اخبار ليبيا
موقع كل يوم -بوابة أفريقيا الإخبارية
نشر بتاريخ: ٨ أذار ٢٠٢١
بوداود عمير: هناك بعض الأعمال الأدبية تبدو مرتبطة 'بالذاكرة'، تتضمن شهادات إنسانية مؤثرة، تشرح التاريخ في بعده الأخلاقي والإنساني، من عمق الواقع.
'أبي، ذلك القاتل': كتاب صدر حديثا في فرنسا، يمكن تصنيفه ضمن أدب الاعتراف، للكاتب والإعلامي الفرنسي ثييري كروزي؛ يتناول فيها قصة حياة أبيه، خاصة الفترة التي التحق فيها جنديا ضمن صفوف الجيش الاستعماري الفرنسي، سنة 1956، أين قتل وعذب وارتكب جرائم شنيعة في حق الأبرياء من الشعب الجزائري. في الواقع حاول ثييري الابن أن يكشف سرّ هذا العنف الذي رافق والده إلى غاية رحيله قبل سنوات، كان أبوه عصبيا شديد العنف لحد الهوس، وقد همّ أكثر من مرة أن يقتله ويقتل أمه التي عاشت مرعوبة في كنفه، حاولت عبثا الطلاق منه، لكنه كان يهددها بسلاحه الموجود في غرفته.
هكذا حوّل حياتهم العائلية إلى جحيم لا يطاق، وكان الابن يضطر للهروب من المنزل واللجوء إلى أقاربه أو الشارع. امتهن أبوه بعد عودته من الحرب، ممارسة الصيد العشوائي، وكأنه أراد أن يشبع رغبته الجامحة في القتل، وكان من حين لآخر يختلي بنفسه ويكتب مذكراته. وعند وفاته، بحث ثييري في مخطوطات وصوّر ووثائق تركها، سمحت له فيما يبدو بكشف خيوط اللغز، لغز هذا العنف المستشري في سلوك أبيه القاتل، الذي سيتبرّأ منه في الكتاب، وسيسميه جيم'Jim'اسمه الحربي في الجزائر.
يقول ثييري: 'كنت شديد الخوف من أبي، أعرف أنه ارتكب جرائم قتل خلال حرب الجزائر، وكنت واثقا أنه يمكنه أن يكرر ذلك من جديد'. ثم يضيف: 'لقد احتفظت بعادة حماية نفسي بكرسي أسنده على باب غرفتي، كلما بقيت في منزل والدي. كان هاجس الخوف من 'جيم' (الأب) يلاحقني طيلة دراستي، وحتى عندما أصبحت صحافيا، وأعود من باريس لقضاء العطلة... قناعته الراسخة أنه كلما كانت هناك مشاكل في العالم، يعتقد أن العنف وحده السبيل إلى حلها، بالنسبة إليه ارتكاب مجزرة حل جذري، وسيلة سهلة، علمها إياه العسكر الفرنسي. عندما كان يقول لنا غاضبا: 'إذا كان الأمر كذلك، سأقتلكم جميعا' كنت أحمل كلامه محمل الجد'.'أبي، ذلك القاتل' كتاب يستحق الترجمة إلى اللغة العربية، ويستحق إعادة طبعه في الجزائر