السودان يجمد عضويته في "إيغاد" وسط استمرار التصعيد

انفجارات بالخرطوم ومعارك عنيفة جنوب كردفان و'تقدم' تواصل مساعيها لإتمام لقاء البرهان وحميدتي

قررت حكومة السودان اليوم السبت تجميد عضوية البلاد في الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد)، بحسب بيان لوزارة الخارجية في الخرطوم.

وأفاد البيان أن قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان أرسل رسالة إلى رئيس جيبوتي ورئيس 'إيغاد' إسماعيل عمر غيله 'أبلغه فيها قرار حكومة السودان تجميد عضويتها في المنظمة'، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.

وأرجع البيان قرار التجميد إلى 'تجاهل المنظمة قرار السودان الذي نقل إليها رسمياً وقف انضمامه وتجميد تعامله معها في أية مواضيع تخصه'، وهو ما لم يحدث خلال قمة المنظمة الاستثنائية التي عقدت في أوغندا أول من أمس الخميس.

وكانت وزارة الخارجية الإثيوبية أعلنت أن وفدها لن يشارك في القمة الاستثنائية لـ 'إيغاد' الخميس، بسبب ما قالت إنه 'تداخل للجدول الزمني لرئيس الوزراء آبي أحمد'.

وبصفته الرئيس الحالي لـ'إيغاد' فقد سبق ودعا الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله إلى عقد قمة استثنائية لمناقشة التوتر المستجد بين إثيوبيا والصومال بعد توقيع مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال، وكذلك الحرب في السودان.

وقالت وزارة الخارجية السودانية الأسبوع الماضي إن الخرطوم علقت تعاملها مع الهيئة الحكومية للتنمية لدول شرق أفريقيا (إيغاد) التي توسطت لإنهاء القتال الدائر منذ أشهر بين الجيش وقوات 'الدعم السريع' شبه العسكرية.

وكانت 'إيغاد' عرضت التوسط بين قائدي الجيش و'الدعم السريع' بطرق تشمل استضافة اجتماع، وهو ما وافق عليه الجانبان.

ويشهد السودان منذ الـ15 من أبريل (نيسان) 2023 حرباً بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات 'الدعم السريع' بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو قُتل فيها حتى الآن أكثر من 13 ألف سوداني، وفق تقدير متحفظ صادر عن مشروع بيانات مواقع النزاعات المسلحة وأحداثها (أكليد)، فيما تؤكد الأمم المتحدة نزوح أكثر من 7 ملايين شخص.

قتال متعدد الجبهات

شهدت جهات قتالية عدة بالعاصمة الخرطوم والولايات السودانية تصعيداً كبيراً في المعارك والمواجهات العنيفة بين الجيش وقوات 'الدعم السريع' التي صعّدت هجماتها في ولايات سنار وجنوب وغرب كردفان، بالتزامن مع تقدم الجيش في محور أم درمان، في وقت حدد البيان الختامي لقمة 'إيغاد' الطارئة الأخيرة، فترة أسبوعين للقاء قائدي الجيش و'الدعم السريع' عبدالفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو 'حميدتي' لبحث إنهاء الحرب.

فيما وصف بأنه محاولة لهجوم بري كبير شنته 'الدعم السريع' على مقر القيادة العامة للجيش وسط الخرطوم، دارت معارك شرسة بين الجانبين في الأجزاء الشرقية من المقر العسكري الرئيس للجيش. وأوضحت مصادر ميدانية أن مدفعية الجيش تصدت لمحاولة الهجوم، وردت بهجوم معاكس شنت فيه المقاتلات الحربية غارات جوية عنيفة على مواقع ومنصات 'الدعم السريع' المدفعية بالقرب من المدينة الرياضية شرق الخرطوم. وهزت انفجارات عنيفة منطقة الجريف غرب (الخرطوم).

وقصفت مدفعية الجيش الثقيلة تجمعات ومواقع 'الدعم السريع' وسط وغرب أم درمان.

واستهدفت مدفعية 'الدعم السريع'، في المقابل، مواقع الجيش وسط أم درمان حيث تحتدم معارك برية ضارية بين الجانبين منذ أكثر من أسبوعين. وسجلت اشتباكات عنيفة في شارع العرضة غرب العباسية وسط أم درمان.

وفي جبهة الوسط، دارت اشتباكات ومواجهات عنيف في منطقة جبل موية على تخوم مدينة سنار وسط السودان، على إثر محاولة قوات 'الدعم السريع' التقدم باتجاه عاصمة الولاية من الجهة الغربية. وأوضحت مصادر عسكرية أن مجموعات من هذه القوات حاولت الهجوم على منطقة جبل موية والفليحاب، إلا أنها، بحسب المصادر نفسها، تعرضت لرد قوي ونيران كثيفة من الجيش والقوات الأمنية المساندة.

