اخبار السودان
موقع كل يوم -نبض السودان
نشر بتاريخ: ١٦ كانون الأول ٢٠٢٥
البرهان في الرياض .. حماية العمق الأمني للمملكة – بقلم: سمية سيد
على خلفية الاجتماع الأخير بين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأمريكي دونالد ترامب في واشنطن، دفعت المملكة العربية السعودية بثقلها لخلق مسار جديد لحل الأزمة السودانية، يتجاوز حالة الجمود التي خلفتها الرباعية بصيغتها المرفوضة من قبل الحكومة السودانية.
لذلك تكتسب زيارة رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان إلى المملكة العربية السعودية ولقاؤه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أهمية استثنائية. فقد أعلن الرئيس ترامب أنه، بناءً على طلب وإلحاح من الأمير محمد بن سلمان، سيتدخل لإنهاء الحرب في السودان، واصفًا الوضع بأنه 'فظيع'، مشيرًا إلى أن ولي العهد قد شرح له تداعيات الحرب وكثيرًا من التفاصيل التي كانت خافية عليه. ومن هنا برز اهتمام الرياض بالتوصل إلى تفاهمات عملية مع البرهان، الرافض للرباعية بشكل قاطع، والبحث عن طريق ثالث قد يقود إلى إحياء منبر جدة مع تعديلات تراعي المتغيرات على الأرض. وليس مستبعدًا أن يكون البرهان قد التقى مسعد بولس بالرياض، وفق ما ذكرته بعض المصادر الإعلامية التي تحفظت الحكومتان السعودية والسودانية عن تأكيدها.
من الواضح أن السعودية، ومع إطالة أمد الحرب، لن تقف مكتوفة الأيدي وهي ترى دولة الإمارات تعبث بأمن المنطقة وتساهم في زعزعة الاستقرار بصورة مكشوفة. فالسودان يمثل أولوية استراتيجية لأمن البحر الأحمر بالنسبة للرياض، التي تسعى لتفعيل دور أمريكي مباشر ومؤثر لإيقاف الاستنزاف الإماراتي.
طريقة استقبال قائد الجيش السوداني أمس من قبل القيادة السعودية، وعلى رأسها ولي العهد بحضور وزراء الدفاع والداخلية وكبار المسؤولين، وترحيب البرهان بالمبادرة ووصفه جهود ولي العهد بأنها 'طريق السلام'، تشير بوضوح إلى أن الرياض أصبحت الشريك الأكثر تفضيلًا للقيادة السودانية (الجيش) في المسار السياسي والدولي لإنهاء الحرب، وإطلاق مرحلة جديدة للوجود السعودي بلا أجندات أو تدخلات سلبية. كما أن حضور وزير الدفاع السعودي في المباحثات يوحي بإمكانية تقديم دعم لوجستي للجيش السوداني لتعزيز موقفه على الأرض، مما يجعله أكثر قوة في أي مفاوضات يقودها الرعاة الجدد (السعودية وأمريكا).
زيارة البرهان للرياض جاءت لتثبيت التفاهم السعودي ـ الأمريكي وتوسيع نطاقه، والبحث في مضمون جولة محادثات للسلام، سواء كانت امتدادًا لمنبر جدة أو مسارًا جديدًا برعاية سعودية ـ أمريكية وربما مصرية ذات تأثير أكبر.
هذا التنسيق السعودي ـ السوداني مع البعد الأمريكي عبر ترامب يحمل تداعيات مهمة، أبرزها زيادة الضغط على مليشيا الدعم السريع. فقد وصف ترامب المشكلة بأنها 'جنونية وخارجة عن السيطرة'، ما يوحي بإمكانية تبني موقف دولي أكثر حزمًا تجاه الطرف الذي يُنظر إليه باعتباره المسبب الرئيسي لتفاقم الحرب والانتهاكات، وهو ما يخدم الرواية الرسمية السودانية بشأن دور مليشيا الدعم السريع في إشعال الحرب وتوسيع نطاقها وارتكابها فظائع ضد القانون الإنساني الدولي.
الاتجاه الجديد في مسار السلام (أمريكا والرياض) يبعث برسالة واضحة إلى القوى الإقليمية، وعلى رأسها أبوظبي، بتضييق خياراتها في إعادة مليشيا الدعم السريع إلى المشهد أو محاولة تقليل شرعية مؤسسات الدولة السودانية المعترف بها. كما يؤطر الحرب ضمن الرواية السودانية الرسمية (ليست حرب جنرالين) في سياق أجندة إقليمية ودولية جديدة تقودها المملكة السعودية وتستفيد من ثقل الرئيس الأمريكي ترامب.
بعد الجمود الذي صاحب منبر جدة لأكثر من عامين، تعود الرياض لتتبوأ مركزية جديدة كمرجعية سياسية ودبلوماسية للسلام في السودان، مؤكدة شرعية الحكومة السودانية وداحضة فكرة الحكومة الموازية، بما يمكّن القيادة السودانية من التعامل مع المجتمع الدولي، خاصة واشنطن. هذه المرجعية بلا شك ستكون مسنودة من الشعب السوداني الرافض تمامًا لأي وجود إماراتي باعتبارها دولة عدوان، مقابل تأييد أي طرح سعودي يقود إلى وقف الحرب.


























