'واحد التويشية الدراري كانت فاللخر ديال التسعينات، اللي هي حكومة التناوب'، 'الدراري أشناهي البيعية؟'، 'لا من بد من تأسيس حزب سياسي'، 'الملك هو من يحكم وهو من نوجه له مطالبنا'، 'بالنسبة لي قضية الصحراء أهم من القضية الفلسطينية'.. هذه عبارات وغيرها كثير قيلت في عدد من غرف الدردشة ضمن 'سيرفر' 'GENZ212' على منصة 'ديسكورد'، وتعكس جزءا من النقاش الذي يدور في هذا الفضاء الرقمي.. نقاش تطبعه العفوية ويسود فيه الكثير من الاحترام على الرغم من الخلاف، ويظهر تباينا في فهم القضايا بين المشاركين.

لا أحد هنا معروف باسمه أو هويته أو صورته حتى، كل ما في الأمر حسابات تحمل أسماء مستعارة مثل 'BTS MAGHRIBI' و'I AM NOT HERE'، و'JUST BE NTA' وغيرها، وهذه ملاحظة لا بد أن يرصدها المتصفح الجديد لتطبيق 'ديسكورد'، الذي يستعمل عادة للتواصل بين لاعبي الألعاب الإلكترونية على الأنترنت.. هذا النوع من التنكر أعطى مساحة لمستعملي سيرفر جيل Z حرية كبيرة وشيئا من الجرأة في طرح بعض القضايا.

ومن خلال الدخول إلى عدد من غرف الدردشة وقضاء وقت طويل في الاستماع إلى النقاش، لاحظت جريدة 'العمق' أن البنية التي يتشكل منها هذا المجتمع تضم بالضرورة أشخاصا متعلمين أو لهم حد أدنى من المعرفة والتعلم، وضمنهم طلبة وموظفون وأجراء في القطاع الخاص وشباب يعملون في بلاد المهجر بالإضافة إلى أصحاب مقاولات ناشئة، بحسب ما رشح من كلام عدد منهم ضمن النقاش.

طبيعة النقاش

'خويا باطمان اسمع اسمع.. عندك الحق ولكن… اختي كلوفر هذا ماشي نقاش ديالنا…' هكذا تدخل عضو داخل إحدى غرف الدردشة ليخمد تراشقا بين عضوين، وتمكن من ذلك بالفعل في ظرف دقائق قليلة ليعود النقاش إلى طبيعته الهادئة وكأن شيئا لم يكن.. فعلى الرغم من كون غرف الدردشة هاته مفتوحة للعموم والنقاش ضمنها شفاف، وهناك قدرة كبيرة على الاستماع للآراء المخالفة، إلا أنها لا تساهم في صنع القرار داخل سيرفر 'GENZ212'.

يظل النقاش مفتوحا ولوقت طويل وبدون أي أفق ولا يقود بالضرورة إلى خلاصات بعينها، ناهيك عن عفوية الانتقال من موضوع إلى آخر، ثم استعمال لغة عامية بسيطة مؤثثة بكلمات إنجليزية أو فرنسية، والانطلاق في العديد من المرات من تجارب شخصية للتعبير عن فكرة والدفاع عنها وإبراز واقعيتها؛ 'أنا قريت في مدرسة عمومية.. واحد السيد تنعرفو.. أنا عندي STURTUP'.

عزوف ونقد ذاتي

بالنسبة لأحد المتدخلين في إحدى غرف الدردشة فإن 'جميع الأحزاب جربناها' ولا بد من تجريب أفكار جديدة لإحداث التغيير في المجتمع والقيام بالإصلاح. لكن هذا المتدخل لم يوضح طبيعة هذه الأفكار، وهو ما حدا بمتدخل آخر إلى الإشارة إلى أن المدخل للمساهمة بشكل فعلي في السياسات العمومية هو البرلمان، وبالتالي 'لا بد من المشاركة السياسية'.

وبنبرة تنطوي على الكثير من نقد الذات (ذات جيل Z)، واصل هذا المتدخل كلامه، بأريحية ودون أن تتم مقاطعته، 'مشكلتنا ما مسيسينش (غير مسيسين) ولا نشارك في الانتخابات'، واسترسل متسائلا: 'علاش ما ساندنا الأطباء والأساتذة وغيرهم في احتجاجاتهم'.

