اعتداءات ضد النساء... صرخة مكتومة لمعارك السودان

الخرطوم ودارفور تسجلان عنفاً جنسياً ملحوظاً والأرقام المعلنة أقل من الواقع

كرت معارك السودان الأيام معها، لكن لياليها باتت حبلى بمآسٍ وأوجاع وفواجع خلفتها مظاهر العنف الجنسي ضد الفتيات والسيدات والأطفال، بينما تتوارى صرخاتهم خلف صوت القصف المدفعي والطيران والدمار والنزوح والتشريد، لترسم صورة قاتمة لا تقل بشاعة عن القتل وسفك الدماء.

منذ اندلاع الاشتباكات المسلحة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في 15 أبريل (نيسان) الماضي، سقط أكثر من 1800 شخص، ونزح 2.2 مليون آخرين، بينما وردت تقارير عدة عن اعتداءات جنسية، لا سيما في العاصمة الخرطوم وإقليم دارفور، المنطقتين اللتين تشهدان أعنف المعارك.

ولا يزال صعباً معرفة عدد ضحايا العنف الجنسي حتى الآن، لكن أطباء سودانيين يخشون من أن كثيراً منها لا يبلغ عنها. وتقول رئيسة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة في السودان سليمة إسحاق إن هناك '36 حالة موثقة للعنف الجنسي المتصل بالنساء في العاصمة الخرطوم، بينما سجل إقليم دارفور 25 حالة، وما تم توثيقه يمثل اثنين في المئة فقط من مجمل ما يحدث نظراً إلى ضعف الخدمات وصعوبة الحركة'.

تعاني وحدة مكافحة العنف ضد المرأة – وفق إسحاق - العراقيل الموضوعة أمام الناجيات السودانيات، والتي تسهم في عدم الحصول على المساعدة الطبية، إضافة إلى ندرة الجهات التي يمكنها تقديم الدعم لهن. وتضيف 'الوحدة تحاول الوصول إلى الحالات وتوثيقها عن طريق شهود العيان والمعطيات الموجودة، خصوصاً مع تفاقم وضعية النساء بسبب الحرب وتوقف الخدمات المقدمة لهذه الفئات بعد إغلاق المستشفيات وخروج بعضها عن الخدمة'.

وتصف رئيسة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة الوضع الصحي بـ'الكارثي'، خصوصاً أن النساء في تسع ولايات سودانية يعانين أزمة العلاج والأمن الغذائي وضعف البنية التحتية.

واعتبرت إسحاق في حديثها إلى 'اندبندنت عربية' أن 'كثيراً من حالات الاغتصاب لا يتم التبليغ عنها خوفاً من تداعياتها الاجتماعية'، لافتة إلى أن 'وحدة مكافحة العنف ضد المرأة لا تقدم خدمات مباشرة، لكن تحاول تنسيق توفير الدعم الصحي عبر المجتمع المدني وبمساعدة أفراد متخصصين يقدمون دعماً نفسياً عبر الهاتف حال وافقت الناجية، إذ إن بعضهن لا يرغبن بأي نوع من التواصل'.

غموض وتستر

عضو تجمع 'محامي الطوارئ' في السودان عبدالخالق النويري اعتبر بدوره أن 'الاغتصاب جريمة فظيعة وخطرة، وفي الحروب تأخذ شكلاً عنيفاً للغاية، ومنذ اندلاع المعارك في السودان حدثت اعتداءات جنسية لفتيات، وبخلاف الأرقام التي وردت في تقارير الأطباء تعرض أطفال دون 18 سنة ونساء للاغتصاب'. ومضى في تحذيراته بقوله إن 'هناك حالات لم يتم الكشف عنها لأنها متعلقة بالثقافة والعرف في المجتمع خوفاً من العار والفضيحة، لذلك فإن التصريح والاعتراف بالوقائع أصابه الغموض والتستر، مما يؤثر في تحديد عدد الضحايا والكشف عن الأرقام الحقيقية'.

وبين النويري أن 'الاغتصاب يصنف من الجرائم ضد الإنسانية كما ورد في نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية، وكذلك نص القانون الجنائي السوداني لعام 1991 بعقوبة الإعدام على الجاني، إضافة إلى قانون الطفل 2010، علاوة على وجود معاهدات ومواثيق عدة وضعتها الأمم المتحدة، وهيئات أخرى تم إنشاؤها من أجل وقاية النساء والفتيات وحمايتهن من الاعتداء الجنسي في أثناء النزاعات والحروب'. وناشد المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان التدخل وإنقاذ الموقف حتى لا تستمر الانتهاكات وتتزايد حالات الاغتصاب، بخاصة بعد وجود ضحايا أطفال من الجنسين دون 12 سنة، وهو مهدد كبير للمجتمع السوداني.

