اخبار الجزائر
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢٤ كانون الأول ٢٠٢٥
حذر البنك الدولي من تراجعه بسبب أسعار المحروقات وأكدت تقارير محلية تجاوزه 68 مليار دولار
لا يزال الحديث عن تآكل احتياطات الجزائر من العملة الصعبة يثير استفهامات عدّة، وبينما يحذر البنك الدولي من تراجعه بسبب أسعار النفط والغاز، أكد بنك الجزائر ارتفاعه ليتجاوز 68 مليار دولار، ومن ثم كشف الرئيس تبون عن بلوغه 70 مليار دولار، فما حقيقة تآكل احتياط الصرف الأجنبي للجزائر؟
أوضح البنك الدولي في آخر تقرير له، أن انخفاض العائدات الطاقوية للجزائر واتساع عجز الحساب الجاري يعيدان طرح مخاوف الاستدامة المالية، في وقت يعتمد فيه اقتصادها بصورة شبه كاملة على إيرادات المحروقات لتغطية الإنفاق وتمويل الواردات، وكشف أن احتياطات البلاد واصلت منحى الانكماش خلال العام الماضي.
لكن بنك الجزائر للتطور الاقتصادي والنقدي، شدد في آخر تقرير له على أن احتياط النقد الأجنبي ارتفع ليتجاوز 68 مليار دولار، وانخفض إجمال الدين الخارجي المستحق على الجزائر بنسبة 9.9 في المئة ليتراجع من 3.18 مليار دولار في نهاية 2023 إلى 2.87 مليار دولار في نهاية 2024، وهو تراجع شمل مختلف المكونات، سواء الديون المتوسطة والطويلة الأجل أو القصيرة الأجل.
وفي تصريح له، أكد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، أن احتياط الجزائر من النقد الأجنبي يصل إلى نحو 70 مليار دولار، وأضاف 'لن يكون هناك أي تقشف ولكن تسيير أفضل، التزمنا أننا سنذهب إلى اقتصاد متحرر من المحروقات، ومصيرنا لن يبقى مرتبطاً بسعر برميل النفط، البترول منتج سعره مرتبط بالبورصة، أحياناً يرتفع وأحياناً أخرى ينخفض'.
ارتبط الاحتياط النقدي في الجزائر بأسعار النفط بصورة لافتة، إذ في أعوام الوفرة، كان الاحتياط يستخدم لضمان استقرار العملة المحلية وتمويل الواردات الأساسية، مما منح البلاد مرونة مالية كبيرة، لكن مع تهاوي الأسعار في 2014، بدأ تآكل الاحتياط تدريجاً بعدما بلغ 194 مليار دولار ويبلغ 70 مليار دولار نهاية 2024، مما كشف أن الاعتماد شبه الكامل على المحروقات كممول أساس للاحتياط يضع الاقتصاد عرضة للصدمات الخارجية.
هذا التهديد الذي بات يتربص باستقرار البلاد حرّك السلطات التي سارعت إلى إعادة تقييم شاملة لدور الاحتياط النقدي كأداة لتمويل الواردات أو استقرار العملة، ووسيلة لتعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة، باتجاه اعتباره حجر الزاوية في تمويل مشاريع طموحة في قطاعات غير نفطية، وهو ما انطلقت في تحقيقه عبر القيام بإصلاحات هيكلية عميقة تركز على تنويع الاقتصاد، وتحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي، وتعزيز دور القطاع الخاص، إضافة إلى التفكير في إنشاء صندوق سيادي يستثمر عوائد الاحتياط في مشاريع طويلة الأجل تعود بالنفع على الأجيال القادمة، سواء داخل الجزائر أو خارجها.
وفي ظل تضارب الأرقام، يقول المحلل الاقتصادي رئيس جمعية المستشارين الجبائيين بوبكر سلامي، في حديث لـ'اندبندنت عربية'، إن تآكل احتياطات العملة الصعبة يرجع إلى انخفاض أسعار المحروقات بخاصة أن سقف مبيعات الجزائر محدود من جهة الكمية، وذلك في إطار منظمتي 'أوبيب' و 'أوبيب بلوس'، إضافة إلى أن احتياجات البلاد الداخلية من الواردات تتجاوز ما لدينا من مداخيل، وهو ما قد يجعلنا نصل الى عدم التوازن في الميزان التجاري، إذ تصبح المدفوعات أكثر من الموارد، أي ما ندفعه من العملة الصعبة أكثر مما يدخل الخزانة العمومية'.
