اخبار الإمارات
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ١٢ تشرين الثاني ٢٠٢٥
سلمى حداد - الخليج أونلاين
- موجة متنامية من أثرياء الصين تترك سنغافورة وتتجه للإمارات لتأسيس مكاتب عائلية وإقامات طويلة.
- الكيانات العائلية ترتفع إلى 1035 منتصف 2025 (600 في 2023، 800 في 2024) بدعم التأشيرة الذهبية وبيئة ضريبية متوقعة.
- التحوّل يرفد الخدمات المالية والعقار الفاخر ويستفيد من انفتاح دبي على الأصول الافتراضية مقارنة بتشدد سنغافورة.
تشهد الإمارات، في الأشهر الأخيرة، تحولاً لافتاً في خريطة إدارة الثروات الآسيوية فهناك موجة متنامية من الأثرياء الصينيين تغادر سنغافورة وتختبر الخليج بوصفه محطة استقرار طويلة الأجل ومركزاً لتأسيس المكاتب العائلية.
تقرير نشرته صحيفة 'فايننشال تايمز'، في 9 نوفمبر 2025، التقط ملامح هذا التحول، فهناك تفضيل متزايد للإمارات على حساب سنغافورة بعد سلسلة تشديدات تنظيمية وتباطؤ في الموافقات على الإقامة الدائمة داخل الدولة المدينة الآسيوية.
وفي المقابل، تعرض الإمارات مساراً أسرع للإقامة عبر 'التأشيرة الذهبية' ومظلّة ضريبية متوقعة، فيما يواصل مركز دبي المالي العالمي توسّعه بوصفه منصّةً محورية للمكاتب العائلية.
قفزة كبيرة
وتتحوّل القصة من انطباعات إلى أرقام حين ننتقل إلى سجلات مركز دبي المالي العالمي، فبحسب بيان رسمي، سجل المركز 'أفضل أداء نصف سنوي' في تاريخه خلال النصف الأول من 2025، مع ارتفاع الكيانات الأجنبية المرتبطة بالأعمال العائلية إلى 1,035 كياناً، مقارنة بنحو 600 كيان قبل عام، في قفزة تبلغ 73% وتختصر زخم الطلب على الهياكل المؤسسية التي تتيح حوكمة الثروة العابرة للحدود.
وهذا المسار يتسق مع التقدم المعلن في عدد 'المؤسسات الوقفية' داخل المركز، والتي تستخدم عادةً كأوعية لإدارة الثروات والوصايا، ما يعكس انتقالاً من مجرد مكاتب إلى منظومة شاملة لإدارة الملكية والوراثة.
وعلى الضفة الأخرى من آسيا، لا تزال سنغافورة متقدمة من حيث عمق البنية التحتية وتنظيم قطاع المكاتب العائلية، لكن الضغط واضح. فبعد فضيحة غسل الأموال القياسية في 2023، شددت السلطات التدقيق على الطلبات، وأظهرت بيانات رسمية أنّ البلاد رفضت 3% من 1,300 طلب لإعفاءات ضريبية مرتبطة بالمكاتب العائلية خلال ثلاث سنوات، مع تشديد مستمرّ على أنشطة الامتثال في المصارف.
ورغم أن عدد المكاتب العائلية قفز إلى أكثر من 2,000 مكتب بنهاية 2024، فإن المزاج التنظيمي الأكثر تحفظاً، ولا سيما تجاه مزودي خدمات الأصول الرقمية، خلق نافذة لصالح مراكز أخرى أكثر مرونة.
الإقامة الذهبية
شقّ الإقامة يفسّر جزءاً معتبراً من قصة الهجرة، فقد رسّخت 'التأشيرة الذهبية' الإماراتية (إقامة عشر سنوات) مكانتها كعامل جذب رئيسي للمستثمرين وأصحاب الثروات والمهنيين ذوي المهارات العالية.
وتشير بيانات إماراتية رسمية إلى إصدار نحو 80 ألف تأشيرة ذهبية بنهاية 2022، ارتفاعاً من 47 ألفاً في 2021، في قفزة تعكس تسريع بوابة الاستقرار طويل الأجل.
وعلى مستوى آخر يؤكد مركز دبي المالي العالمي أن بيئة الأعمال لديه تدفع باتجاه نماذج حوكمة متقدمة، وهو ما تبدو نتائجه في زيادة عدد الكيانات المرتبطة بالعائلات وارتفاع عدد المؤسسات الوقفية بنسبة 54% على أساس سنوي في 2025.
وهذه البيئة المؤسسية تمنح العائلات إمكانية الفصل بين الملكية والإدارة، وتؤمن أدوات التوريث وإدارة المخاطر العابرة للولايات القضائية، وتختصر زمن الوصول إلى خدمات مصرفية ومهنية عالية التخصص.
رأس المال المشفر
وفي خلفية المشهد، تشتد المنافسة على رأس المال المشفر ورواد الأعمال في قطاع الأصول الافتراضية.
وتبني دبي منظومة تنظيمية متخصّصة عبر هيئة تنظيم الأصول الافتراضية (VARA)، التي تنشر سجلاً عاماً للجهات المرخصة وتظهر منه بنية تراخيص نشطة للشركات العاملة بالعملات المشفرة.