في غرب كردفان، عاد التوتر من جديد لمدينة بابنوسة بعد إعلان قوات 'الدعم السريع' عزمها اجتياح المدينة حيث توجد قيادة الفرقة 22 مشاة التابعة للقوات المسلحة السودانية.

وكشفت مصادر أهلية أن المدينة تكاد تخلو من السكان بعد أن غادر معظمهم إلى القرى المجاورة، مع قرب الهجوم المحتمل على المدينة وتعثر محاولات الإدارة الأهلية لتفادي المواجهات بين الجيش و'الدعم السريع' داخل المدينة.

وأوضحت مصادر ولائية في جنوب كردفان أن قوات 'الدعم السريع' هاجمت مدينة العباسية بعشرات العربات القتالية المسلحة، ودارت اشتباكات شرسة بين الجانبين، وأضافت المصادر أن الجيش تصدى للقوات المهاجمة وأرغمها على التراجع باتجاه مدينة أم روابة شمال كردفان، مشيرة إلى أن القصف المدفعي لـ 'الدعم السريع' على الأحياء السكنية داخل المدينة تسبب في موجة نزوح. وبثت هذه القوات مقاطع فيديو على منصة 'إكس' تشير فيها إلى استيلائها على حامية جبل المويلح بمنطقة العباسية جنوب كردفان.

جهود متواصلة

سياسياً، جددت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية 'تقدم' عزمها مواصلة جهودها السياسية الدؤوبة لإيقاف الحرب ورفع المعاناة التي أرهقت كاهل الشعب السوداني، والعمل على حشد دعم المجتمع الدولي لاحتياجات وإعمار البلاد بعد وقف الحرب. وأكدت 'تقدم' سعيها لإتمام اللقاء بين قائدي الجيش والدعم السريع للتشاور حول إنهاء الحرب وخريطة الطريق التي طرحتها على الطرفين والتوصل إلى صيغة اتفاق مشتركة توقف الحرب وتنهي معاناة المواطنين وتعيد السلام للبلاد.

وكتب رئيس 'تقدم' عبدالله حمدوك، على منصة 'إكس'، أنه تشاور مع قادة دول 'إيغاد' في قمتها الاستثنائية الأخيرة، وشرح لهم جذور الأزمة ورؤية التنسيقية لوقف الحرب المدمرة كأولوية قصوى إلى جانب معالجة آثار الكارثة الإنسانية، والحلول السياسية المستدامة لاستعادة السلام والتحول المدني الديمقراطي.

'حميدتي' و'إيغاد'

بدوره، قال 'حميدتي'، على منصة 'إكس'، إن القمة كانت فرصة سانحة لتقديم شرح مفصل لقادة 'إيغاد' حول أسباب الأزمة ورؤيتهم لوقف الحرب والتفاوض وصولاً لسلام شامل ومستدام. وعبّر عن امتنانه لقادة المنظمة وعلى رأسهم رئيس جمهورية جيبوتي ورئيس دورة 'إيغاد' الحالية إسماعيل عمر قيلة، آملاً في أن تكلل جهودهم في تحقيق السلام والاستقرار في السودان بما ينعكس أيضاً على أمن واستقرار المنطقة والعالم.

وكانت قمة 'إيغاد' الطارئة في العاصمة الأوغندية كمبالا أكدت عزم قادتها استخدام كل الوسائل والقدرات لضمان حل النزاع في السودان سلمياً، وجددت الدعوة لعقد اجتماع مباشر وعاجل وجهاً لوجه بين البرهان و'حميدتي'، خلال أسبوعين، تتبعه الدعوة لعملية سياسية بملكية سودانية خالصة نحو تشكيل حكومة ديمقراطية خلال شهر واحد.

كما دعت القمة الطرفين إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار وإنهاء هذه الحرب الظالمة على شعب السودان تمهيداً للمضي قدماً في الحوار السياسي، مشددة على المسؤولية الأساسية للدول الأعضاء في المنظمة في ضمان سيادة إرادة شعب السودان.

وفي تصريح صحافي حول نتائج مشاركتها في قمة 'إيغاد'، أوضحت تنسيقية 'تقدم' أن قادة المنظمة عبروا عن تصميمهم على إيجاد حلول تستجيب لرغبات الشعب السوداني وتقوم على الوقف الفوري غير المشروط لإطلاق النار ودعوة قائدي القوات المسلحة و'الدعم السريع' للقاء مباشر خلال أسبوعين، وإطلاق عملية سياسية برعاية 'إيغاد' والاتحاد الأفريقي تبدأ بلقاء جامع خلال شهر.

