اخبار السودان
موقع كل يوم -نبض السودان
نشر بتاريخ: ١٥ تشرين الثاني ٢٠٢٥
دبلوماسية المخابرات… خلية النحل التي لا تعرف الهدوء
بقلم : محمد عثمان الرضي
تلعب دبلوماسية المخابرات في أوقات الحروب أدوارًا بالغة الأهمية والخطورة، رغم أنها غير منظورة للجميع بسبب خصوصية وسرية نشاطها. فهي التي تُبنى عليها أخطر القرارات وأشرس المواقف في أحلك الظروف.
ميدان دبلوماسية المخابرات أخطر بثلاثة أضعاف مقارنة بميادين المعارك القتالية على الأرض، والجهد المبذول فيه خرافي، خصوصًا الجهد الذهني.
ولا أبالغ إن قلت إن 85% من انتصارات معركة الكرامة تحققت عبر دبلوماسية المخابرات، التي نجحت في تحييد العديد من الدول ذات المواقف العدائية ضد السودان، كما استطاعت إقناع دول أخرى بالوقوف إلى جانبه في معركته ضد مليشيا الدعم السريع.
لقد أسهمت مشاركة جهاز المخابرات العامة السوداني في مؤتمرات إقليمية ودولية، ولقاءاته مع أجهزة نظيرة، في تصحيح مفاهيم مغلوطة لدى قادة دول كانوا ضحايا للتضليل الإعلامي الممنهج.
دبلوماسية المخابرات في زمن الحروب تساهم بفاعلية في تعديل الصور المقلوبة ووضعها في مسارها الصحيح، من خلال الأدلة والبراهين الدامغة، أي 'البيان بالعمل'.
كما أنها قادرة على تليين المواقف المتعنتة والمتطرفة، ونقلها من خانة العداء السافر إلى خانة التأييد والمساندة، وهو جهد يشيب له الولدان.
كل الدول المتقدمة تحرص على تقوية أجهزة مخابراتها لإيمانها القاطع بعِظم دورها، فكلما كان الجهاز قويًا ومتقدمًا في أدائه، كانت الدولة أكثر استقرارًا، والعكس صحيح.
أجهزة المخابرات في العالم هي صانعة القرار الحقيقي، وهي التي ترسم وتخطط سياسات الدول، وتضبط بوصلة اتجاهاتها.
الأدوار التقليدية القديمة لأجهزة المخابرات عفا عليها الزمن، وظهرت مدارس حديثة متطورة أحدثت قفزات كبيرة في هذا الحقل المتجدد بطبيعته.
جهاز المخابرات لأي دولة هو بمثابة المناعة التي تحمي جسد الدولة من الاختراق، وتحصنه ضد العدوى، ليظل صحيًا ومعافى، فالوقاية خير من العلاج.
أول ما يستهدفه العدو عند التفكير في غزو أي دولة هو محاولة اختراق جهاز مخابراتها؛ فإن نجح كسب المعركة، وإن فشل جرجر أذيال الهزيمة ولن تقوم له قائمة.
تتنوع مدارس دبلوماسية المخابرات وفقًا للظروف، وتمتاز بمرونة عالية وحسن تقدير في إدارة المواقف.
إدارة الأزمات فن وعلم لا يتقنه إلا القلة القليلة، وأم الأزمات هي الحروب، التي تحتاج إلى كادر نوعي قادر على إدارة الأزمة والخروج منها بأقل الخسائر.
وتتعاظم أهمية دبلوماسية المخابرات في عصر الفضاء المفتوح، حيث تتدفق المعلومات الصحيحة والمضللة على حد سواء، ما يتطلب تقديرًا دقيقًا لمتى يكون الرد ومتى يكون الصمت هو الخيار الأفضل.
وفي ظل حملات الحرب النفسية والاغتيال المعنوي لقيادات الدولة، يبرز دور دبلوماسية المخابرات ليس فقط في تأمين الدولة خارجيًا، بل أيضًا في تماسك الجبهة الداخلية التي تُعد صمام الأمان لترجيح خيار الانتصار في المعركة.


