في المقابل، اتخذت سنغافورة خلال 2025 توجّهاً أكثر تحفظاً تجاه مزودي خدمات الرموز الرقمية الذين يخدمون عملاء خارج الدولة، مُضيّقة نافذة الحصول على الترخيص تحت منطق 'مخاطر غسل الأموال وصعوبة الإشراف عبر الحدود'.
هذا التباين التنظيمي يفسر انجذاب شريحة من رواد الأعمال الصينيين في القطاع إلى الخليج.
وعلى مستوى الهجرة العالمية للثروة، تضع تقارير شركة 'هينلي آند بارتنرز' الدولية للاستشارات الإمارات في صدارة الدول الجاذبة لصافي تدفّقات المليونيرات في 2024، مع توقعات بصافي تدفّق يتجاوز 6,700 مليونير، ورقم يتجاوز أيّ وجهة أخرى.
وتنعكس جذابية دبي عالمياً أيضاً في مؤشّرات أخرى، فقد منحت شركة 'سافيلز' للوساطة العقارية المدينة صدارة تصنيف أكثر مدن العالم جاذبية للأثرياء، وفق تقرير حديث نقلته 'بلومبيرغ'.
واستند الشركة الدولية في تقييمها إلى حزمة من العوامل تشمل الإطار الضريبي، وبنية تحتية موجّهة للعائلة، ومستويات أمان مرتفعة، فضلاً عن شبكة مدارس دولية تُسهّل انتقال العائلات من دون اضطرابات تعليمية.
وبالنسبة لأسرة مستثمرة قادمة من شنغهاي أو شينغن، يختصر هذا العرض الكثير من كلفة الانتقال غير المالية.
الأثر الاقتصادي
وداخل هذا السياق، يقول الخبير الاقتصادي منير سيف الدين، إن 'دبي وأبوظبي لا تستفيدان فحسب من تململٍ ظرفي في سنغافورة، بل من تحوّل بنيوي في سلوك الثروة الخاصة الآسيوية ويتمثل في توزيع مراكز القرار على أكثر من ولاية قضائية لتقليل المخاطر التنظيمية والجيوسياسية'.
ويضيف سيف الدين، في حديثه لـ'الخليج أونلاين'، أن 'الشريحة الصينية الأكثر نشاطاً هي الشريحة المتوسطة من أصحاب الثروات العالية (50–200 مليون دولار)، وغالباً من رواد الأعمال الذين راكموا ثرواتهم في التصنيع الخفيف والتقنية والخدمات اللوجستية، وهذا النوع من الثروات عملي جداً، ويفضل سرعة تأسيس الكيان، ووضوح الإقامة، وإمكانية تشغيل فريق عائلي صغير بكفاءة، وهذه ثلاثية تُقدّمها الإمارات بمستوى تنافسي'.
وعن الأثر على الاقتصاد المحلي، يقسم سيف الدين التأثير إلى دوائر متداخلة، ففي الدائرة المالية المباشرة، تزيد الودائع والأصول تحت الإدارة لدى المصارف الخاصة ومديري الأصول المحليين، ويتوسع سوق الصفقات الخاصة'.
وفي الدائرة العقارية، يدعم الطلب على الشريحة الفاخرة نشاط التطوير الفندقي والسكني، أما في الدائرة المهنية، فإن هجرة الأثرياء هذه يرفع الطلب على الكفاءات في الاستشارات القانونية والضريبية وإدارة المخاطر ومتخصصي الحوكمة العائلية.
وهذه الدوائر، بنظر الخبير الاقتصادي، تخلق مضاعفات اقتصادية تتجاوز أرقام الاستثمارات العقارية إلى اقتصاد خدمات متقدّمة عالي القيمة المضافة.
كما يرى أنّ تثبيت هذا المسار يتطلب تعميق سوق المواهب عبر برامج جامعية ومهنية في إدارة الثروات الخاصة والامتثال الدولي والضرائب العابرة للحدود، بالتوازي مع 'ممر سريع' للمكاتب العائلية القادمة من شرق آسيا يدمج تأسيس الكيان مع حلول مصرفية وتأمينية أولية، لتجنّب تشتت التجربة على حلقات متباعدة.
وشدد على ضرورة تعزيز الربط بين المناطق الحرة والهيئات التنظيمية لتبسيط انتقال الهياكل الوقفية والائتمانية وضمان الاعتراف المتبادل بالأحكام والوثائق، فهذه التفاصيل على صِغرها تصنع فارقاً حين يُقاس الزمن بالدولارات.
ويخلص إلى أن هذه الزيادة المعلنة في الكيانات العائلية الآسيوية داخل مركز دبي المالي العالمي، ومسارات الإقامة الطويلة، والتقدّم التنظيمي في قطاع الأصول الافتراضية، ومؤشرات الجاذبية العالمية، كلّها إشارات متقاطعة إلى أن دبي وأبوظبي لم تعودا مجرد منصّتين لعقد الاجتماعات وتمرير الصفقات، بل موطناً لطبقة عالمية من أصحاب الثروات ومديريها.
وبالنسبة للأثرياء الصينيين الذين اعتادوا تدوير العواصم بين شنغهاي وهونغ كونغ وسنغافورة، تبدو الإمارات اليوم محطة منطقية في توزيع الأصول والقرار.


