وثمنت 'تقدم' إرادة وتصميم دول 'إيغاد' على إحلال السلام واستعادة التحول الديمقراطي في السودان، مجددة دعمها وتعاونها مع جهود المنظمة والاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي والإقليمي ودول الجوار من أجل هذه الأهداف، بما فيها إعادة الإعمار بعد نهاية الحرب.

الحكومة ولعمامرة

وعلى هامش اجتماعات قمة حركة عدم الانحياز بكمبالا، التقى وزير الخارجية السوداني المكلف علي الصادق بالمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للسودان رمطان العمامرة. وأوضح الصادق أن اللقاء جاء في إطار التعاون مع الأمم المتحدة وبحث مخرجات قمة 'إيغاد' التي حضرها لعمامرة كمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة.

وكانت الخارجية السودانية قد أصدرت تعميماً صحافياً مقتضباً نفت فيه ما راج على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن إعلان الحكومة لعمامرة شخصاً غير مرغوب فيه، مؤكدة أن العلاقة بينها وبين المبعوث الأممي تتسم بالتعاون والإيجابية والاحترام المتبادل.

قلق مصري

في الأثناء، أعرب وزير الخارجية المصري سامح شكري عن بالغ قلقه إزاء استمرار المواجهات العسكرية بالسودان مجدداً دعوته الأطراف كافة إلى الالتزام بوقف إطلاق النار، واللجوء للحوار.

أضاف شكري، في كلمته أمام القمة الـ19 لدول عدم الانحياز بالعاصمة الأوغندية كمبالا، بالنيابة عن رئيس الجمهورية المصري عبدالفتاح السيسي، أن مصر، انطلاقاً من حرصها على حقن دماء الشعب السوداني وتخفيف معاناته الإنسانية، أطلقت آلية دول جوار السودان لدعم الرؤية والملكية الوطنية السودانية لحل الأزمة، واستقبلت أكثر من 350 ألفاً من الأخوة السودانيين منذ بدء الأزمة.

تمهيد وحوار

في السياق أوضح أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية الشفيع المبارك أن لقاء 'تقدم' مع الفريق أول عبدالفتاح البرهان، من شأنه أن يمهد للقاء البرهان – حميدتي، ويؤسس للحوار بين القوى السياسية داخل وخارج تحالف التنسيقية، ما يمهّد لتوافق سياسي كمطلب مشترك بين الجانبين. وأضاف المبارك أن تعثر وانسداد أفق المبادرات الإقليمية والدولية يجعل من الحوار السوداني الداخلي أمراً ملحاً بوصفه الطريق الأقرب لإنهاء الحرب، ويضع الأطراف السودانية بما فيها الجيش و'الدعم السريع' والقوى السياسية أمام محك تاريخي لإنقاذ ما تبقى من بلادهم. ولفت الأكاديمي السوداني إلى ضرورة الإسراع في الشروع بمشاورات وطنية واسعة، تشمل القوى السياسية والمدنية السودانية كافة، لوضع الإطار الدستوري الخاص بإدارة الفترة الانتقالية، ويعالج قضية الإصلاح الأمني المحورية وفق أسس مهنية محايدة متفق عليها.

وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى أن مواقف الحكومة السودانية المتأرجحة بين التزمت والارتباك تجاه المبادرات الإقليمية والدولية، منذ نشوب الحرب، تضعها أمام ضغوط عسكرية داخلية واحتمالات العزلة الدولية والإقليمية، 'إذ اتسمت معظم ردود الفعل الرسمية تجاه كل المبادرات بالتشنج وإطلاق النيران الدبلوماسية عليها بالطعن في حياد الجميع'.

ودعا المبارك الجيش و'الدعم السريع' إلى ضرورة التعامل مع الأزمة من منطلق المسؤولية الوطنية، لتجنيب البلاد أخطار التفتيت والحرب الأهلية ووضع حد لمعاناة ملايين السودانيين المشردين والجوعى. ورأى أن شروط مجلس السيادة للقاء قائد الجيش و'الدعم السريع' بوقف إطلاق النار وخروج قوات 'الدعم السريع' من المدن والأعيان المدنية بما فيها منازل المواطنين، وإعادة المنهوبات، شروط ترتبط بتوقيع الاتفاق، وليس باللقاء في حد ذاته، أما المشاورات السياسية فتمهد للدخول في مفاوضات وحوار شامل مباشر.