اخبار السودان
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢ أيار ٢٠٢٥
انتشر فيها المجرمون الذين أطلقت 'الدعم السريع' سراحهم من السجون المركزية
تواجه معظم المدن السودانية، خصوصاً البعيدة من مناطق القتال الدائر منذ أكثر من عامين بين الجيش وقوات 'الدعم السريع'، تدهوراً أمنياً مريعاً، إذ تشهد ارتفاعاً ملاحظاً في معدلات الجريمة، مما شكل قلقاً ورعباً غير معهودين وسط المواطنين، بسبب بشاعة تلك الجرائم ووحشيتها وتصاعد وتيرتها، في ظل تناقص أعداد قوات الشرطة نظراً إلى نزوح غالبيتهم مع أسرهم إلى داخل البلاد وخارجها حفاظاً على أرواحهم.
ورصد ناشطون ومواطنون الأحداث الإجرامية المتصاعدة في تلك المدن خصوصاً الكبيرة مثل ود مدني وكسلا وعطبرة التي نزحت إليها أفواج كبيرة من سكان المناطق التي اندلع فيها القتال، مما تسبب بحالة من الانفلات الأمني غير المسبوق، وأثار حفيظة المواطنين وجعلهم يشتكون من غياب الأجهزة الأمنية وعدم ردعها للمجرمين الذين أصبحوا أكثر جرأة بممارسة إجرامهم في وضح النهار.
وكانت قوات 'الدعم السريع' اقتحمت عقب سيطرتها على مدن العاصمة في بداية الحرب، السجون المركزية وأفرجت عما لا يقل عن 10 آلاف سجين معظمهم من عتاة الإجرام المحكوم عليهم بأحكام رادعة تصل إلى حد الإعدام والسجن المؤبد، ففرت غالبيتهم صوب المدن الآمنة وبدأوا بممارسة جرائمهم في ظل توفر مسرح الجريمة.
قلق وذعر
يقول الناشط المجتمعي عادل خضر، وهو أحد سكان مدينة كسلا شرق البلاد، إن 'الجريمة انتشرت بصورة مريعة في مدينة كسلا، وهو أمر مقلق ومؤسف إذ كنا ننعم بالأمان منذ نشأتنا فيها لأكثر من نصف قرن، لكن بعد فترة من اندلاع الحرب ظللنا نسمع من وقت لآخر عن حوادث مؤسفة غالبيتها يتمثل في القتل المتعمد بواسطة السلاح الناري والأبيض بغرض النهب والسرقة ودائماً ما يكون منفذوها أشخاصاً ملثمين'. وأضاف خضر أن 'غالب الجرائم تجري عادة بواسطة جماعات مسلحة تركب دراجات بخارية وغرضها نهب الأموال والهواتف وخطف حقائب المارة من النساء، وتسببت في إراقة دماء المواطنين وإثارة مخاوفهم، سيما أن كسلا كانت بمنأى من أعمال العنف وإنتشار السلاح، إضافة إلى الخطف في مقابل دفع فدية في المناطق الشعبية، علاوة على الهجوم الذي جرى في وضح النهار خلال الأيام الماضية على إحدى محطات الوقود تحت تهديد السلاح ونهب الأموال التي كانت بحوزة العاملين فيها'.
وتابع 'إن تفشي الجريمة لم يعد مقتصراً على ولاية كسلا في ظل الأوضاع المأسوية، إنما شمل كل الولايات الآمنة باعتبارها ملاذاً لكل الفئات التي نزحت أثناء الحرب، فالآن كل المدن والقرى تشهد جرائم غريبة وبشعة وغالبية دوافعها السطو والمشاجرة وتكون نهايتها القتل بصورة وحشية لم يسبق أن اعتاد المجتمع حدوثها'.
ومضى الناشط المجتمعي قائلاً 'في الحقيقة إن حياة مواطني مدينة كسلا قبل أن يتدافع إليها النازحين هرباً من الحرب عند اندلاعها في الخرطوم كانت تسير بصورة طبيعية، إذ اعتادوا الذهاب إلى الأسواق والجلوس في المقاهي والمطاعم حتى منتصف الليل من دون مخاوف، لكن كثرة الحوادث جعلت الكل في حالة حذر بأن يلزم منزله قبل دخول الليل وعدم الخروج ليلاً إلا لأمر طارئ'.
