يرى مراقبون أن الموقع الجغرافي المميز للبلاد بات مصدر انزعاج للمملكة لكونه يجعلها فوهة شبكات تهريب الأفيون والكوكايين

أعادت معطيات صادرة عن تقرير حديث لمكتب الأمم المتحدة المكلف بالمخدرات والجريمة للواجهة موضوع تحول شمال المغرب، ولا سيما إقليم طنجة، إلى منطقة عبور رئيسة للمخدرات القادمة من أفغانستان صوب أوروبا، خصوصاً إسبانيا وفرنسا وبلجيكا.

ويرى مراقبون أن الموقع الجغرافي المميز الذي كثيراً ما حظي به المغرب في علاقاته الاقتصادية والدبلوماسية مع أوروبا، بات مصدر انزعاج للمملكة لكونه موقعاً يجعل شمال البلاد على وجه الخصوص أمام فوهة شبكات تهريب الأفيون والكوكايين، انطلاقاً من المصدر الرئيس لأفغانستان، مروراً بغرب أفريقيا وشرقها، ثم عبوراً من شمال المغرب، وصولاً إلى دول أوروبا.

رسمت خرائط التقرير العالمي للمخدرات لعام 2025 مسارات عبور المخدرات الأفيونية من أفغانستان، إحدى أكبر الدول المنتجة بالعالم، لتتدفق عبر دول أفريقية في غرب القارة السمراء وشرقها، لتعبر أيضاً شمال المغرب، وتحديداً منطقة طنجة، قبل أن تحط الرحال في دول أوروبية عدة. وتبعاً للتقرير الأممي نفسه، يوجد المغرب في صلب عمليات ضبط لكميات كبيرة للمخدرات في الفترة الزمنية الممتدة بين عامي 2021 و2024، خصوصاً عمليات ضبط توصف بالنوعية والمميزة بالقرب من موانئ المغرب، ولا سيما ميناء طنجة المتوسطي.

وتفيد الأرقام الرسمية بأن إنتاج الكوكايين عبر العالم شهد في عام 2023 مستوى قياسياً بأكثر من 3700 طن، بزيادة لافتة تقدر بـ34 في المئة مقارنة مع عام 2022، في وقت يعتبر الحشيش أكثر المخدرات استهلاكاً عبر العالم، تليها الأفيونيات والكوكايين، ثم الأقراص المهلوسة.

ويتبع تهريب المخدرات القوية من أفغانستان، خصوصاً الهيرويين، عدد من المسارات المتشعبة باتجاه دول أوروبا، غير أنها مسارات تتغير باستمرار تبعاً لضغوطات وحسابات المراقبة الأمنية خلال المسارات الرئيسة.

وإلى جانب المسار البلقاني 'التقليدي القديم'، والمسارين الشمالي والجنوبي، تعبر المخدرات الأفيونية الوافدة من أفغانستان باتجاه أوروبا مسارات ثابتة وأخرى متحركة، تحت حماية 'مافيات' ألبانية وصربية وبلغارية، تشرف على عمليات العبور.

وإذا كانت الطرق والمسارات التقليدية لا تزال قائمة ويعتمد عليها مهربو المخدرات من أفغانستان صوب أوروبا عبر أفريقيا، فإن هناك مسارات أو طرقاً أخرى غير تقليدية تسهل عبور المخدرات الصلبة من المصدر إلى الدول المستهدفة. ومن هذه الطرق غير التقليدية التي تيسر عبور المخدرات عبر القارات، من آسيا عبر أفريقيا باتجاه أوروبا، حملها عبر الطائرات المسيرة، أو عبر المروحيات، أو باللجوء إلى خدمات الشبكات التي تستغل المهاجرين غير النظاميين، وغيرها من الطرق المتجددة والأساليب المبتكرة والمتحولة.

توقفت الخرائط الواردة في التقرير الأممي الجديد حول المخدرات لعام 2025 عند إقليم طنجة في شمال المغرب، باعتباره منطقة عبور رئيسة نحو أوروبا، بحكم الموقع والقرب الجغرافي للمملكة، وخصوصاً لمناطق الشمال من الجنوب الإسباني.

