لا ادري لماذا مع بداية الإعلان عن مسلسلات شهر رمضان في كل عام وتحديدًا في هذا العام 2025، أترحم علي كافة أدبائنا الرواد أحياءً وأمواتًا في تفوقهم ليس فقط في ترك إرث سردي عظيم من الأعمال الروائية سواء تم تحويلها إلى أعمال فنية أولًا في المسلسلات الإذاعية عبر الراديو، ثم الأفلام عبر السينما، أو إلى المسلسلات عبر التليفزيون فيما بعد، وربما عبر البعض منها إلى المنصات الرقمية أيضا.

ولعلي أخص من كل هؤلاء الأدباء على وجه التحديد لا الحصر كل من إحسان عبد القدوس من رأس قائمة رواد قد تطول لتشمل كل من طه حسين وتوفيق الحكيم ويوسف السباعي ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وغيرهم كثر وكثر.

وأقف متأملًا أمام تميز إحسان عبد القدوس دون غيره ربما لأنه من أكثر الروائيين الذين تحولت معظم أعمالهم الأدبية إلى كل من الإذاعة والسينما والتليفزيون وكذلك المسرح أيضا.

لدى إحسان عبد القدوس أكثر من 600 رواية وقصة تحول أكثر من 150 منها أي ما نسبته 25% تقريبًا من أعماله إلى أعمال فنية في الإذاعة والسينما والتليفزيون وحتي المسرح، وكذلك عدد من المسرحيات قد تربو إلأى 10 روايات على الأقل.

ولسنا هنا بصد رصد او تدقيق او توثيق كافة الاعمال الادبية والفنية لاحسان عبد القدوس ولكن نركز لاختياراته المتميزة لعناوين رواياته وقصص اعمال الفنية .. تلك العناوين المحفزة ولا اقول المستفزة للاطلاع والقراءة والمتابعة والتألق والتذكر وبالطبع الي المشاهدة والاستمتاع الي الابد وقبل اي تقديم او برومو او تسويق او تشويق .. لقد تميز انتاج احسان عبدالقدوس الادبي والفني بعناوين تميزت إلى يومنا هذا بكل تألق مثل 'لا تطفئ الشمس' و'امبراطورية ميم' وغيرها الكثير.

وما ان تطالع عناوين الأعمال الفنية المقدمة هذا العام كلما تزداد دهشة أو صدمة من عناوين الاعمال الفنية عمومًا .. وربما تمثل الأعمال الفنية المصرية والتي تشكل عادة من 50 إلى 60% من الأعمال المقدمة سنويا قد تعاني الكثير من هذا الامر على عكس المسلسلات العربية الأخرى خصوصًا السورية والخليجية .. وأخص في هذا المقال على وجه التحديد المسلسلات المصرية في رمضان 2025، وهي اكثر رواجًا ليس فقط في رمضان ولكن طوال العام.

وتبدو أغلب عناوين المسلسلات المصرية لهذا العام غير محفزة على المشاهدة بل قد تدفعك إلى حد الاستفزاز بعدم التحمس حتى للاهتمام بالمشاهدة ابتداءً بالتالي المتابعة، وكأن العنوان آخر هم صناع العمل من المنتجين وغيرها .. علي عكس ما يحث عليه المثل الشعبي الدارج 'الجواب يبان من عنوانه' أو بالأحرى المسلسل يشاهد من عنوانه أولا .. طبعًا مع كامل الاحترام لمضمون وشكل العمل وكافة العناصر الفنية المشاركة فيه .. ربما شأن عنوان العمل لا يختلف كثيرا عن نهاية المسلسل والتي قد تأتي غالبًا فجاءة كآخر هم المخرجين خصوصًا في رمضان الذي يأتي في كل عام وكأنه يأتي ايضا فجاءة رغم أن موعده ثابت يتكرر في كل عام وبعد 11 شهرا هجريًا او يزيد قليلا ميلاديًا بعد حسم الرؤية في 24 ساعة او يزيد قليلا حسابيًا وفلكيًا.

وبالعودة لعناوين المسلسلات المصرية في رمضان لهذا العام وبعد استثناء المسلسلات المتكررة الاجزاء والعناوين منذ العام الماضي خصوصًا الناجح منها مثل: 'أشغال شقة'، و'العتاولة'، و'جودر'، و'كامل العدد' في أجزائها الثانية، وإن كان 'أشغال شقة' بذكاء شديد اتخذ بعدًا جديدًا فقد أضاف كلمة واحدة وليس مجرد رقمًا كالمعتاد أو كالاخريين إيثارًا للسلامة واستثمارًا للنجاح السابق، ليصبح المسلسل المميز في هذا العام 'أشغال شقة جدًا' مؤكدا أن اي نجاح العنوان الأصلي وزيادة الجرعة المكثفة في المشقة او المتعة بشكل اضافي شيق ويليه في التميز 'كامل العدد ++' بإضافة علامة (+) مرتين وليس مجرد رقم كما يرد في اغلب الاحيان.

