اخبار المغرب
موقع كل يوم -الأيام ٢٤
نشر بتاريخ: ٢٦ أيلول ٢٠٢٥
في خطوة تعكس عمق الجدل القائم حول مستقبل الإعلام في المغرب، أصدرت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان مذكرة نقدية بشأن مشروع القانون رقم 26.25 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة.
المذكرة لم تكن مجرد ملاحظات تقنية، بل حملت رؤية شمولية تؤكد أن الرهان يتجاوز بنية المجلس إلى جوهر العلاقة بين الدولة والسلطة الرابعة، بين منطق الوصاية ومنطق الاستقلالية، وبين التنظيم الذاتي كآلية لترسيخ أخلاقيات المهنة وبين الخشية من تحويله إلى جهاز عقابي إضافي.
منذ إنشائه، وُجد المجلس الوطني للصحافة ليجسد تجربة فريدة في العالم العربي تقوم على فكرة التنظيم الذاتي، أي أن الصحافيين أنفسهم، مع الناشرين وممثلي المهنة، يتولون ضبط القواعد الأخلاقية والسلوكية بعيدا عن سلطة الحكومة. غير أن المشروع الجديد، كما ترى المنظمة، يهدد هذا التوازن الهش ويعيد فتح الباب أمام أشكال من الوصاية والإقصاء.
أولى الملاحظات التي أثارتها المنظمة تتعلق بما سمته اختلال العدالة التمثيلية داخل المجلس. فالمشروع يمنح الناشرين ثقلا أكبر على حساب الصحافيين المهنيين، ويستبدل منطق الانتخاب بمبدأ الانتداب بالنسبة لتمثيلية الناشرين، وهو ما يتعارض مع فلسفة الاستقلالية والشرعية الديمقراطية.
كما سجلت تراجع المشروع عن مبدأ المناصفة الدستورية بين النساء والرجال، بل وأقصى ممثلي المجتمع المدني، ليجعل من المجلس فضاء مغلقا على الناشرين وبعض الصحافيين، بدل أن يكون بيتا يعكس تعددية المجتمع وقواه الحية. المنظمة طالبت بإعادة التوازن داخل المجلس، وضمان مشاركة المجتمع المدني، وتفعيل المناصفة لا باعتبارها شعارا سياسيا بل التزاما دستوريا.
النقطة الثانية التي فجرت جدلا أوسع تتعلق بـ استقلالية المجلس عن الحكومة. فالمشروع نص على حضور مندوب تعينه السلطة التنفيذية داخل المجلس، وهو ما اعتبرته المنظمة مؤشرا خطيرا على إمكانية التدخل في قراراته أو فرض رقابة سياسية غير مباشرة.
في نظر المنظمة، إذا كان الهدف هو التنسيق، فإن ذلك من صميم اختصاص رئيس المجلس أو لجانه الداخلية، ولا حاجة لزرع ممثل للسلطة التنفيذية في مؤسسة من المفترض أن تكون مستقلة.
أما في ما يخص صلاحيات المجلس، فقد ركزت المنظمة على خطورة ما وصفته بـ الطابع الزجري للعقوبات المنصوص عليها، وعلى رأسها سحب بطاقة الصحافة المهنية لفترات قد تمتد لسنوات.
هذا الإجراء، برأيها، يتجاوز فكرة التنظيم الذاتي ويجعل من المجلس سلطة شبه قضائية دون ضمانات المحاكمة العادلة أو حق الدفاع. فالمجلس ينبغي أن يظل هيئة ذات سلطة معنوية وأخلاقية، تشتغل على الوساطة والتحكيم وتطوير أخلاقيات المهنة عبر التكوين والتوجيه، بينما يظل القضاء هو الجهة الوحيدة المخولة قانونا لإصدار العقوبات الثقيلة.
المذكرة لم تقتصر على النقد، بل قدمت اقتراحات عملية، من بينها ضرورة نشر تقارير المجلس بشكل علني وإحالتها على البرلمان بدل الاكتفاء برفعها إلى الحكومة، وذلك حتى يخضع المجلس نفسه للمساءلة أمام الرأي العام، ويُنظر إليه كهيئة شفافة لا كجهاز إداري مغلق.
كما دعت إلى فتح نقاش وطني أوسع يشارك فيه الصحافيون وممثلو هيئاتهم المهنية والمجتمع المدني قبل المصادقة النهائية على القانون، حتى لا يتحول الأمر إلى تعديل فوقي يفتقد الشرعية التوافقية.
في الجوهر، تكشف هذه المذكرة أن المعركة ليست تقنية فقط، بل سياسية وحقوقية بامتياز. فهي تتعلق بتحديد طبيعة المجلس الوطني للصحافة، هل هو هيئة مستقلة تعزز حرية التعبير وتحصن المهنة من التجاوزات، أم مجرد أداة تنظيمية تخضع لتأثيرات السلطة التنفيذية؟
المنظمة المغربية لحقوق الإنسان وضعت إصبعها على الجرح حين نبهت إلى أن أي إصلاح للمجلس لا بد أن ينطلق من مرجعيات دستورية واضحة، وعلى رأسها الفصل 28 من الدستور الذي يضمن حرية الصحافة، وكذلك التزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الإنسان وحرية التعبير.
والرهان اليوم، كما ترى المنظمة، هو أن يثبت المغرب أن خياره في ترسيخ إعلام مستقل ومهني ليس مجرد شعارات، بل التزام مؤسساتي يترجم في النصوص والممارسات.
في المحصلة، تضع المذكرة البرلمان والحكومة أمام مسؤولية جسيمة، فإما أن يكون القانون الجديد خطوة إلى الأمام تعزز استقلالية الإعلام وتكرس التنظيم الذاتي، وإما أن يتحول إلى تراجع يضعف التجربة المغربية ويعيد النقاش إلى نقطة الصفر. وبين الخيارين، يظل صوت الصحافيين وممثليهم، ومعهم المجتمع المدني، حاسما في تقرير مصير هذه المؤسسة المفصلية.