اخبار السودان
موقع كل يوم -نبض السودان
نشر بتاريخ: ٢٥ أب ٢٠٢٥
متابعات – نبض السودان
بينما تتدهور القدرة الشرائية للسودانيين مع تضخم جامح وتراجعٍ حاد في الخدمات، تتكشف فجوة غير مسبوقة بين الحد الأدنى للأجور وكلفة المعيشة اليومية هذا التحقيق يعتمد على أحدث الأرقام الرسمية المتاحة، إلى جانب دراسة اجتماعية حديثة للجنة المعلمين السودانيين، لرسم صورة دقيقة للفارق بين ما يتقاضاه العامل وما يحتاجه للعيش الكريم، نقلاً عن المصادر الرسمية والدولية.
الحد الأدنى للأجور: رقم تجمّد عند 12 ألف جنيه
تؤكد وثائق مرجعية أن وزارة المالية رفعت الحد الأدنى لأجور العاملين في الجهاز الحكومي إلى 12 ألف جنيه في يناير 2021، ولم تُسجل زيادات لاحقة تُعدّل هذا الأساس في الأعوام التالية، نقلاً عن منظمة فريدوم هاوس كما أكدت تغطيات صحفية محلية أن الوزير أعلن في يناير 2022 تثبيت الحد الأدنى عند 12 ألفًا بدل 3 آلاف للقضاء على التشوهات وقتها، دون أي زيادات جديدة بعد ذلك التاريخ.
كلفة المعيشة لأسرة من 5 أفراد: 1.652 مليون جنيه شهريًا
في 24 أغسطس 2025، نشرت منصة الترا سودان خلاصة دراسة حديثة أعدّها المكتب الاجتماعي للجنة المعلمين السودانيين، قدّرت الحد الأدنى لكلفة المعيشة لأسرة من خمسة أفراد بـ مليون و652 ألف جنيه شهريًا (نحو 485 دولارًا) وأشارت إلى أن المرتب الأساسي لمدخل الخدمة ما يزال 12 ألف جنيه شهريًا، مع مطالبة اللجنة برفع الحد الأدنى للأجور إلى 184,680 جنيهًا، ومراجعة العلاوات كل ستة أشهر لمواكبة تقلب الأسعار.
التضخم وسحق الدخول: ما تقوله المؤشرات الرسمية والدولية
على صعيد الأسعار الكلية، يبين تقرير Macro Poverty Outlook الصادر عن البنك الدولي في أبريل 2025 أن السودان واصل تسجيل تضخم مفرط؛ إذ بلغت زيادة الأسعار على أساس سنوي 188% في ديسمبر 2024، مع ترجيح بقاء التضخم مرتفعًا خلال 2025 وأكد التقرير أن الفقر المدقع (2.15 دولار يوميًا) تضاعف ليطال 71% من السكان في 2024، مشيرًا إلى أن انهيار المؤسسات العامة عطّل إنتاج البيانات المنتظمة من الجهاز المركزي للإحصاء والبنك المركزي ووزارة المالية.
الفجوة بالأرقام: كم يغطي الأجر من “سلّة حياة” الحد الأدنى؟
بالمقارنة المباشرة بين الحد الأدنى الجاري (12,000 جنيه) وحد الكلفة المقدر (1,652,000 جنيه)، يتضح أن الأجر الأدنى يغطي نحو 0.73% فقط من احتياجات أسرة من خمسة أفراد وحتى المقترح النقابي برفع الحد الأدنى إلى 184,680 جنيهًا، فلن يغطي سوى نحو 11.2% من تلك الكلفة الشهرية وفق تقديرات لجنة المعلمين هذا يعكس أن مطلب اللجنة ليس مساواة الحد الأدنى بسلة المعيشة كاملة، بل محاولة لردم جزءٍ يسير من الهوة التي صنعها التضخم.
أين تكمن عقدة السياسات؟
يربط الاقتصاديون عادةً الأجور بالإنتاجية والقدرة على الدفع في القطاعين العام والخاص. لكن في حالة السودان اليوم، تكمن المشكلة في ثلاث دوائر متقاطعة: تآكل القيمة الحقيقية للأجور بفعل التضخم الثلاثي، تعطل سوق العمل والإنتاج بسبب الحرب والنزوح، وانكماش الإيرادات العامة الذي يحد من أي زيادات ممكنة وأوضح تقرير البنك الدولي أن الإيرادات الحكومية هبطت إلى حوالي 4.1% من الناتج المحلي في 2024، مع انكماش الاقتصاد لعامين متتاليين، ما يجعل أي زيادة للأجور غير فعالة دون إصلاحات مالية ونقدية متزامنة.
الرقم الرسمي الساري للحد الأدنى للأجور عند 12 ألف جنيه مقابل حدٍ أدنى لكلفة معيشة أسرةٍ من خمسة أفراد عند 1.652 مليون جنيه، يصف فجوةً لا تُردم بقرارٍ واحد مطلب لجنة المعلمين برفع الحد الأدنى إلى 184,680 جنيهًا يسلّط الضوء على عمق الاختلال، لكنه يظل أقل بكثير من تغطية كلفة “السلة الدنيا” نفسها بين هذين الحدين، لا مخرج دون شفافية بيانات، وتفاوض اجتماعي يستند إلى أرقام موثوقة، وسياسات كلية تكبح التضخم وتعيد دخل العمل إلى منطقة الأمان.