اما القسم الثاني من المسلسلات لهذا العام يحمل عناوين بكلمة واحدة فقط لأسماء اشخاص او ألقاب لشخصيات او حتي صفات او سمات لأشخاص تتعدد وكلها تصب في قصة الشجاع الاوحد او المخلص (سواء بفتح الميم او فتحها) مثل 'الكابتن' و'الغاوي' وغيره .. أو المرأة الضحية المنتقمة لظروف ما وفي النهاية تنتقم انتقام الجبابرة حتي ولو كان اسمها الدلع مثل 'إش إش' او المستتر وراء حرف الشين ايضا في شفاعات بمسلسل 'شباب امرأة' .. وعادة لا تتجاوز عناوين تلك المسلسلات ايضا كلمة واحدة وتجدر الاشارة هنا الى أهمية التشكيل أو التنوين للحروف بشكل وإن كان التشكيل قد يضعف الكلمة إلا أنه يؤكد المعني تفاديًا للأخطاء الفادح مثل واقعة الفيلم الشهير الذي اودي عدم تشكيل كلمة منه إلى معاني عكسية بل سيئة للغاية في النطق الخاطئ، وقد نلحظ في مسلسل مثل 'النص' ان التشكيل بالضمة يفرق كثير في عدم تحمل معاني اخرى متعددة اتمني.

اما القسم الثالث فعادة ما يتكون من كلمتين علي الأكثر وتكون الكلمة الثانية بمثابة الإفصاح عن صفة توضح الفكرة مثل 'فهد البطل' او 'سيد الناس' او 'حكيم باشا' او مجرد كلمتين فقط مثل 'لام شمسية' أو 'وتقابل حبيب' او 'قلبي ومفتاحه' المشتق من الاغنية الشهيرة علي سبيل المثال لا الحصر.

ولا يكفي هذا النوع من الأسماء بكلمتين فقط، ولكن يمكن أن يوضع تحت الاسم الأساسي عبارة توضيحية او سطر آخر يفسر فحوى الكلمة مثل مسلسل: 'الأميرة: ضل حيطة'.

ثم الجزء الرابع والأخير التي تحمل عنوانيها ثلاث كلمات او اكثر مثل: 'شهادة معاملة أطفال' ويبدو أن الإطالة والقصر تلعب دورا من الفنان محمد هنيدي وربما يتفائل بها مع نجاحه المميز في 'رمضان مبروك أبو العلمين حمودة' .. ومن المؤكد انه كلما زادت الكلمات اتضح الهدف كم من المسلسل أكثر أو على الاقل التوقع بما قد يحويه المسلسل وكأنه منشور إيضاحي او توضيحي وان للاختزال والاختصار جماله في اثراء المعاني والمضامين المحفزة علي مشاهدة العمل الفني أصلا.

ويبقي السؤال الدائم في الاعمال الفنية الشكل ام المضمون؟ في ثنائية بغيضة ويفترض الاثنين معًا في اي عمل فني ناجح .. كما ان من ابرز ملامح الناجح تكمن في المضمون الجيد المقدم في شكل اجود ولكن من خلال إبراز الإرهاصات او المقدمات الدالة على ذلك حتي قبل البرومو والمقدمات والحملات الاعلامية والاعلانية اللازمة للعمل الفني.

ويبقي العنوان للعمل الفني عادة وللأسف الاشد لا يهتم به إلا القليل وقبل الانتهاء من العمل في اغلب الاحيان، شأنه في ذلك شأن نهايات المسلسلات المفتعلة، والتي تأتي في اغلب المسلسلات العربية متأخرة حينما يكتشف صناع العمل انهم يحتاجون في الختام الي نهاية بعد شد وجذب وولت وعجن وإطالة لا داعي لها في الحلقات، ليقدموا في الحلقة الأخيرة انفراجات مفاجئة وحلولا مختلقة، لكل الأزمات بأشكال غير متوقعة او غير مقنعة او غير متسقة أصلا مع العنوان الرئيس للعمل وما ورد فيه.

وتبقي الاعمال ذات المضامين والأشكال والعناوين الخالدة طوال الأعوام والسنين وعناوينها المميزة من البداية أصلا، واذا كانت العبرة في نجاح الأعمال عمومًا بالخواتيم او النهايات فإن الأعمال الفنية العبرة فيها للبدايات اولا ودائمًا وتحث الخبرة الفنية للأعمال على تعظيم مقدمات للعمل ضمانًا لنجاحه ولعل من ابرز هذه المقدمات بل واهمها عنوان العمل في تقديمه النهائي للجمهور وكل عام وانتم بخير.