حمل وإيدز

سكرتير نقابة أطباء السودان عطية عبدالله اعترف بدوره عن 'توثيق حالات لنساء تم اغتصابهن خلال الفترة الماضية'، مشيراً إلى أن وقائع كثيرة لم يتم الإبلاغ عنها بسبب الوصمة الاجتماعية التي تلحق بالضحية'. وذكر أن 'هناك حالات حمل لمغتصبات بسبب عدم تناول العلاج، لأنهن في مناطق يصعب الوصول إليها أو الخروج منها بسبب الاشتباكات المسلحة، كما تم تسجيل اعتداءات جنسية لنساء تجاوزت أعمارهن 50 سنة، وحالات أخرى لقاصرات'.

ونوه عبدالله إلى أنه 'في حال لم تتناول المغتصبات العلاج اللازم خلال 72 ساعة، فإنهن يصبحن عرضة لحدوث الحمل أو للإصابة بالإيدز والكبد الوبائي في بعض الحالات'، موضحاً أن 'النقابة استطاعت توفير العلاج للنساء اللاتي تعرضن للعنف بمختلف أنواعه بجانب توعية الأطباء للتعامل مع تلك الحالات'.

من جانب آخر، تقول المتخصصة النفسية أماني عبدالرحمن فرح إن 'الحرب تؤثر في النساء والفتيات أكثر من الرجال، وهذه حقيقة كونية ومريعة لأن المرأة بطبيعتها رقيقة لا تتصالح مع العنف، خصوصاً في حالات الاغتصاب، وعندما تتعرض الأنثى لاعتداء جنسي أو تحاول بشتى الطرق والوسائل نسيان هذا الأمر المؤذي أو الانفصال عنه وتغاضيه، تفشل في معظم الأحيان، وتدخل في دائرة القلق والخوف والإحساس بالعجز والدونية لأن الآثار النفسية والاجتماعية التي تتعرض لها ليست وقتية ترتبط بالحدث فقط، بل تمتد أحياناً لسنوات عدة قد تعتقد فيها الضحية أنها تخلصت من هذه الآثار، ولكنها تبقى راسخة في أغوار نفسها إن لم تتعاف من هذه الصدمة عبر جلسات الدعم النفسي'.

وتوضح فرح أن 'الأزمة المعقدة تظهر على معظم جوانب حياة الفتيات اللائي تعرضن للاعتداء الجنسي بشكل مباشر أو غير مباشر، ومن أهم الآثار التي تتعرض لها الضحية هو ما يعرف (بكرب ما بعد الصدمة) على المدى القريب أو البعيد، مثل صعوبة العودة إلى ممارسة الطقوس الحياتية اليومية المعتادة والأرق والكوابيس أثناء النوم بجانب نوبات غضب وعدوان غير مبرر ولأسباب واهية والقلق، إضافة إلى سيطرة أفكار انتحارية على تفكير الضحية قد يصل إلى إجراء محاولات بالفعل تؤدي أحياناً إلى الموت'.

وحذرت من تحول سيدات وفتيات إلى الإفراط في استخدام آليات دفاعية نفسية مثل الإنكار أو الطفولية أو انشقاقية الوعي للهرب من الألم النفسي علاوة على ظهور انحرافات ليست موجودة في سلوك الضحية من قبل مثل الكذب أو السرقة أو الإهمال في المظهر يصل إلى التقاضي عن النظافة الشخصية.

أما بالنسبة إلى الآثار النفسية والاجتماعية التي تظهر على الناجية على المدى البعيد فيمكن أن تتمثل 'في الإحساس الدائم بالخوف والميل للكآبة والإحباط وصعوبة التواصل مع الأصدقاء المقربين والعجز والخوف من إقامة صداقات جديدة للشعور بالدونية بجانب الاعتقاد أن العزلة الاجتماعية نتيجة الإحساس بالخزي والعار من كونها أنثى'.

ورأت المتخصصة النفسية أن 'اغتصاب الأطفال والنساء اللائي تجاوزت أعمارهن 40 سنة نوع من أنواع الاضطراب السلوكي والخروج عن المألوف مع غياب الضمير الأخلاقي والوازع الديني، كما أن الحالة المعتدى عليها تكون معرضة لاضطرابات سلوكية قد تستمر مدى الحياة'، لافتة إلى أن 'الدعم النفسي لضحايا العنف الجنسي والاغتصاب يجنب التشوهات الاجتماعية التي قد تحدث بشكل مباشر أو غير مباشر'.