كل يوم -ار تي عربي
نشر بتاريخ: ٢٢ تموز ٢٠٢٥
التطبيع العربي الإسرائيلي يحتاج إلى مزيد من الروابط بين الشعوب وليس فقط التعاون الأمني من أجل دعم نفسه وتوسيعه. يوئيل غوزانسكي – ناشيونال إنترست
بعد حوالي 21 شهراً من هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، تواجه عملية التطبيع بين إسرائيل وشركائها العرب في السلام تحديات جسيمة. فبينما استمر التعاون العسكري والاستراتيجي إلى حد كبير، بل وتكثف في بعض الحالات، تباطأت الجوانب المدنية للتطبيع. وتواجه اتفاقيات إبراهيم، التي اعتُبرت إنجازاً تاريخياً، خطر التدهور إلى واقعٍ ذي مستويين: مستوى مستقر، وإن كان ضمنياً، من التعاون الأمني، إلى جانب تضاؤل المشاركة المدنية.
إن هذا التشعب ليس بالأمر الجديد؛ فقبل التطبيع الرسمي بوقت طويل، غالباً ما كانت العلاقات الأمنية السرية تُشكل أساساً لعلاقات إسرائيل مع شركائها الخليجيين، مُشكّلةً بذلك أساساً للاختراقات الدبلوماسية اللاحقة. ومع ذلك، يختلف هذان 'المستويان' في قابليتهما للتأثر بالصدمات الخارجية. فالبعد المدني للتطبيع أكثر حساسية لتطورات الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ويتأثر بشدة بالرأي العام العربي. وفي المقابل، يُحرك المسار الأمني الأكثر سريةً في المقام الأول المصالح الاستراتيجية، مما يجعله أكثر مرونة خلال فترات الاضطراب.
لكن هذا التوازن الهش اهتزّ بين هذه الطبقات بشكل حادّ منذ 7 أكتوبر 2023. فالتعاون المدني، الذي كان ينمو بثبات في مجالات كالسياحة والأعمال والتبادلات الثقافية والأكاديمية، إما تباطأ بشكل ملحوظ أو توقّف تماماً. وتوقفت الاجتماعات بين كبار المسؤولين الإسرائيليين ونظرائهم المغاربة أو البحرينيين، وانخفضت مع الإمارات العربية المتحدة.
وتمّ تجميد المبادرات متعددة الأطراف الرائدة، مثل منتدى النقب، في حين تم تعليق مشاريع مشتركة مثل المنطقة الصناعية 'بوابة الأردن' والاتفاقية الثلاثية بين الإمارات العربية المتحدة والأردن وإسرائيل لتبادل المياه مقابل الطاقة. أما منتدى غاز شرق المتوسط، الذي كان في السابق مركزاً للحوار الإقليمي، فينعقد الآن بشكل متقطع فقط. وقد يمضي الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا قدماً بدون إسرائيل، وسط مخاوف بشأن استقرارها السياسي وتضرر سمعتها بسبب الحرب.
مع ذلك، تجاوزت ديمومة اتفاقيات السلام الإسرائيلية مع دول المنطقة العربية التوقعات. وتم اتخاذ إجراءات دبلوماسية واحتجاجات رمزية، مثل استدعاء السفراء أو فرض قيود على التبادل الثقافي. ومع ذلك، أكدت الحكومات العربية خيارها الاستراتيجي المؤيد للسلام، ولم تُلغِ أي منها أو تعلّق علاقاتها مع إسرائيل. وشهدت إحصاءات التجارة بين إسرائيل والدول العربية نمواً ملحوظاً، لا سيما مع الإمارات العربية المتحدة، حيث بلغ إجماليها نحو 3.3 مليار دولار في عام 2024 (باستثناء البرمجيات والصفقات الحكومية)، ارتفاعاً من 3 مليارات دولار في عام 2023.
الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو استمرار التعاون العسكري، بل وتوسعه. فقد أبرز هجوم 7 أكتوبر التهديد المشترك الذي تُشكله جهات فاعلة غير حكومية مثل حماس، وسلّط الضوء على التهديد الأوسع الذي يُمثله محور المقاومة. ويبدو أن قادة المنطقة قد استوعبوا فكرة أن زعزعة استقرار إسرائيل على يد جهات متطرفة قد تُعرّض أنظمتهم للخطر في نهاية المطاف. ونتيجةً لذلك، استحوذت الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب على 12% من صادرات الأسلحة الإسرائيلية في عام 2024، مُرتفعةً من 3% في عام 2023. وفي عام 2025، أي بعد أكثر من عام من بدء الحرب، اشترت المغرب مدفعية إسرائيلية، ورحّبت الإمارات العربية المتحدة بمُصنّعي الأسلحة الإسرائيليين في المعارض الدفاعية.
لقد أظهر الرد العسكري الإقليمي غير المسبوق على هجمات الطائرات المسيرة والصواريخ الإيرانية الضخمة على إسرائيل في أبريل 2024 (وإن كان بدرجة أقل في أكتوبر 2024 ويونيو 2025) إمكانات التحالف الأمني الإقليمي. ومع ذلك، فإن الإفراط في الاعتماد على التعاون العسكري له عيوبه؛ فبدون إطار سياسي مُشرّع، يكون عرضة للتحولات في القيادة أو ردود الفعل الشعبية.
