اخبار المغرب
موقع كل يوم -الأيام ٢٤
نشر بتاريخ: ٢٦ كانون الأول ٢٠٢٥
تواصلت جلسات مرافعات دفاع المتهمين في ملف الوزير السابق ورئيس جماعة الفقيه بن صالح، محمد مبديع، المتابع على خلفية شبهات تتعلق بالفساد المالي وسوء التدبير خلال فترة توليه رئاسة الجماعة، حيث قدم دفاع المتهم إبراهيم الهيلالي جملة من الدفوع القانونية التي طعنت في أساس المتابعة وطالبت بالبراءة التامة.
واستهل حسن أرحال دفاع ممثل شركة 'افير ' مرافعته بالتأكيد على أن هذا الملف يندرج ضمن سياق عام عرف، بحسب تعبيره، “محطات نضالية من أجل تكريس تطبيق القانون”، مشدداً على أن السلطة القضائية أصبحت مستقلة بفضل المنظومة القانونية ومرجعيات حقوق الإنسان، قبل أن يطرح تساؤلاً حول ضمان استقلال الإنسان نفسه، باعتبار أن القاضي والمحامي يظلان في النهاية بشرًا، غير أن القاضي قاطعه موضحًا أن المحكمة لا تنظر إلا في ما هو وارد داخل الملف المعروض عليها دون الالتفات إلى ما يوجد خارجه.
وطالب الدفاع باستدعاء أعضاء لجنة فتح الأظرفة المختصة بفحص الأثمان، وكذا المسؤولين عن الأجوبة التي قُدمت بشأن الأسئلة التي طرحتها الجهات المختصة خلال مرحلة التحقيق، معتبراً أن شهاداتهم أساسية لتنوير المحكمة.
وكشف أرحال أن إبراهيم الهيلالي هو ممثل شركة “أفير”، صاحبة الصفقة المصادق عليها من طرف صاحب المشروع، والمتابع بتهمة المشاركة في تبديد المال العام، مبرزًا أن الفاعل الأصلي المفترض في جريمة التبديد هو الرئيس الآمر بالصرف، محمد مبديع، موضحا أن الرجوع إلى أمر الإحالة، كما صاغه قاضي التحقيق، يظهر أن مجموع الصفقات التي اعتُبرت مشكِّلة لجريمة تبديد المال العام يبلغ عشر صفقات، دون أن تتضمن أي إشارة إلى الصفقة رقم 8/2016 التي فازت بها شركة “أفير”.
وفي هذا السياق، أشار الدفاع إلى أن الوكيل العام للملك، خلال استجوابه لمبديع بخصوص مجموعة الصفقات المرتبطة بصفته آمراً بالصرف، طرح سؤالاً حول علمه بعملية افتحاص الأثمان المتعلقة بالصفقة 8/2016، وذلك خلال جلسة 31 أكتوبر 2025، وهو السؤال الذي اعترض دفاع مبديع على طرحه، مبرزا أن المحكمة بدورها أكدت بشكل صريح أن هذه الصفقة ليست موضوع إحالة، كما اعترضت المحكمة، إلى جانب دفاع مبديع، على الأسئلة التي طُرحت بشأنها لكونها خارج نطاق الصفقات الواردة في أمر الإحالة.
وتساءل الدفاع عن الأساس القانوني لمتابعة موكله بتهمة تبديد المال العام، في حين أن هذه التهمة “غير قائمة أصلاً” في ما يتعلق بالصفقة موضوع المتابعة، معتبراً أن هذا التناقض الواضح في أمر الإحالة يجعله مشوبًا بالبطلان، ولا يمكن تداركه أمام المحكمة، مشدداً على أن هذه النقطة وحدها كافية للتصريح ببراءة موكله.
وانتقد المحامي تقرير الخبرة، معتبراً أن الخبير لم يحترم أبجديات الدفاع، في ظل تناقض جهات الاتهام بشأن واقعة الصفقة موضوع المتابعة، التي وصفها بأنها “سليمة” وغير مشمولة بالإحالات الواردة في النازلة، مؤكدا في هذا الإطار وجود فرق جوهري بين جهة الاتهام وجهة التحقيق، وبين جهة التحقيق وجهة الحكم، مشدداً على أنه لا يمكن للمحكمة أن توجه الاتهام لموكله من تلقاء نفسها.
وبخصوص ما أُثير حول وجود اختلالات في الصفقة رقم 8/2016، أوضح حسن أرحال النقطة الأولى تتعلق بالأثمان الأحادية التي لم تكن موضوع فحص وفق ما ينص عليه القانون، وأن ما تم اعتماده من قبل الضابطة القضائية هو إستنتاجات بنيت على دراسة وتقرير المفتشية،لافتا إلى أن دورها، بحسب القانون، يقتصر على تلقي التصريحات والمعاينة دون استنتاج أو زيادة، وسلطتها التقديرية مقيدة بنصوص قانونية واضحة.