ويبدو أن التشديد في الاستيراد أحد أهم العوامل التي تحافظ على احتياط العملة الصعبة بل يرفع منها ويحدث الفائض، مما يندرج في سياق سياسة ترشيد الواردات. ويرى سلامي أن الحكومات المتعاقبة تعمل على تشجيع الصادرات خارج المحروقات التي حققت في وقت سابق 7 مليارات دولار، الأمر الذي دفع إلى رفع المجهودات بغرض الوصول إلى 10 مليارات دولار في أقرب فرصة، و20 إلى 25 مليار دولار على المدى البعيد، ويبقى الهدف بلوغ 50 في المئة من مداخيل البلاد من العملة الصعبة من خارج المحروقات.
في سياق متصل، حذر المحلل الاقتصادي من استمرار الأسعار المنخفضة للمحروقات التي من شأنها التأثير في الاحتياط، وتداول حجم كبير من العملة الصعبة في السوق الموازية التي قدرتها أطراف عدة بمليارات من الدولارات، ومن ثم على السلطات التحرك، مشيراً إلى أن ما حدث أخيراً حول تشديد الرقابة على المنحة السياحية المقدرة بـ 750 يورو(880 دولاراً)، يكشف حجم التحايل الذي يستهدف احتياط العملة الصعبة، إذ أعلن عن 100 ألف مخالفة.
وأوضح أنه بات فتح مكاتب صرف أمر ضروري من شأنه وضع حد للتداول غير القانوني للعملة الصعبة، ومنه محاصرة السوق السوداء، مقترحاً اتخاذ اجراء معمول به في دول عدة ويتمثل في فرض على كل جزائري مقيم بالخارج القيام بصرف 1000 دولار في الأقل في البنوك بالسعر الرسمي.
في المقابل، يقول المحلل المالي والاقتصادي جلول سلامة، إن التعامل مع الوضع الاقتصادي في حال استمرت أسعار المحروقات في التراجع، يستدعي الارتكاز على ثلاثة أساسات، أولها تسريع تنفيذ مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، بما يخفف العبء الاستثماري والمالي عن الدولة، بينما يتعلق الثاني بتقليص النفقات غير الضرورية وإعادة هيكلة موازنات التسيير، بما يضمن توجيه الموارد نحو المجالات ذات الأولوية.
وتابع سلامة، أن الأساس الثالث يرتبط بمراجعة سياسات الاستثمار عبر منح الأفضلية للمشاريع الإنتاجية والتنموية، ورفع موازنة التجهيز على حساب الإنفاق غير المنتج، مما يسهم في خلق القيمة المضافة ويعزز قدرة الاقتصاد على امتصاص الصدمات، ولفت إلى أن هذه الخطوات قادرة على توفير هامش مناورة للجزائر حتى نهاية 2026، بصورة تسمح بتدارك الانعطافات المالية الحادة التي لم تعالج في الوقت المناسب.
تكشف الأرقام الرسمية عن تحقيق توازنات جيدة خلال العام الجاري 2025، مما يشير إلى تمكن السلطات من تسيير منضبط للاهتزازات التي تحدثها الاختلالات الدولية، لا سيما مع تراجع أسعار المحروقات، إذ أوضح وزير المحروقات والمناجم محمد عرقاب، أمام لجنة المالية والموازنة بالبرلمان، أن الجزائر حققت عائدات قدرها 31 مليار دولار من صادرات المحروقات حتى نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي.
وكشفت وزارة التجارة الخارجية وترقية الصادرات عن تسجيل القطاعات خارج المحروقات نمواً ملحوظاً في صادراتها خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، بخاصة في المجالات الكيماوية ومواد البناء والأجهزة الكهربائية والكهرومنزلية.
وسبق أن أكد محافظ بنك الجزائر صلاح الدين طالب، أن الاقتصاد الجزائري يظهر مرونة قوية، بفضل النمو الدائم خارج قطاع المحروقات، والسياسة التي ينتهجها البنك المركزي لتعزيز قدرة البنوك على تمويل الاقتصاد، مشيراً إلى 'المستوى المريح من احتياطات الصرف، وديون خارجية شبه منعدمة، وتراجع واضح في التضخم، وقطاع مصرفي قوي صمد في وجه الصدمات المتتالية في الأعوام الأخيرة'.




