تحذيرات أمنية
الهادي عبد اللطيف من سكان مدينة عطبرة قال 'للأسف الوضع الأمني في هذه المدينة تغير بصورة كبيرة ويتجه نحو الأسوأ، وهو ما جعل كثيراً من السكان يتجهون لوضع أسلاك شائكة فوق أسوار منازلهم لمنع تسلق اللصوص والسطو الذي وصل إلى حد القتل، وذلك بعد تحذيرات أطلقتها الشرطة بضرورة أخذ الحيطة والتدابير المختلفة، منها إغلاق الأبواب وعدم السير في الشوارع الفرعية المظلمة، إذ وقعت حوادث نهب كثيرة داخل الأحياء خصوصاً البعيدة من المناطق المزدحمة'. وأضاف 'في تقديري ان إرتفاع الجرائم في عطبرة أساسه هرب أصحاب السوابق من سجون العاصمة ومما لا يدع مجال للشك أنهم احتموا بالولايات الآمنة، ومن المؤسف أنه لم تمنعهم غريزتهم الإجرامية من الكف عن ارتكاب مزيد من الجرائم، فضلاً عن الذعر والرعب الذي أقلق السكان، خصوصاً أنه يوجد بينهم أشخاص محكوم عليهم بالإعدام، فالقتل عند هؤلاء المجرمين أمر عادي وسهل تنفيذه من أجل سرقة هاتف أو أي شيء بسيط'.
وأشار عبداللطيف إلى أنه لا بد من تكاتف الجهات العدلية في مقدمها وزارة الداخلية لبسط الأمن في المدن ومحاربة الظواهر السلبية التي تساعد في تفشي الجريمة، فضلاً عن استمرار الحملات والقبض على السجناء الهاربين وإعادتهم للسجون.
أساليب احترافية
من جهة أخرى أوضح حسن عبدالله أحد سكان مدينة ود مدني بأنه 'منذ استعادة الجيش المدينة من قبضة ’الدعم السريع‘ نهاية عام 2024، وهي تعاني حالة توتر أمني متزايد، إذ انتشرت حوادث النهب والسرقات بصورة ملاحظة، مما أجبر غالبية المواطنين الذين عادوا لمنازلهم على النزوح مجدداً، وبكل أسف أدت هذه الأوضاع إلى شعور عام بعدم الأمان، فالآن يواجه السكان تحديات كبيرة في تأمين ممتلكاتهم وحياتهم اليومية'. وبين أن 'عدداً من الأحياء السكنية تتعرض لهجمات من مسلحين، مما زاد من قلق السكان، فالمشكلة أن المجرمين يتبعون أساليب احترافية في عمليات النهب ولا يتوانون في عمليات القتل إذا واجهوا أدنى مقاومة، بالتالي اتجهت معظم الأحياء إلى تشكيل فرق أمنية من الشباب لتأمين حياة الأسر من هجمات المجرمين، لكن المؤسف أنه حدثت صدامات ومواجهات بالأسلحة النارية راح ضحيتها عدد مقدر من المواطنين خصوصاً الشباب، وبالتالي لجأ كل مواطن لتأمين منزله وحراسته من دون الحضور خارجه ليلاً'.
ومضى عبدالله يقول 'صحيح هناك جهود تقوم بها الجهات المختصة من أجل التصدي لهذه المشكلات، إذ قامت القوات الأمنية بتنفيذ حملات شاملة استهدفت أحياء وأسواق عدة في المدينة أسفرت عن مداهمة عدد من أوكار الجريمة، وبالفعل جرى ضبط مجرمين وأنشطة عدة غير قانونية ومهددة للأمن، لكن لا تزال الأوضاع الأمنية غير مستقرة بسبب الانتشار الواسع للجريمة'.
تحديات لوجستية
من جانبه أكد ضابط الشرطة المتقاعد الزبير عبدالواحد أن 'عدم مراقبة الشرطة منافذ الولايات أثناء الحرب أدى إلى دخول المجرمين المدن الأمنة بخاصة الذين هربوا من السجون المركزية في العاصمة، وهي أم درمان وكوبر والهدى وسوبا، حتى وصلت نسبة الجريمة إلى 47 في المئة بخلاف جرائم الحرب، علاوة على تفشي البطالة التي كان لها دور أيضاً في انتشار الجريمة'.
وأشار عبدالواحد إلى أنه يرى أن 'الشرطة في ولاية الخرطوم قادرة على قمع الجرائم واسترجاع المجرمين الهاربين، لكن ثمة تحديات لوجستية تواجههم سواء كانت متعلقة بالسجون أم البيئة القضائية المتمثلة في المحاكم والنيابات، إذ جرى تدميرها بصورة كبيرة خصوصاً السجلات والأرشيف، إذ إن إستعادة المجرمين تتطلب وجود ملفات الجريمة والسوابق الجنائية'.