اخبار المغرب
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٣ نيسان ٢٠٢٥
تهدف البلاد لإنتاج 3 ملايين طن من الوقود النظيف سنوياً بحلول 2030
عمل المغرب منذ عقود على تخفيف اعتماده على مصادر الطاقة الأحفورية، عبر إطلاق مشاريع الطاقة الشمسية والريحية، إذ يسعى إلى جعل الطاقات المتجددة تشكل نسبة 52 في المئة من إجمال حاجاته الطاقية في أفق عام 2030، ومع بروز الهيدروجين الأخضر الذي يعد 'وقود المستقبل'، تسعى البلاد إلى اكتساب موطئ قدم في مجال صناعة تلك الطاقة الخضراء، إلا أن مجموعة من التحديات، على رأسها ارتفاع كلفة الإنتاج، تحدد مستقبل إنتاج الهيدروجين الأخضر بالمغرب.
ما الهيدروجين الأخضر؟
يعرف المتخصص المغربي في الطاقات المتجددة، عبدالعالي الطاهري، الهيدروجين بكونه أبسط وأصغر عنصر في الجدول الدوري، وبغض النظر عن كيفية إنتاجه، فإنه ينتهي بنفس الجزيء الخالي من الكربون، ومع ذلك فإن مسارات إنتاجه متنوعة للغاية، وكذلك انبعاثات غازات الاحتباس الحراري مثل ثاني أكسيد الكربون (CO2) والميثان (CH4)، مضيفاً أن الهيدروجين الأخضر ينتج عند فصل المياه من طريق التحليل الكهربائي، وهو ما يستلزم تمرير تيار كهربائي، وبذلك تنفصل جزيئات المياه إلى هيدروجين وأوكسجين، وبهذه الطريقة، يمكن استخراج الهيدروجين من المياه، كما ينطلق الأوكسجين في الهواء.
ويعرف الهيدروجين الأخضر بأنه ينتج من طريق تقسيم الماء إلى هيدروجين وأوكسجين باستخدام الكهرباء المتجددة، وهو مسار مختلف مقارنة بكل من الهيدروجين الرمادي والأزرق.
المؤهلات
يجمع محللون على كون البلاد تحظى بإمكانات مهمة تجعلها من بين أهم الدول المحتملة في ريادة صناعة الهيدروجين الأخضر، يوضح أمين سامي، المتخصص المغربي في مجال التخطيط الاستراتيجي، أن الهيدروجين الأخضر يعد أحد البدائل الواعدة لتحقيق التحول الطاقي في العالم بأسره، وقد بات يعرف عالمياً بـ'نفط الغد' لما له من إمكانات كبيرة في تأمين استقلالية الطاقة وتقليل انبعاثات الكربون، ومن خلال هذا السياق، يراهن المغرب على هذه التكنولوجيا كمكون رئيس في استراتيجيته الطاقية، إذ يسعى إلى تعزيز موقعه كمصدر عالمي للهيدروجين الأخضر ومشتقاته (مثل الأمونيا الخضراء والميثانول الأخضر)، مشيراً إلى أنه في ظل الطلب المتزايد على هذه الموارد، بخاصة من أوروبا، فالمغرب يمتلك مجموعة من العوامل التنافسية التي تجعله مؤهلاً ليكون ضمن قائمة المنتجين الرائدين للهيدروجين الأخضر على مستوى العالم، إذ يتمتع بإمكانات ضخمة في مجال الطاقات المتجددة، إذ تصل القدرة المحتملة للطاقة الشمسية إلى 1000 غيغاواط، ولطاقة الرياح إلى 300 غيغاواط، تمثل الطاقة المتجددة حالياً نحو 45 في المئة من إجمال القدرة الكهربائية، ومن المخطط رفعها إلى 52 في المئة بحلول 2030، ومن ثم فهذه الموارد تعد ضرورية جداً لإنتاج الهيدروجين الأخضر بكفاءة عالية، بخاصة أن كلفة الكهرباء تمثل الحصة الكبرى من كلفة الإنتاج، من ناحية أخرى يتمتع المغرب بموقع جغرافي مثالي يربطه مباشرة بأوروبا، التي تعد أكبر سوق ناشئة للهيدروجين الأخضر، وفي المقابل تتوفر البلاد المغربية على بنية تحتية متطورة تشمل موانئ استراتيجية (ميناء طنجة المتوسط، ميناء الناظور غرب المتوسط، وميناء الداخلة الأطلسي قيد التطوير)، إضافة إلى خطوط ربط كهربائي مع أوروبا، مما يعزز من قدرة البلاد على تصدير الهيدروجين الأخضر ومشتقاته مثل الأمونيا الخضراء.