وإذا ترسخ نموذج التطبيع الجزئي هذا، فقد يُكرر السلام البارد الذي حققته إسرائيل مع مصر والأردن - سلام بين الحكومات، لا بين الشعوب. فقد تم توقيع اتفاقية الشراكة مع توقع تحقيق مكاسب ملموسة، بما في ذلك الشراكات التكنولوجية، والنمو الاقتصادي، والتكامل الدبلوماسي الإقليمي. وإذا لم تُنفذ هذه الوعود، فإن حماس الجمهور والنخب المتضائل بالفعل سيتضاءل أكثر، مما يُضعف حوافز الأنظمة العربية للحفاظ على التطبيع أو توسيعه. ومن المرجح العودة إلى علاقات محدودة، دون إمكانية تحقيق تحول إقليمي من خلال تكامل واسع النطاق.
مع حلول الذكرى الثانية لهجمات 7 أكتوبر والذكرى الخامسة لنهج السلام، تجد إسرائيل نفسها أمام منعطف حرج. فكلما طال أمد الحرب، وساد الاعتقاد بأن إسرائيل تعرقل التقدم مع الفلسطينيين، زادت صعوبة تبرير شركاء السلام استمرار التعاون، ناهيك عن التوسع. وبدون جهد إسرائيلي مدروس لمعالجة المصالح الاستراتيجية لشركائها الإقليميين، سيزداد عكس مسار القطيعة الحالية صعوبة.
ومع دخول الصراع مع إيران الشهر الماضي، والذي أظهر للدول العربية مرة أخرى قوة إسرائيل العسكرية وأهميتها كحصن استراتيجي ضد إيران، إضافة لمؤشرات استعداد نتنياهو أخيراً لإنهاء الحرب في غزة، فقد يكون السعوديون على استعداد للتراجع عن مطالبتهم إسرائيل بإحراز تقدم ملموس نحو حل الدولتين، واعتبار انتهاء الحرب كافياً. كما أن صفقة الأسلحة الضخمة الأخيرة مع الولايات المتحدة قد تشجع الرياض على التخلي، أو على الأقل تأجيل، مطلبها الإشكالي بالقدر نفسه، وهو قبول واشنطن لبرنامج نووي مدني سعودي ومعاهدة دفاع ثنائية.
في إسرائيل، يُنظر إلى التطبيع مع السعودية على أنه إنجاز جيوسياسي تحويلي، قد يمهد الطريق لحل الصراع العربي الإسرائيلي الأوسع، ويحقق فوائد اقتصادية واستراتيجية بعيدة المدى. كما يُنظر إلى أي اتفاق محتمل مع الرياض على أنه وسيلة لضمان استمرار المشاركة الأمريكية في المنطقة ومواجهة نفوذ إيران.
وعلى إسرائيل أن تقرر ما إذا كانت ستغتنم فرصة التوصل إلى اتفاق ثلاثي مع الرياض وواشنطن، رغم التنازلات السياسية والاستراتيجية التي ينطوي عليها، أو تنتظر الظروف المستقبلية التي قد يُحقق فيها التطبيع بتكلفة أقل. ومع ذلك، فإن هذا يعني فقدان النفوذ الذي يربط حالياً الدعم الأمريكي والتطبيع السعودي بالتنازلات الإسرائيلية. وفي الواقع، إذا انتظرت القدس طويلاً، فقد تنتزع الرياض التزامات نووية وأمنية من الولايات المتحدة دون أن تُقدم تطبيعاً في المقابل، وهو أسوأ سيناريو لإسرائيل.
لكن ما هو النهج البديل؟
يفترض أن التطبيع يمثل مصلحة استراتيجية إسرائيلية عليا، يتمثل في أن تتبنى إسرائيل استراتيجية استباقية ومتعددة الأبعاد تهدف إلى تعزيز التطبيع من خلال تعزيز التعاون الدبلوماسي والاقتصادي. وتتطلب هذه الاستراتيجية أفقاً سياسياً موثوقاً به بشأن القضية الفلسطينية، واهتماماً متجدداً باحتياجات الشركاء الإقليميين، وتنسيقاً استراتيجياً معززاً مع الولايات المتحدة.
ومن شأن استراتيجية تطبيع متعددة الأبعاد أن تسهم في وقف تآكل اتفاقيات السلام القائمة، وتُمكّن إسرائيل من تخفيف عزلتها الدولية المتزايدة. كما يمكنها أن تعزز نظاماً إقليمياً أكثر استقراراً وتكاملاً وازدهاراً، بما يتماشى مع الرؤية الاستراتيجية للتحالف العربي والهيكل الإقليمي الأوسع الذي تدعمه إدارة ترامب.
إن تعزيز الدعم الشعبي للتطبيع لن يُسهم فقط في تعزيز ديمومة اتفاقيات السلام، بل سيحسّن صورة إسرائيل في العالم العربي، ويعزز السلام بين الشعوب بدلاً من مجرد الحكومات والجيوش. وهذا بدوره سيعزز القبول الإقليمي لدور إسرائيل في تشكيل نظام ما بعد الحرب، ويزيد من استعداد العرب للمشاركة في جهود الاستقرار وإعادة الإعمار، ويقلل من جاذبية القوى المتطرفة التي تتنافس على النفوذ الإقليمي. علاوة على ذلك، من شأن هذه الاستراتيجية أن تسهم في ترسيخ مكانة إسرائيل الإقليمية كجزء مقبول وشرعي لا رجعة فيه من المشهد الشرق أوسطي.
إن التطبيع المشرعن، الذي لا يستند فقط إلى المصالح العابرة، بل إلى أساس أوسع من المصالح الاقتصادية والدبلوماسية والاستراتيجية المشتركة، سيكون أساساً لنظام إقليمي أكثر استدامة.
المصدر: ناشيونال إنترست
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب