طه العاني - الخليج أونلاين

ما الذي تمثله مذكرة التفاهم بين 'دانة غاز' و'الشركة السورية للبترول'؟

خطوة عملية لإعادة تطوير الحقول السورية ورفع إنتاج الغاز.

ما أبرز ملامح التحرك السوري لاستقطاب الاستثمارات الإماراتية؟

توفير بيئة استثمارية آمنة وجاذبة للمستثمرين الخليجيين.

تتحرك الإمارات بخطوات عملية نحو استعادة التوازن في علاقاتها الاقتصادية مع سوريا، عبر توقيع مذكرة تفاهم جديدة بين شركة 'دانة غاز' الإماراتية و'الشركة السورية للبترول'، تمهيداً للاستثمار في مشاريع تطوير وتوسعة عدد من الحقول الاستراتيجية للغاز.

كما تُعدّ هذه الخطوة مؤشراً على مرحلة جديدة من الانفتاح الاقتصادي السوري، بعد قرار واشنطن تعليق العقوبات المفروضة على دمشق، ما فتح الباب أمام استئناف التعاون الإقليمي في مجال الطاقة.

انتعاش إنتاج الغاز

وفي خطوة تهدف إلى إعادة تنشيط قطاع الطاقة في سوريا، تسعى مذكرة التفاهم الجديدة إلى رفع إنتاج الغاز المحلي الذي تراجع من نحو 30 مليون متر مكعب يومياً قبل عام 2011 إلى ما يقارب 10 ملايين متر مكعب فقط حالياً، وهو مستوى لا يغطي سوى نصف احتياجات محطات توليد الكهرباء المقدّرة بـ18 مليون متر مكعب يومياً، وفق بيانات وزارة النفط.

كما تشمل المذكرة عدداً من الحقول الحيوية، أبرزها حقل 'أبو رباح' الذي يعد الأكبر بين الحقول المكتشفة في البلاد، وفق إفصاحات 'دانة غاز' في سوق أبوظبي للأوراق المالية في 12 نوفمبر 2025.

وتعتمد دمشق اليوم على الاستيراد لتلبية نحو 95% من احتياجاتها النفطية، حيث تدخل البلاد ما يزيد على 5 ملايين برميل شهرياً، أي أكثر من 160 ألف برميل يومياً، بعدما كانت تصدر 150 ألف برميل يومياً قبل 2011، ما يعكس حجم التراجع الحاد في الإنتاج المحلي وتأثيره المباشر على الاقتصاد الوطني وسوق العمل.

وبموجب المذكرة، ستتولى 'دانة غاز' إعداد تقييم فني شامل للحقول السورية تمهيداً لاقتراح خطة تطوير متكاملة لزيادة الإنتاج في حال نجاح التقييم والوصول إلى اتفاق نهائي.

وقال الرئيس التنفيذي للشركة، ريتشارد هول، إن الحقول المشمولة في المذكرة 'تمتلك القدرة على إحداث فرق حقيقي في إنتاج الغاز المحلي، وتعزيز أمن الطاقة، ودعم المجتمعات المحلية'.

وفي السياق نفسه، ناقش وزير الطاقة السوري، محمد البشير، مع وفد الشركة خلال اجتماعات سبتمبر الماضي تفاصيل إعادة تأهيل الحقول وخطط توسيع التعاون التقني والفني.

وفي هذا الصدد، يؤكد الخبير الاقتصادي، أدهم قضيماتي، أن قطاع الطاقة في سوريا حيوي لكنه مهمل، مشيراً إلى أن الثروات الباطنية يمكن أن تسهم في إعادة بناء الاقتصاد.

ويضيف لـ'الخليج أونلاين':

- الاستثمار في هذا القطاع مجدٍ اقتصادياً، والإمارات تمتلك خبرة واسعة تجعلها شريكاً محتملاً وفعّالاً في هذا المجال.

- قطاع الغاز يمكن أن يحول سوريا إلى مركز إقليمي لإمدادات الطاقة، والحكومة السورية الجديدة تتجه لتحديث القطاع ليصبح داعماً لبقية القطاعات، بعيداً عن الاقتصاد الريعي المعتمد على الموارد الباطنية فقط.

- العقوبات تعيق جذب الاستثمارات، إذ تحتاج الشركات العالمية إلى قنوات رسمية للتعامل، ما يجعل الاستثمار في بيئة مقيدة صعباً، ويعرّض المستثمرين لمخاطر قانونية.

- احتمالات ازدهار قطاع الطاقة السوري قائمة، مع وجود مخزون كبير من الغاز والنفط، شرط رفع العقوبات، وتسهيل التعامل المصرفي، وبناء شراكات نزيهة، وتحديث القوانين والمؤسسات لتعزيز التحول الاقتصادي.