من جانبه يوضح المتخصص المغربي في مجال الطاقات المتجددة، عبدالعالي الطاهري، أن قطاع الهيدروجين بات يحظى بجاذبية كبرى، وذلك في سياق أزمة المناخ العالمية، إلى ذلك يزخر المغرب بمؤهلات كبيرة تساعد على إنتاج الهيدروجين الأخضر، ويعد من الدول الرائدة في هذا المجال بحسب دراسات وتقارير لوكالات عالمية متخصصة وجامعات دولية، كما يتمتع المغرب بموارد طبيعية غنية من الطاقة المتجددة مثل الشمس والرياح، مما يجعله موقعاً مثالياً لتوليد الكهرباء المتجددة التي يمكن استخدامها في إنتاج الهيدروجين الأخضر، إضافة إلى 3500 كيلومتر من الشواطئ البحرية، التي تعد مصدراً مهماً للماء الضروري لإنتاج الهيدروجين بعد تحليته.
ويضيف أن ريادة المغرب تتمثل أيضاً، إضافة إلى المؤهلات سالفة الذكر، في الأشواط الملموسة التي قطعتها البلاد في هذا المجال، لكونه أول بلد في منطقة أفريقيا والشرق الأوسط يصدر خريطة طريق للهيدروجين الأخضر (2021) نتيجة دراسات أولية أطلقت منذ 2018، كما جرى إنشاء 'تكتل الهيدروجين الأخضر بالمغرب'، وهو مبادرة وطنية تجمع قطاعات حكومية ومؤسسات عمومية وشركات بخاصة وجامعات، تهدف إلى تعزيز استخدام الهيدروجين كمصدر للطاقة النظيفة والمستدامة، مشيراً إلى أن التكتل يعمل كذلك على تعزيز البحث والتطوير والابتكار في مجال تكنولوجيا الهيدروجين، بما في ذلك إنتاج الهيدروجين الأخضر والهيدروجين من الطاقة الشمسية والرياح والموارد الحيوية، ويهدف إلى تعزيز الاستخدامات المتعددة للهيدروجين، مثل قطاع النقل والطاقة الكهربائية والصناعات الكيماوية، ويهدف أيضاً إلى تعزيز التعاون والشراكات بين القطاعين العام والخاص والمؤسسات الأكاديمية والبحثية.
التحديات
يهدف المغرب لإنتاج 3 ملايين طن من الهيدروجين الأخضر سنوياً بحلول 2030، أي ما يعادل أربعة في المئة من الإنتاج العالمي المتوقع، لكن تلك الخطة الحكومية تعترضها إكراهات يجملها المتخصص أمين سامي في ثلاثة تحديات، الأول بشمل الجانب التقني والاستثماري، باعتبار أن الإنتاج بكميات ضخمة يتطلب استثمارات كبيرة جداً، في البنية التحتية والتكنولوجيا وإنتاج الطاقة المتجددة، لذا فالمغرب يعول على الشراكات الدولية لجذب التمويل.
ويضيف 'لكن في المقابل يجب التسريع في تنفيذ المشاريع لكي لا تكون عرضة للتأخير بسبب التحديات اللوجيستية والقانونية، والثاني على مستوى مدى تطور السوق العالمية للهيدروجين، لكون الطلب العالمي على الهيدروجين الأخضر ما زال في مراحله الأولى، في وقت وضعت فيه الدول الأوروبية أهدافاً طموحة لاستهلاك الهيدروجين بحلول 2030، بالتالي يجب على المغرب تعزيز القدرة التنافسية للهيدروجين الأخضر مقارنة بالوقود التقليدي، ويشمل التحدي الثالث مجال المنافسة الدولية على سوق الهيدروجين الذي قد تؤثر في حصة المغرب من السوق، لكون دول مثل أستراليا وتشيلي والسعودية تطمح أيضاً لأن تكون مزودين رئيسين، مما قد يضغط على الأسعار ويزيد من حدة التحديات التنافسية'.
وتعمل البلاد على تسريع وتيرة المشاريع، بخاصة عبر شراكات مع الاتحاد الأوروبي وألمانيا وهولندا، وهو ما يجعل المغرب قادر على تحقيق نسبة أربعة في المئة من الإنتاج العالمي، ومن ثم العمل على بناء سلسلة إمداد متكاملة ونظام نقل وتخزين فعال وتنافسية في الأسعار، على حد تعبير المتحدث.