وأشار الدفاع إلى أن قاضي التحقيق بدوره اعتمد على تقرير المفتشية في مناقشة الإخلالات الواردة في أمر الإحالة، خاصة بين الصفحات 373 و383، مبرزاً وجود فرق شاسع بين الأثمان التي تم اعتمادها في الصفقة دون فحص، وبين عدم إنجاز بعض الأشغال موضوع الصفقة، وهو ما اعتُبر سبباً لإلحاق ضرر بالمال العام وتكييفه كصورة من صور المشاركة في التبديد.
وتوقف الدفاع عند الإطار القانوني للصفقات العمومية، معتبراً أن قانون الصفقات “قانون حركي” تتغير مقتضياته، وأنه مرتبط بالاستثمار ورجال الأعمال ورأس المال، موضحا أن الصفقة الإطار تكون فيها الإدارة عاجزة عن تحديد الحد الأدنى والأقصى، وتكون قابلة للتجديد، بينما الصفقة المخصصة تُمنح في انتظار إصدار الاعتماد، وتكون الأثمان فيها إما إجمالية أو أحادية، في إشارة للصفقة موضوع الملف والتي تتعلق بأثمان أحادية بثمن قار، لا يمكن تصور خضوعه للتغيير، لكونها صفقة أشغال مخصصة.
وانتقد الدفاع اعتماد قاضي التحقيق لهذه الإخلالات كصورة من صور المشاركة دون استحضار هذه المقتضيات، مشيراً إلى أن الأثمان الأحادية التي تحدث عنها قاضي التحقيق كانت موضوع أسئلة وُجهت إلى مبديع، من بينها ما إذا كان يطلب للمقاولة أي استشارة في فحص الأثمان أو دور في إعداد الأماكن موضوع الأشغال، وهو ما أجاب عنه بالنفي، معتبراً أن إثارة هذا الأمر يدخل في باب “التزيد”، مادامت الجهة القانونية المختصة بفحص الأثمان هي لجنة فتح الأظرفة حصراً.
وتساءل الدفاع عما إذا كانت عملية الافتحاص قد تمت وفق ما ينص عليه القانون، مؤكداً أنها تمت فعلاً، ليخلص إلى التساؤل عن مبرر توجيه الاتهام من الأساس، مستحضرا في هذا السياق تصريحات مبديع أمام الضابطة القضائية بتاريخ 12 شتنبر 2022، حيث قدم، بحسب الدفاع، توضيحات مفصلة، مع العلم أنه توصل بجميع الوثائق المتعلقة بالصفقات وسلمت له بمحضر رسمي.
وأوضح الدفاع أن مبديع أكد وجود فرق شاسع في الأثمان التي لم يتم فحصها كما ينبغي، مشيراً إلى أن لجنة فتح الأظرفة قبلت عرض شركة “أفير” مع احترام تام للقانون، واقتنعت به دون أي اعتراض أو تحفظ.
ولفت الدفاع إلى محاضر الاستماع لأعضاء لجنة فتح الأظرفة، الذين أكدوا، بحسبه، أنهم خضعوا للاستماع بخصوص جميع الصفقات باستثناء الصفقة 8/2016، وأنهم نفوا تعرضهم لأي ضغط، مؤكدين أنهم مارسوا اختصاصاتهم بتلقائية واستقلالية تامة.
وفي ما يتعلق بما أُثير حول رفع الكميات الأحادية، أشار الدفاع إلى أن قاضي التحقيق تحدث عن ارتفاع وتغيير في هذه الكميات، مستحضراً مقتضيات المادة 188 من قانون المسطرة الجنائية، التي تنظم العلاقة بين المقاول وصاحب المشروع، حيث شرح أن صاحب المشروع قد يتفق مع المقاول على إنجاز أشغال بمساحة 400 متر، ثم يتم لاحقاً توسيعها إلى 800 متر، متسائلاً عن كيفية التعامل القانوني مع مثل هذه الحالات.
وأكد الدفاع وجود فرق واضح بين الزيادة في حجم الأشغال وبين الأثمان الأحادية، مشدداً على ضرورة استحضار القواعد القانونية المنظمة لهذه الوضعيات، حيث ينص المشرع على أنه إذا تجاوزت التغييرات نسبة 25 في المائة مقارنة بالكميات المدرجة، يحق للمقاول المطالبة بتعويض عن الضرر الناتج عن هذه التغييرات.
وفي ختام مرافعته، التمس الدفاع الحكم بالبراءة التامة لموكله من جميع التهم الموجهة إليه، معتبراً أن المتابعة تفتقر إلى الأساس القانوني السليم.



































