اخبار السودان
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢٠ حزيران ٢٠٢٥
تأمين البيوت بأبواب حديدية أصبح من أولويات سكان الخرطوم بعد عودة النازحين
لا تزال الأوضاع الأمنية في السودان التي أفرزتها فوضى الحرب الدائرة بين الجيش وقوات 'الدعم السريع' أكثر من عامين تشكل هاجساً للمواطنين، بخاصة بعد تعرض منازلهم في مدن العاصمة الخرطوم لعمليات نهب وسرقة ممنهجة بواسطة المتفلتين من عناصر 'الدعم السريع'، وذلك بإقدامهم على كسر وانتزاع أبواب ونوافذ المنازل بصورة انتقامية.
وهجر أغلب سكان العاصمة مساكنهم قسراً وأصبحوا في حال نزوح داخل البلاد وخارجها، وعلى رغم استعادة الجيش مدنها الثلاث الخرطوم وأم درمان وبحري من قبضة 'الدعم السريع' نهاية مارس (آذار) الماضي وإعلان خلوها من تلك القوات، فإن كثيراً من السكان فضلوا البقاء في مكان نزوحهم، بسبب صعوبة التعايش مع الوضع المتأزم جراء انقطاع التيار الكهربائي مما أسهم في أزمة مياه قادت المواطنين إلى اللجوء إلى استخدام مصادر مهجورة وملوثة نتج منها انتشار الأمراض والأوبئة.
في المقابل يسيطر القلق على معظم نازحي العاصمة من ناحية أن منازلهم أصبحت مرتعاً للصوص الذين يتسللون إلى المنازل ويسرقون ما بداخلها من أغراض، مما جعل هناك حاجة ماسة إلى سد هذه الثغرات بتأمين الأبواب والمنافذ الخارجية للمنازل باللحام، وهو ما أنعش مهنة اللحام وأعاد الروح لها بعدما اختفت طوال أشهر الحرب بسبب النزوح ونهب معدات ومحتويات ورش الحدادة.
انتعاش وطلب
حسن مستور عامل حدادة بالخرطوم، قال 'مع اندلاع الحرب قبل أكثر من عامين توقف عملي تماماً بل إنني لم أتمكن من الذهاب إلى الورشة التي أتعامل معها لأخذ معدات الحدادة التي أمتلكها بعد أعوام طوال نظراً إلى كلفتها العالية، وبعد ثلاثة أشهر من الحرب اضطررت إلى النزوح مع أسرتي لأقصى شمال البلاد، حيث توجد أسرتي الكبيرة ومكان نشأتي، ولم يكن لي خيار غير العمل في مهن هامشية، وذلك بالذهاب إلى السوق وهو عبارة عن تجمع لمحال بيع السلع المختلفة، وكذلك اللحوم والخضراوات وأساعد الزبائن بتوصيل أغراضهم إلى خارج السوق أو إلى منازلهم مقابل مبالغ زهيدة، لكنها مع نهاية اليوم تساعدني في شراء حاجات أسرتي اليومية ولو بالقليل'.
وأضاف مستور 'مع إعلان الجيش استعادة الخرطوم عدت من جديد إلى منزلي على أمل أن أجد فرصة لممارسة نشاطي على رغم فقداني كل ما أملك من معدات للحدادة، لكن بعد أسبوعين من عودتي لاحظت حاجة معظم سكان المدينة الذين لم يعودوا إليها إلى اللحام حتى يضمنوا تأمين منازلهم المهجورة من السرقات لما تبقى منها، فتمكنت من استدانة مبلغ من المال بواسطة أحد أقاربي المغتربين بالخارج واشتريت معدات حدادة، والآن لا أجد وقتاً للراحة من كثرة الشغل، بخاصة أن هناك من دخل هذا المجال كاستثمار لزيادة الطلب عليه من قبل كل القطاعات، ناهيك بالأفراد، فضلاً عن المبادرات المجتمعية التي أطلقها بعض الشباب لمساعدة الفارين من الحرب وتركوا منازلهم خاوية ومهجورة، حيث يقومون بلحام الأبواب الخارجية حتى لا يعبث بها اللصوص'.
وأردف عامل الحدادة 'صحيح هناك تحديات تواجهنا بخاصة من جانب عدم توافر الكهرباء التي أصبحت شبه معدومة نظراً إلى الدمار الذي لحق بأغلب محطات التوليد الكهربائي التي استُهدفت بالمسيرات من قبل ’الدعم السريع‘، لكن لجأ كثر إلى حلول بديلة كالطاقة الشمسية ومن ثن تسير الأمور بصورة جيدة، ولم نتوقف إطلاقاً، بيد أن الكلفة زادت بسبب هذه المعوقات'.