وقال الناشط المهتم بأخبار وشؤون شمال المغرب عبدالرحيم طوريس 'إن الموقع الجغرافي للمغرب الذي جعله صلة وصل بين أفريقيا وأوروبا، هو أكبر عامل يفسر تحول منطقة الشمال، خصوصاً طنجة إلى منطقة عبور للمخدرات نحو أوروبا'، وأضاف أن طنجة المغربية لا تبعد من أقرب نقطة في إسبانيا، من خلال الممر البحري - جبل طارق، سوى 14 كيلومتراً، كما أن المغرب وإسبانيا يشتركان في الحدود البحرية في هذا المضيق، علاوة على مشروع مطروح حالياً يتعلق بإحداث نفق بحري يربط بين البلدين. وتابع طوريس أن مضيق جبل طارق يعتبر الشريان الرئيس لتهريب المخدرات من طنجة ونواحيها إلى الجنوب الإسباني، ومن ثم إلى بقية دول أوروبا، حيث يجري التهريب، في الغالب، تحت حراسة مشددة عبر زوارق من نقط متفق عليها سلفاً بين الشبكات الدولية للمخدرات، أو حتى عبر تشييد نفق سري يجري عبره تهريب المخدرات، مثل النفق الشهير الذي اكتشف أخيراً، ويربط بين مدينة سبتة والمغرب.

ولفت طوريس إلى أن ميناء طنجة المتوسطي صار مسرحاً لضبط عدد من الشحنات الكبيرة للمخدرات المتجهة نحو أوروبا، آخرها ما ضبطته الجمارك والشرطة المغربية، الأحد الـ27 من يوليو (تموز)، عندما أجهضت محاولة تهريب نحو خمسة أطنان من مخدر 'الشيرا' صوب أحد موانئ أوروبا، وكانت معبأة على شكل فاكهة البرتقال في شاحنة معدة للنقل الدولي للبضائع.

وفي الجهة المقابلة أحبط الحرس المدني الإسباني الشهر الجاري محاولة تهريب كميات كبيرة للحشيش كانت مخبأة بطريقة محكمة داخل قاع مزدوج لمقطورة شاحنة قادمة من ميناء طنجة، صوب ميناء موتريل في جنوب إسبانيا.

من جانبه قال المحلل السياسي محمد بن طلحة الدكالي 'إن إقليم طنجة يبرز كحلقة رئيسة ضمن مسار عبور المخدرات إلى أوروبا، وفق معطيات الخرائط المعتمدة للمخدرات في التقرير الأممي لعام 2025'، لافتاً إلى أنه جرى ذكر هذه المدينة في التقرير الأممي على رغم أن هناك مناطق أخرى في العالم تشهد تزايداً لهذا النوع الإجرامي. وحرص بن طلحة على التذكير باليقظة الأمنية التي تحبط عدد من محاولات تهريب المخدرات عبر الشمال المغربي باتجاه أوروبا، مبيناً أنه 'لا خوف على حال ومستقبل الشمال المغربي، بخلاف مناطق أخرى ملتهبة في العالم بسبب التهريب الدولي للمخدرات'.

وأعلنت الحكومة المغربية حرباً على شبكات التهريب الدولي للمخدرات، وهو ما كشف عنه أخيراً وزير الداخلية المغربي عبدالوافي لفتيت في جواب عن سؤال كتابي للبرلماني خالد السطي بخصوص الموضوع، إذ أكد أن 'الشبكات الإجرامية ذات الامتدادات الدولية تحاول يائسة تهريب المخدرات عن طريق المغرب، لما يمتاز به من موقع استراتيجي يربط بين القارات الثلاث: أميركا اللاتينية، وأفريقيا، وأوروبا'، ووفق وزير الداخلية المغربي، 'تستهدف السلطات الأمنية شبكات الاتجار والتهريب الدولي المتحكمة في قوانين العرض والطلب، كما تشدد الخناق على شبكات ترويج المخدرات والمؤثرات العقلية، مع تعزيز التعاون الدولي في هذا المجال'.

وفي السياق تفيد أرقام رسمية بأن الأجهزة الأمنية المغربية حجزت في عام 2024 ما يتجاوز 344 طناً من مخدر 'الشيرا'، و112 طناً من نبتة الكيف، و2508 كيلوغرامات من الكوكايين، و16 كيلوغراماً من الهيروين، وأكثر من مليون ونصف ميلون حبة هلوسة.