أكد محمد غيات، نائب رئيس مجلس النواب، في كلمة ألقاها في المؤتمر البرلماني الإقليمي الإفريقي الثالث، الذي ينعقد تحت عنوان 'التحديات العالمية الناشئة التي تهدد سيادة وقيم الأمم الإفريقية'، خلال الفترة الممتدة من 9 إلى 11 ماي الجاري بمدينة أنتيبي، بجمهورية أوغندا، أن السيادة الغذائية تُعد اليوم ضرورة استراتيجية حيوية من أجل تحقيق التنمية المستدامة وضمان الاستقلال الذاتي للأمم الإفريقية.

وشدد المسؤول ذاته على أنه في ظل تقلبات الأسواق الدولية، وتعاظم التحديات المناخية، والضغوط الديمغرافية المتزايدة، فإن قدرة القارة على ضمان أمنها الغذائي بوسائلها الذاتية تبرز كأولوية مطلقة، لا تمثل فقط شرطا أساسيا للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، بل تشكل أيضا ركنا جوهريا من أركان السيادة الوطنية والقارية.

وأوضح غيات أن المغرب، إدراكا منه لهذه الرهانات الكبرى، قد اعتمد استراتيجية متكاملة مكنته من تحقيق رفع ملحوظ في إنتاجيته الزراعية، مع تعزيز صمود صغار الفلاحين. وانطلاقا من هذه التجربة الناجحة، أعرب عن حرص المملكة على تقاسم خبرتها بروح من التضامن والتعاون الفعّال بين بلدان الجنوب، مستندا في ذلك إلى أربعة محاور رئيسية. يتمثل المحور الأول في تحسين إدارة الموارد المائية، حيث طور المغرب حلولا مبتكرة كالري الموضعي وتجميع مياه الأمطار وإعادة استخدام المياه العادمة المعالجة، وهي تقنيات أُنجزت بالفعل مع عدد من الشركاء الأفارقة وحققت نتائج ملموسة.

ويتعلق المحور الثاني، وفقا للمصدر ذاته، بتحسين سلاسل القيمة الزراعية، عبر تقليص الخسائر ما بعد الحصاد وتطوير قدرات التحويل المحلي، الأمر الذي لا يسهم فقط في تعظيم القيمة المضافة للمنتجات الزراعية، بل يساهم كذلك في خلق فرص عمل مستدامة، خاصة لفائدة الشباب في المناطق الريفية. أما المحور الثالث فيركز على ضمان الولوج العادل إلى الموارد الإنتاجية، حيث تُظهر التجربة المغربية الأهمية البالغة في تأمين وصول الفلاحين الأسريين إلى الأراضي والبذور الملائمة والخدمات المالية الشاملة، بما يضمن بناء زراعة مرنة وعادلة. ويكتمل العقد بالمحور الرابع المتمثل في وضع أطر تنظيمية متوازنة قادرة على حماية الإنتاج المحلي، مع تعزيز التبادلات الإفريقية البينية، لاسيما في إطار منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية.

وجدد نائب رئيس مجلس النواب التزام المغرب الراسخ بتعميق شراكاته التقنية والعلمية والاقتصادية مع كافة الدول الإفريقية في هذا المجال الاستراتيجي، مشيرا إلى أن المبادرة الملكية للأمن الغذائي، وبرامج التكوين الزراعي التي استفاد منها آلاف الطلبة الأفارقة، ومشاريع الاستثمار المشترك، تجسد هذا الالتزام الثابت والمستدام. وأكد أن السيادة الغذائية لا تنفصل عن الحفاظ على القيم الثقافية، لأن النظم الغذائية التقليدية تجسد جوهر الهوية الإفريقية.

وفي سبيل تعزيز هذا المسار، طرح غيات حزمة من الإجراءات العملية، داعيا إلى إعداد أطر قانونية وطنية تحمي صراحة السيادة الغذائية والنظم الزراعية التقليدية الإفريقية، والتصدي جماعيا لأي اتفاق دولي قد يهدد استقلالية القرار الأفريقي في رسم السياسات الزراعية والغذائية. كما دعا إلى تعزيز التعاون البيني الإفريقي، خاصة عبر منطقة التجارة الحرة القارية، لتنشيط تجارة المنتجات الزراعية المحلية، ودعم الزراعة الأسرية باعتبارها حجر الأساس للنظم الغذائية ومرآة للقيم التضامنية.

وشملت المقترحات أيضا الاستثمار المكثف في البحث الزراعي الإفريقي لتثمين المحاصيل الغذائية المحلية والمعارف الأصلية، وحماية البذور التقليدية الإفريقية من أي استحواذ غير مشروع، وإنشاء صندوق إفريقي للسيادة الغذائية يُموَّل من قبل الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي، وإرساء منتديات برلمانية وطنية مخصصة للسيادة الغذائية وحماية النظم الزراعية التقليدية.

واختتم غيات كلمته بالتأكيد على أن الوقت قد حان للعمل المشترك، وأن توحيد الجهود سيجعل من السيادة الغذائية هدفا قابلا للتحقيق وأساسا لبناء إفريقيا مزدهرة ومستقلة ومخلصة لقيمها، مؤكدا أن المغرب، وفاء لالتزامه الإفريقي، يظل عازما على العمل جنبا إلى جنب مع جميع الدول الإفريقية لمواجهة هذا التحدي المصيري.