متابعات- نبض السودان

في خطوة تُبشر بثورة في مجال الطاقة النظيفة، كشفت شركة 'أيرسيلا' الناشئة عن تطوير آلة صغيرة الحجم قادرة على إنتاج البنزين باستخدام مكونات طبيعية ومتاحة للجميع: الهواء والماء والكهرباء المتجددة فقط. ويُعد هذا الإنجاز طفرة حقيقية في تقنيات الوقود الاصطناعي، معتمدة على أبحاث متقدمة في مجال الالتقاط المباشر لثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي.

آلية العمل: من الكربون إلى البنزين

تعتمد تكنولوجيا 'أيرسيلا' على نظام ذكي لالتقاط الكربون، حيث يتم استخدام محلول مائي يحتوي على هيدروكسيد البوتاسيوم لامتصاص ثاني أكسيد الكربون من الهواء. عند مرور الهواء عبر حجرة مصممة بعناية، يلتقط السائل الماص غاز ثاني أكسيد الكربون، الذي يتم استخراجه وإعادة استخدامه بشكل مستدام وفعال.

وبالتوازي، يتم تشغيل نظام تحليل كهربائي باستخدام طاقة متجددة لفصل الماء إلى مكوناته: الهيدروجين والأكسجين. ويُستخدم الهيدروجين في الخطوة التالية من العملية، بينما يتم إطلاق الأكسجين بأمان في الهواء.

ثم يتم دمج ثاني أكسيد الكربون المُلتقط مع الهيدروجين لإنتاج الميثانول، والذي يُحول بعد ذلك إلى بنزين باستخدام تفاعلات كيميائية معروفة ومعتمدة علميًا. النتيجة هي وقود نظيف كيميائيًا يشبه البنزين التقليدي لكنه خالٍ من الكبريت والإيثانول والمعادن الثقيلة، مما يجعله أكثر أمانًا على البيئة وأقل ضررًا للمحركات.

وحدة إنتاج يومية مستقلة وصديقة للبيئة

تستطيع كل وحدة إنتاجية من 'أيرسيلا' إنتاج نحو غالون واحد من البنزين يوميًا، باستخدام 22 رطلاً تقريبًا من ثاني أكسيد الكربون الملتقط من الهواء. ويشتمل التصميم المدمج للوحدة على خزان داخلي بسعة تصل إلى 17 غالونًا، ما يسمح للمستخدمين بتخزين البنزين لاستخدامه لاحقًا دون الحاجة إلى بنية تحتية إضافية.

يترأس فريق 'أيرسيلا' إريك دالغرين، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي، الذي أوضح أن هذه الوحدات صُممت لتعمل بشكل مستقل بالكامل، ما يجعلها مثالية للاستخدام في المناطق النائية، مثل الجزر والموانئ ومناطق الطوارئ، وحتى المواقع غير المرتبطة بالشبكات الكهربائية الوطنية.

توافق تام مع المركبات والبنية التحتية الحالية

الميزة الأبرز في منتج 'أيرسيلا' أنه لا يتطلب أي تعديلات على السيارات أو محطات الوقود أو أنظمة التوزيع. البنزين المنتج مطابق كيميائيًا للوقود المستخدم حاليًا، مما يسمح للسائقين باستخدامه دون تغييرات تقنية أو سلوكية.

وتُعد هذه الخاصية حلاً مثالياً لدول ومجتمعات لا تستطيع بسهولة تغيير بنيتها التحتية، كما أنها توفر بديلاً نظيفًا وسهل الاستخدام دون الحاجة إلى اعتماد كامل على المركبات الكهربائية أو الوقود الحيوي.

حيادية كربونية وتقليل التلوث

يعتمد النظام على مفهوم الحيادية الكربونية، حيث يتم امتصاص نفس كمية ثاني أكسيد الكربون التي تنبعث أثناء حرق الوقود المنتج. إلى جانب ذلك، يساعد نقاء البنزين المُصنّع على تقليل الملوثات الناتجة عن الاحتراق، ما ينعكس إيجابًا على جودة الهواء وصحة الإنسان، ويقلل من معدلات تآكل المحركات.

توسيع الإنتاج وطرح تجاري مرتقب

بحسب موقع 'إمباكت لاب'، تخطط 'أيرسيلا' لإطلاق الطرح التجاري الأول في خريف عام 2025، مستهدفةً المستخدمين في المجالات التجارية والصناعية، إضافةً إلى المجتمعات البعيدة عن مراكز الإنتاج. رغم أن الإنتاج الحالي محدود بمعدل غالون يوميًا لكل وحدة، إلا أن الشركة تعمل على توسيع قدرتها الإنتاجية وخفض التكاليف مع مرور الوقت.

تطبيقات متعددة في النقل والطوارئ

يرى المتخصصون في قطاع الطاقة أن تقنية 'أيرسيلا' تمتلك إمكانات هائلة للمساهمة في تقليل الانبعاثات الكربونية في القطاعات الأكثر اعتمادًا على الوقود التقليدي، مثل النقل البحري والخدمات اللوجستية، فضلًا عن استخدامها في حالات الطوارئ والكوارث، حيث يصعب توفير إمدادات الطاقة التقليدية.

انتقال نظيف دون تغييرات جذرية

في ظل الضغوط العالمية للتحول إلى طاقة أكثر نظافة، تمثل 'أيرسيلا' حلاً واقعيًا للانتقال السلس من الوقود الأحفوري إلى بدائل صديقة للبيئة دون الحاجة إلى تغييرات جذرية في وسائل النقل أو عادات المستهلكين.

وبينما تزداد الحاجة عالميًا إلى خفض الانبعاثات وتحقيق أهداف المناخ، توفر هذه الآلة الصغيرة بديلاً عمليًا واقتصاديًا ونظيفًا لبنزين المستقبل.