ارتفاع الكلفة
على رغم تلك الإمكانات المهمة فإن مراقبين يشككون في إمكان نهوض صناعة الهيدروجين الأخضر بالنظر إلى عديد من المعيقات على رأسها ارتفاع الكلفة، لكن يخفف الطاهري من تلك المخاوف، مشيراً إلى نتائج دراسة أجراها باحثون في مركز الطاقة الخضراء (Green Energy Park – GEP)، المنبثق من شراكة بين معهد البحث في الطاقة الشمسية والطاقات الجديدة وجامعة محمد السادس المتعددة التخصصات التقنية بمدينة بنجرير، التي حددت المواقع الجغرافية الأكثر فاعلية لإنتاج الهيدروجين الأخضر من ناحية كلفة الإنتاج، مضيفاً أن الدراسة توكد أن نحو 7.26 في المئة من مساحة المغرب تعد 'مثالية' من ناحية الكفاءة والكلفة لإقامة مشروعات الهيدروجين الأخضر. ويوضح المتخصص المغربي أنه بالنسبة إلى كلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر في المغرب، فقد راوحت في هذه المناطق ما بين نحو 1.994 و2.822 دولار للكيلوغرام الواحد، وذلك باختلاف السيناريوهات المدروسة وكلفة البنى التحتية الإضافية، وأظهرت السيناريوهات التي تنطوي على مد خطوط أنابيب جديدة أو تحسين خطوط نقل الطاقة أن جهات الشرق إلى جانب كلميم-واد نون، تعد وجهات واعدة لتطوير مشروعات الهيدروجين الأخضر على المدى البعيد، على رغم ارتفاع طفيف في الكلفة.
وتابع بقوله 'على رغم النتائج الإيجابية، أشارت الدراسة إلى ضرورة إدماج نماذج أكثر دقة لكفاءة وحدات التحليل الكهربائي، فضلاً عن احتساب كلفة تحلية المياه بصورة أكثر تفصيلاً، بخاصة في ظل ندرة الموارد المائية، ومع معالجة هذه العوامل مستقبلاً، قد تتحسن دقة التوقعات وتصبح كلفة إنتاج الهيدروجين في المغرب أكثر تنافساً'.
صناعة سيارات الهيدروجين
ينتج المغرب 700 ألف سيارة في العام، ويأمل في إطلاق صناعة السيارات الهيدروجينية، إذ قدم عام 2023 نموذجين لسيارتين تعملان على الهيدروجين من إنتاج مغربي، الأولى من إنتاج شركة 'نيو موتورز'، والثانية من تصنيع شركة 'نامكس'، يضيف الطاهري، موضحاً أن السيارتين وإن لم تدخلا بعد مرحلة التسويق للعموم، إلا أن شركة 'نيو موتورز' أنشأت وحدها وحدة صناعية في عين عودة جنوب الرباط لتصنيع سيارات موجهة إلى السوق المحلية والتصدير، باستثمار ناهز 15.38 مليون دولار وبقدرة إنتاجية تبلغ 27 ألف وحدة في السنة، مشيراً إلى أن هذه الخطوة تأتي لتعزيز علامة 'صنع في المغرب'، ودعم مكانة البلاد لتكون منصة تنافسية لإنتاج السيارات الخضراء أو الصديقة للبيئة.
اختارت الحكومة المغربية خمس شركات وطنية ودولية رائدة في مجال صناعة الهيدروجين، لإنجاز ستة مشاريع في الجهات الثلاث للأقاليم الجنوبية للبلاد، وهي كل من تحالف المستثمرين 'ORNX' المكون من شركات 'أورتوس' الأميركية، و'أكسيونا' الإسبانية، و'نورديكس' الألمانية، التي ستستثمر في إنتاج الأمونياك، إضافة إلى تحالف للمستثمرين يتكون من شركتي 'طاقة' الإماراتية، و'سيبسا' الإسبانية، لإنتاج مادتي الأمونياك والوقود الاصطناعي، وشركة 'ناريفا' المغربية التي ستنتج الأمونياك والوقود الاصطناعي والفولاذ الأخضر، فيما ستستثمر شركة 'أكوا باور' السعودية، في إنتاج الأمونياك، وهي المادة نفسها التي يعتزم تحالف استثماري آخر يضم شركتين صينيتين وهما' UEG' و'تشاينا ثري غورجيز' إنتاجها.