اخبار المغرب
موقع كل يوم -مباشر
نشر بتاريخ: ٢٦ كانون الأول ٢٠٢٥
مباشر- يواجه المستثمرون اليوم ما يمكن وصفه بـ 'عدم اليقين الجذري'، وهو النوع الذي تعجز التحليلات الإحصائية والنماذج التقليدية عن استيعابه، في ظل انهيار كامل للمعايير التي وجهت السياسة الاقتصادية الأمريكية لعقود.
وفي خلال العام الماضي، شهدت الولايات المتحدة تجاهلاً تاماً لثوابت السياسة التجارية والمالية والنقدية، بالتزامن مع الوقوف على أعتاب ثورة الذكاء الاصطناعي التي قد تفوق في سرعتها وأثرها التحول التاريخي من الزراعة إلى الصناعة وفق بلومبرج، اليوم الجمعة.
ورغم أن الناتج المحلي الإجمالي نما بمعدل سنوي مثير للإعجاب بلغ 4.3% في الربع الثالث، إلا أن هذا النمو يأتي وسط اضطرابات سياسية واقتصادية تجعل التنبؤ بالمستقبل ضرباً من الوهم، بحسب بلومبرج.
وتتجلى ملامح هذا العصر الجديد في التخلي الصادم عن مفاهيم التجارة الدولية التقليدية؛ فبدلاً من المنافسة والكفاءة، أصبحت التجارة أداة للصراع على النفوذ، حيث تسعى واشنطن لفرض 'عدالة اقتصادية' عبر التعريفات الجمركية المتبادلة.
وتحت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لم تعد التجارة 'حرة' أو 'عادلة' بالمعنى المتعارف عليه، بل تحولت إلى منظومة يديرها خبراء لتحقيق أقصى فائدة للولايات المتحدة، حتى وإن تطلب ذلك الانسحاب من تحالفات تاريخية. هذا التحول الجذري يضع الاقتصاد العالمي أمام تساؤلات صعبة حول مدى قدرة سلاسل التوريد على الصمود في وجه العقود القادمة.
انتحار السياسة المالية وتسييس 'الفيدرالي'
على الصعيد الداخلي، يبدو أن مفهوم 'المسؤولية المالية' قد فارق الحياة، حيث لم يعد عجز الموازنةالذي يبلغ 6% من الناتج المحلي، أو الدين العام الذي وصل إلى 100%، يمثلان عائقاً سياسياً أمام طموحات الإنفاق. ولا يكمن الخطر في اعتقاد الساسة بأن الحيز المالي غير محدود، بل في توقفهم التام عن التفكير في العواقب طويلة الأمد للاقتراض العام.
وبالتوازي مع ذلك، تتعرض استقلالية البنك المركزي لهجوم غير مسبوق؛ إذ بدأت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالفعل في تسييس مجلس الاحتياطي الفيدرالي عبر تعيين شخصيات موالية وممارسة ضغوط لتغيير أهداف التضخم، مما ينذر بموجة تضخمية قد تتجاوز سقف الـ 2% الذي ظل مقدساً لسنوات.
الذكاء الاصطناعي.. طوق نجاة أم سراب؟
وفي قلب هذا الارتباك، يبرز الذكاء الاصطناعي كمحرك محتمل لثورة إنتاجية قد تكون قوية بما يكفي لتجاوز كل القرارات الخاطئة، سواء صدرت عن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أو خلفائها.
ورغم أن الاستثمارات في مراكز البيانات الضخمة تعكس طفرة حقيقية، إلا أن أثرها الفعلي على الوظائف والإنتاجية لا يزال في طور التكهنات، خاصة مع حالة الفوضى التي تضرب الإحصاءات الرسمية نتيجة إغلاق الحكومة. إن التزامن الغريب بين تعزيز النمو وانخفاض الطلب على العمالة يطرح تساؤلاً جوهرياً: هل ينجح التطور التقني في حماية الاقتصاد من تبعات انهيار الإجماع السياسي؟
ويراهن المستثمرون اليوم بقوة على 'عصر ذهبي' موعود، مدفوعين بالآمال في تخفيض الضرائب والنمو المتسارع، دون أن يدركوا المعنى الحقيقي للمخاطرة في بيئة تفتقر إلى القواعد الراسخة.
فإذا استمر تراجع استقلالية الاحتياطي الفيدرالي تحت ضغط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فإن التوقعات التضخمية ستصبح واقعاً ملموساً يثقل كاهل الأسر. إن مرونة الاقتصاد الأمريكي ستكون تحت الاختبار الأعنف في عام 2026، حيث سيتعين عليه تجاوز انهيار المفاهيم التقليدية والتعايش مع معايير جديدة قد تنجح في النهاية، أو تقود العالم نحو الانهيار الأكثر تعقيداً في التاريخ الحديث.



