الفكرة ذاتها، وبطريقة تعبير قريبة مما قاله هذا المتدخل، وبنوع من نقد الذات أيضا، قال شخص آخر ضمن غرفة أخرى من عشرات غرف الدردشة التي استمعت 'العمق' للنقاش الدائر داخلها، أبرز متدخل آخر أن 'جزءا من المشكل (انتشار الفساد) نتحمله نحن لأننا لا نساهم في وصول النزهاء إلى البرلمان'، ودعا إلى 'ضرورة خلق وعي سياسي'، ولما لا تأسيس حزب جديد، أو على الأقل الدفع بمرشح 'نزيه' ودعمه في الوصول إلى البرلمان.

لكن المتتبع للنقاش داخل السيرفر يلامس نوعا من النقد الذي يطال الأحزاب، ويجمعها في سلة واحدة في كثير من الأحيان، وينتقد الوزراء وطريقة التدبير، بل إن النقاش طال أيضا طريقة الحكم، لكن مع تشبث كبير بالملكية، باعتبار 'الملك هو القادر على تلبية مطالب هذا الجيل'، وإحداث الإصلاح، لكونه الجهة الوحيدة التي يمكن الوثوق فيها، بحسب ما عبرت عنه عدد من التدخلات في غرف دردشة متفرقة.

محاربة الفساد

ناقشت عدد من غرف الدردشة محاربة الفساد، ورأت عدد من الأصوات أن 'الرقمنة' عنصر مهم لمحاربة الفساد في الإدارة وتنظيم حياة وشؤون المواطنين، باعتبار الرقمنة تسمح بترك أثر حدث 'تلاعب أو فساد'، وهذا الأثر يمكن أن يقود إلى المتورط. كما انتقد المتدخلون عدم إخضاع الجيل القديم من الموظفين لتكوينات في الرقمنة.

كما أن إصلاح القضاء أمر مهم لإحداث التغيير ومحاربة الفساد، بحسب عدد من المداخلات، و'لا توجد جهة قادرة على إصلاح القضاء باستثناء الملك.. وحتى التغييرات التي عرفها هذا القطاع في السنوات الماضية كانت بتدخل مباشر من الملك'، بحسب ما قال أحد المتدخلين.

قضايا اجتماعية

حضرت القضايا الاجتماعية بكثافة في النقاش، خصوصا الصحة والتعليم، حيث نادت أصوات باعتماد الرقمنة في ما يتعلق بالصحة، وإحداث CARTE VITALE لتتبع مسار المريض أينما ذهب، وتمكين الطبيب من الاطلاع على ملفه الطبي بضغطة زر فقط، وقبل ذلك تمت الدعوة إلى بناء مستشفيات حديثة ومتطورة.

'المغربي إذا كان صابر راه صابر غير على قبل كرشو (القدرة الشرائية)، فاش قاسو ليه كرشو غيتحرك'، هكذا عبر أحد المتدخلين عن رأيه في نقاش يدور حول الوضع الاقتصادي والنقدي وارتفاع التضخم بالمغرب، موضحا أن تراجع القدرة الشرائية هو الذي قاد إلى الاحتجاجات الحالية.

'المشكل في الانتشار الكبير للمدارس الخاص'، 'إذا سمحتي لي ما غاديش نتافق معك، المشكل في البيداغوجية المعتمدة'.. هكذا بدا البون شاسعا بين العديد من الأفكار التي تناقش إصلاح التعليم داخل إحدى غرف الدردشة، لكن النقاش مع ذلك استمر على الرغم من أنه لم يفض إلى خلاصة بعينها.

ساعات من الاستماع إلى نقاش تشارك فيه أصوات لا يمكن معرفة أصحابها، في العديد من غرف الدردشة، يستحيل الإحاطة به، لكن يمكن تسجيل أن قطاعي الصحة والتعليم كانا حاضرين، إلى جانب الرقمنة، والاقتصاد خصوصا في جانبه المتعلق بالمعيش اليومي، بالإضافة إلى السياسة، وغيرها من القضايا.