انفراجة سياسية

يأتي توقيع مذكرة التفاهم في قطاع الغاز في لحظة سياسية واقتصادية لافتة، تتزامن مع قرار وزارة الخزانة الأمريكية تعليق العقوبات المفروضة على سوريا لمدة 180 يوماً بموجب قانون 'قيصر'، عقب زيارة الرئيس السوري، أحمد الشرع، إلى واشنطن ولقائه بالرئيس دونالد ترامب، حيث بحثا ملفات الطاقة والنفط والتعاون الاقتصادي.

وعقب اللقاء، أكد وزير الداخلية الأمريكي، دوغ بورغوم، أن الولايات المتحدة ترى 'فرصة حقيقية لتطوير موارد الطاقة السورية'، فيما أكد وزير الخزانة، سكوت بيسنت، أن بلاده بدأت نقاشات مباشرة مع القيادة السورية حول مشاريع مشتركة في قطاعي النفط والغاز.

كما رحب وزير الطاقة السوري، محمد البشير، بالخطوة الأمريكية، معتبراً أنها 'تفتح آفاقاً جديدة للتعاون الدولي'، مؤكداً التزام دمشق بحماية مصالحها الوطنية وتعزيز بيئة الاستثمار في قطاع الطاقة بما يخدم التنمية المستدامة.

وبالتوازي مع التحرك الأمريكي، تعمل الحكومة السورية على تفعيل مسار اقتصادي أوسع مع المستثمرين الإماراتيين، عبر إعداد آلية جديدة لتسهيل استكمال المشاريع المتعثرة وإعادة إطلاقها خلال الفترة المقبلة.

وكشف وزير الأشغال العامة والإسكان، مصطفى عبد الرزاق، في تصريح لوكالة 'سانا' الرسمية بتاريخ 11 نوفمبر 2025، أن 'هيئة الاستثمار السورية تجري مباحثات مع وفود إماراتية متخصصة لتهيئة بيئة استثمارية آمنة وجاذبة، تضمن تسريع إجراءات التراخيص وتقديم الضمانات اللازمة لاستقطاب رؤوس الأموال العربية للمشاركة في جهود الإعمار والتنمية'.

كما عبر عدد من كبار رجال الأعمال الإماراتيين، بينهم خلف الحبتور، عن استعدادهم للدخول في مشاريع طويلة الأجل تخلق فرص عمل، مشيرين إلى أن 'الدافع يتجاوز الجانب التجاري ليشمل أبعاداً إنسانية وتنموية'.

وقال الحبتور، وفق ما نقلته منصة 'إرم بزنس' الإماراتية، إن 'نجاح سوريا في تبني نموذج إداري منفتح وسريع القرار، على غرار تجربة دبي الاقتصادية، سيجعلها أكثر قدرة على جذب الاستثمارات وتعزيز مسار النمو المحلي'.

أبعاد استراتيجية

ويرى الباحث الاقتصادي نعيم اللومان أن 'الإمارات أرسلت رسالةً ودّية لسوريا عبر شركة (دانة غاز)، في خطوة تعبّر عن رغبتها في إعادة بناء جسور الثقة الاقتصادية مع دمشق وإعادة التموضع الإقليمي تجاهها'.

ويضيف اللومان لـ'الخليج أونلاين':

- هذه المبادرة ليست مجرد مشروع استثماري تقني، بل تحمل أبعاداً استراتيجية تتجاوز الجانب الطاقوي.

- مشروع الغاز المشترك ومذكرة التفاهم بين 'دانة غاز' والشركة السورية للبترول يمثلان نموذجاً أولياً لتقارب اقتصادي محتمل، يعزز الاستثمارات العربية بشكل عام والخليجية بشكل خاص، ويفتح الأبواب لمشاريع استثمارية أوسع في المستقبل.

- الاستثمار الإماراتي في قطاع حساس كالغاز والنفط يعكس انفتاح دمشق على الشراكات الاقتصادية مع دول كان بينها وبين سوريا فتور سياسي أو تنافر سابق، ما يمنح المشروع بعداً سياسياً مهماً يعزز الثقة المتبادلة.

- الأبعاد الاقتصادية لهذا المشروع واضحة، إذ يمكن أن يساهم في تعافي الحقول المتضررة ورفع الإنتاجية.

- هذا سينعكس إيجاباً على الاقتصاد السوري من خلال خفض أسعار المحروقات وتحسين الطاقة الكهربائية، وتعزيز الأرضية الإنتاجية والخدمات الأساسية للصناعيين والمواطنين.

- التعليق المؤقت للعقوبات الأمريكية على سوريا يشكل مؤشراً إيجابياً ولكنه لا يضمن توقيع استثمارات ضخمة، لذا تتحرك الاستثمارات بحذر وتستفيد من الفجوات القانونية التي تسمح بالمشاريع ذات الطابع الإنساني والتنموي.

- دمج سوريا بالاقتصاد الإقليمي أصبح أمراً حتمياً، خاصة مع الزخم المتنامي للقوى الاقتصادية الإقليمية والدولية تجاه الأسواق السورية.