اخبار المغرب
موقع كل يوم -جريدة الأخبار
نشر بتاريخ: ١٢ أيلول ٢٠٢٤
تونس | بينما يترقّب التونسيون ما ستفضي إليه الحملة الانتخابية من وعود تُقدَّم لهم عنواناً للمرحلة المقبلة، لا تزال السلطة في تونس تمضي في ترتيب بيتها الداخلي من خلال إقالة وتعيين أذرع جديدة لها، قبيل أسابيع من انتخابات الرئاسة المُزمع عقدها في السادس من تشرين الأول القادم. وبعد تدشين الحكومة الجديدة، الشهر الماضي، أتى دور الولاة (المحافظين)، لتنطلق الحملة الانتخابية بتشكيلة جديدة، شملت أربعة وعشرين محافظاً أعلنت الرئاسة تعيينهم، لقيادة جميع محافظات البلاد من دون استثناء. على أن هذه الحركة شكّلت صدمة كبيرة لبعض المحافظين، ولا سيما لأولئك الذين لم يتردّدوا على امتداد مدة تعيينهم في إظهار الولاء الكامل للرئيس، قيس سعيد، ليستعيدوا بذلك فجاجة الممارسات التي كانت محت البلاد ذكرها مع سقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي، إذ كنس سعيّد جميع هؤلاء، من دون أن يأبه لِما بذلوه من مجهود في الدعاية التي صبّت في صالح مشروعه، وحوّلته إلى «ذات مقدسة» في الشارع التونسي، فضلاً عن ترويج هؤلاء لإنجازات لا أثر لها على أرض الواقع. وكانت عدّة منظمات حقوقية عبّرت عن استهجانها، في مناسبات متكررة، إزاء تولّي المحافظين مَهمّة «تصيّد» الموظفين وحتى المواطنين من ذوي المواقف المناهضة للرئيس، وإحالتهم إلى القضاء أو التضييق عليهم من خلال العقوبات الإدارية. ويرى مراقبون أن حركة إعفاء الولاة عشية الانتخابات، تثير أكثر من ملاحظة حول المأزق الذي يراوح فيه النظام الحالي قبيل محطة مهمة، لافتين إلى أنها تأتي في سياق تقديم قرابين فداء للمواطنين الغاضبين على احتدام الأزمة المعيشية، من خلال تحميل هؤلاء مسؤولية غياب التنمية وعدم تنفيذ أي من وعود التحسن الاقتصادي، والتي قُدّمت بعد تنفيذ إجراءات 25 تموز 2021. ويشير المراقبون إلى أن بعض الأسماء التي أعفيت من مهامها، رافقت سعيد مذ كان يروّج لمشروعه في عام 2014، أي حتى قبل أن يرشّح هو نفسه كرئيس للبلاد، كما أنها شاركت في صياغة ذلك المشروع، الذي سرعان ما ظهرت عيوبه على الأرض، إذ إن خطة الرئيس، التي قامت على أن الشركات الأهلية - التي يؤسسها أفراد من منطقة معينة للاستثمار في قطاع معيّن في شراكة مع الدولة لتعود أرباحها لتنمية المنطقة -، ستكون قاطرة للاقتصاد وللتنمية وستزيل الفوارق بين الجهات الداخلية الفقيرة والساحل والمدن الكبرى «الغنية»، لم تقدّم أي مساهمة في الاقتصاد، بعد سنتين من تطبيقها، بل صارت عبئاً على موازنة البلاد، بعد كل ما صُرف لتنفيذها.
وبحسب قراءات المحللين، يبدو نظام الرئيس فريداً من نوعه؛ إذ إنه باستثناء سعيد، لا وجود لشخص لا يمكن الاستغناء عنه مهما كانت مهمته أو وظيفته، ولا وجود لأي اعتبارات تراعي عدم تقديم أي اسم ككبش فداء يخفّف الاحتقان الشعبي. كما يعتبر المحلّلون أن الاستغناء عن المحافظين شهراً قبل الانتخابات، يجعل من جميع الفرضيات «منطقية»، وخصوصاً «تلك التي تقول بأن «الفوز بعهدة ثانية مضمون تماماً بأي شكل من الأشكال، وبما لا يجعل الاستغناء عن 24 محافظاً حركة مربكة للنظام قبل الانتخابات». وأبعد من ذلك، يرى هؤلاء أن عملية الإعفاء جاءت أيضاً في صميم السياق الانتخابي، «بعد أن بدأت الكواليس تؤشّر إلى وجود خيانات في صفوف المحافظين، علماً أن من بينهم من رفض تمكين أنصار الرئيس من مرافق حكومية لبدء الحملة، ومنهم من رفض انتهاج مسار انتقامي إزاء معارضيه من الموظفين، ومنهم من يرى أنه لا مجال لأن يواصل سعيد إطباقه على رأس الدولة وانطلق في البحث عن قارب نجاة لدى المرشحين».
أما المرشحان المنافسان للرئيس، فيشكّلان معضلة أخرى للنظام الذي يتعامل معهما بما احترفه خلال السنوات الأخيرة، وهو الملاحقات القضائية والتضييق الأمني. وبلغت هذه الملاحقات ذروتها مع المترشح العياشي الزمال، الذي تنقّل خلال أسبوع بين أكثر من ثكنة، ومركز احتفاظ وسجن، فيما أعلنت إدارة حملته الانتخابية أنه يواجه محاكمات في خمس محافظات، وهي قابلة للزيادة، وأنه «كلما أفرجت عنه محكمة تولت القوات الأمنية اعتقاله ونقله إلى سجن آخر من أجل انتظار المحاكمة التي تليها». وأدّى تغييب المترشح المذكور إلى صعوبة تحديد مكانه واستحالة تفويضه لفريق حملته باستكمال إجراءات الحملة الانتخابية والدعاية له، الأمر الذي قلّص من حظوظه بشكل ملحوظ.
وعلى خط موازٍ، دُعِي المترشح زهير المغزاوي إلى التحقيق على خلفية تصريحات أدلى بها أخيراً، وانتقد فيها أداء «الهيئة العليا للانتخابات»، علماً أن الأخيرة نفت تقديمها شكوى لدى القضاء ضده. على أن المغزاوي عاود ليحجم عن التصريحات منذ فترة، معلّلاً الأمر بأنه من «غير المنصف» أن يقوم بحملته بينما الزمال معتقل، الأمر الذي أفسح الفضاء العام لسعيّد وحده، وسط تقلّص هامش الحوار وغياب الحوارات السياسية بشكل شبه كلي في وسائل الإعلام، حول المرشحين وبرامجهم وأدائهم. وإلى جانب ذلك، كان لافتاً تضاؤل دور «الاتحاد العام التونسي للشغل»، الذي كانت السلطة نجحت في تفجير أزمة داخلية صلبة بين قياداته وقواعده، طفت على السطح، في الأيام الماضية، عبر دعوات إلى الانشقاق، فيما من المُرتقب أن تحمل الأسابيع المقبلة احتداماً لأزمته وتحديدَ مصير قياداته.