بصيص أمل
فيما أوضح نور الدين الزين صاحب ورشة حدادة في أم درمان بأن 'الحرب اللعينة عطلت أعمالنا وتوقف مصدر رزقنا، وأصبحت المعاناة كبيرة في مناطق النزوح مع انعدام فرص العمل بعدما كنا نمتلك ورشاً في مدن العاصمة الصناعية، لكن الحاجة إلى تأمين المنازل المهجورة بعد تحرير الخرطوم بواسطة لحام الأبواب الخارجية للمنازل جعلت هناك بصيص أمل في استعادة نشاطنا من جديد'.
وواصل الزين 'من المؤسف أن محتويات ورش الحدادة تعرضت لأعمال سرقة ونهب شكلت خسائر فادحة للملاك من ماكينات لحام وأدوات برادة الحديد، لذا من الصعوبة شراؤها في ظل هذه الظروف الصعبة التي فقد فيها كل شخص ما يملك من مال، بخاصة أن هذه المعدات باهظة الثمن وأسعارها في تصاعد حتى الخردة منها'.
وأوضح المتحدث 'تمكنت قبل شهر من العودة إلى منزلي بأم درمان تاركاً أفراد أسرتي في منطقة نزوحهم بمدينة عطبرة في ولاية نهر النيل، خوفاً من العطش والأمراض المنتشرة في ظل تدهور الوضع الصحي وندرة الأدوية العلاجية، وذلك بعد تواصلي مع زملائي من أصحاب الورش الذين طالبوني بسرعة العودة لأن هناك طلباً كبيراً لأعمال اللحام، وبالفعل اشتريت بعض المعدات الضرورية بالتقسيط وباشرت مهنتي، إذ إن حجم الخراب والعبث بممتلكات المواطنين لا يوصف وظللت في حال حركة دائبة من منزل لآخر لتأمين الأبواب والنوافذ واستعادتها في مكانها المحدد، وأعتمد في عملي على المعارف وكذلك على منصات مواقع التواصل الاجتماعي فأصبح لدي زبائن كثر'.
وأشار الحداد إلى أن 'تفكيري في البداية كان ينصب في كيفية الحصول على المال، لكن ما رأيته بعيني أثار عاطفتي وجعلني لا أتمسك بالمبلغ تاركاً الأمر لصاحب المنزل، فمثلاً المصنعية المقررة لتأمين أبواب المنزل في حدود 120 ألف جنيه سوداني (ما يعادل 50 دولاراً)، إذ تحتاج إلى جهد كبير في صيانتها حتى ترجع لحالتها الأولى، لكن ما يصعب المهمة انقطاع التيار الكهربائي والاضطرار إلى الاستعانة بمولدات الكهرباء التي تشتغل بالوقود في حين أن البلاد تواجه أزمة خانقة في الوقود'.
تفاعل كبير
من جانبه، أشار الناشط المجتمعي الفاضل حماد إلى أن 'الوضع داخل الأحياء السكنية في كل مدن العاصمة يرثى له، فمعظم المنازل إما تعرضت للسرقة أو أصابها التدمير بواسطة الطيران أو القصف المدفعي لأن الاشتباكات دارت داخل الأحياء قرابة العامين، والآن بعد تحرير العاصمة من قبضة ’الدعم السريع‘ زادت الحاجة إلى تأمين المنازل التي هجرها سكانها وما زالوا في مناطق النزوح، بخاصة في ظل الانفلاتات الأمنية نظراً إلى غياب الأجهزة الشرطية'.
واستطرد حماد 'هذه الأوضاع دفعت الشباب في الأحياء السكنية وهم الأغلبية إلى تبني مبادرات لتأمين المنازل المهجورة وذلك بلحام الأبواب الخارجية، وقد وجدت المبادرة تفاعلاً كبيراً من قطاعات واسعة من المجتمع سواء من ناحية المتطوعين أو الداعمين أو أصحاب مهن الحدادة، وبالفعل تمكنا من تغطية آلاف المنازل على رغم مشكلة انقطاع الكهرباء التي عُولجت باستئجار المولدات'.
وختم الناشط المجتمعي بالقول 'من أكبر الأسباب التي تقف عائقاً أمامنا في لحام الأبواب والنوافذ وسيلة النقل والكلفة العالية التي يتطلب توافرها نتيجة للتحرك من حي لآخر أو من منزل إلى منزل، بسبب ثقل المولد أو ماكينة اللحام التي تعد من الأحمال الثقيلة لكنها لن تحد من مهمتنا'.