الصحفي السوداني عزمي عبد الرازق يسلم نفسه وسط عاصفة سياسية وإعلامية

في خطوة تعكس تصاعد التوتر بين الصحافة والسلطة التنفيذية في السودان، مثل الصحفي عزمي عبد الرازق صباح الأربعاء أمام نيابة مكافحة جرائم المعلوماتية بمدينة بورتسودان، عاصمة ولاية البحر الأحمر، وذلك بعد فتح بلاغ رسمي ضده على خلفية انتقاده لرئيس الوزراء كامل إدريس. وشرعت النيابة في إجراءات التحري معه فور وصوله إلى مقرها.

خلفية البلاغ

التحقيق مع الصحفي عزمي عبد الرازق جاء بعد سلسلة من التراشقات الإعلامية بينه وبين مستشار رئيس الوزراء محمد محمد خير، الذي أثار جدلاً واسعاً عقب نشره تسجيلاً صوتياً وجّه فيه إساءات مباشرة لعبد الرازق. الصحفي رد على التسجيل بمقالين انتقد فيهما أداء رئيس الوزراء، ما دفع السلطات إلى فتح بلاغ رسمي ضده. هذه التطورات وضعت العلاقة بين الصحافة والسلطة تحت المجهر، خاصة في ظل حالة الاحتقان السياسي والإعلامي التي تعيشها البلاد.

تضامن صحفي

في أعقاب فتح البلاغ، أعلن عدد كبير من الصحفيين السودانيين تضامنهم الكامل مع عزمي عبد الرازق، وعبّروا عن رفضهم لما وصفوه بمحاولات تكميم الأفواه. الصحفي بكري المدني كتب مقالاً بعنوان “مع عزمي – ظالم ومظلوم”، أكد فيه اختلافه مع تقييم عبد الرازق المطلق لأداء رئيس الوزراء، لكنه رفض بشدة الطريقة التي تعامل بها مكتب رئيس الوزراء ومستشاره مع الصحفي، سواء عبر التسجيل الصوتي أو عبر منبر وكالة السودان للأنباء. المدني شدد على أن عزمي عبد الرازق ليس مأجوراً ولا متسولاً، بل يمثل قيمة وطنية يجب الحفاظ عليها واستثمارها في الإعلام الرسمي والحر.

مقالة أوشي

الصحفية السودانية رشان أوشي نشرت مقالاً بعنوان “السردية التي فضحت دولة رئيس الوزراء”، تناولت فيه رواية مستشار رئيس الوزراء محمد محمد خير، معتبرة أن الرواية الحقيقية جاءت من رئيس الوزراء نفسه. أوشي رأت أن القصة التي تحدث فيها إدريس عن تقديم “صدقة” لأحد الصحفيين لا يمكن قراءتها بمعزل عن السياق السياسي، مشيرة إلى أن استخدام العطاء كأداة ضغط على الكلمة الحرة يمثل تهديداً مباشراً لحرية الصحافة. المقال اعتبر أن الإشارة إلى الصحفي عزمي عبد الرازق في هذا السياق، وتوظيف القصة للتشهير، يكشف عن عقلية ترى في النقد تخويناً وفي الاختلاف ترويعاً.

جدل الصدقة

في تحليلها للقصة، أوضحت أوشي أن الصدقة في جوهرها فعل يستتر كما تستتر النوايا الخالصة، ولا تُطالب بالامتنان أو الهتاف. لكنها رأت أن ما جرى في هذه الواقعة يكشف عن استخدام العطاء كوسيلة ترهيب، ورسالة سياسية موجهة لبقية الصحفيين مفادها أن اليد التي تعطي تستطيع أن تفضح. هذا النهج، بحسب المقال، يضع الصحافة في موقع الخصم بدلاً من الشريك، ويعكس خطورة المزج بين السلطة والهيمنة على الفضاء الإعلامي.

أزمة حرية

أوشي اعتبرت أن أخطر ما في هذه القصة ليس مضمونها المباشر، بل ما ترمز إليه من تسليح الرواية الشخصية لتحجيم الحرية العامة، وتحويل فعل العطاء إلى وسيلة ابتزاز، وتطبيع تدخل السلطة في الفضاء الصحفي. المقال خلص إلى أن هذه الممارسات تعيد إنتاج الخراب بدلاً من بناء الدولة، وتضع السودان أمام معركة على طبيعة الدولة نفسها، بين دولة المواطنة ودولة المِنّة، وبين دولة الحق ودولة الهبة.

قرار النيابة

في سياق متصل، أصدرت نيابة مكافحة جرائم المعلوماتية في ولاية البحر الأحمر قراراً يقضي بالقبض على الصحفي عزمي عبد الرازق ووضعه تحت حراسة شرطة دائرة الاختصاص. القرار جاء بعد سلسلة من التصريحات والتسجيلات التي تبادلها عبد الرازق ومستشار رئيس الوزراء، ما سلط الضوء على تصاعد حدة التوتر بين الصحافة والسلطة التنفيذية في السودان، في وقت يشهد فيه المشهد السياسي والإعلامي حالة من الاحتقان المتزايد.

التسجيل الصوتي

التسجيل الصوتي الذي نشره مستشار رئيس الوزراء محمد محمد خير أثار موجة من الجدل في الأوساط الإعلامية والسياسية، بعدما وجه فيه انتقادات حادة لمجموعة من الصحفيين في العاصمة الإدارية بورتسودان. المستشار وصف هؤلاء الصحفيين بالمداحين والمتبطلين، وهددهم بما سماه “سحلاً حتى النهاية”، مؤكداً دعمه الكامل لرئيس الوزراء كامل إدريس، الذي وصفه بأنه أنقى وأشرف سياسي قابله في حياته. هذه التصريحات شكلت محوراً للنقاش العام، خاصة أنها جاءت في سياق سياسي متوتر يعيشه السودان، وأبرزت حجم الانقسام بين السلطة التنفيذية والوسط الصحفي.

اتهامات مباشرة

في التسجيل الصوتي المتداول، وجه محمد محمد خير اتهامات مباشرة لعدد من الصحفيين دون أن يذكر أسماءهم، متهماً إياهم بتلقي ما وصفه بالصدقات المالية من المسؤولين، ومشيراً إلى أنهم يعملون مثل المداحين. وأوضح أن مهمته الأساسية في المرحلة المقبلة هي إيقاف هؤلاء الصحفيين الذين وصفهم بالمداحين، في إشارة واضحة إلى عزمه مواجهة ما يعتبره ممارسات غير مهنية داخل الوسط الإعلامي. هذه الاتهامات أضافت بعداً جديداً للأزمة بين السلطة التنفيذية والصحافة، وأثارت ردود فعل واسعة في الوسط الإعلامي والسياسي.

هجوم عنيف

شن المستشار هجوماً عنيفاً على صحفيين قال إنهم يفتقرون إلى الكفاءة المهنية ويتحلقون حول الوزراء سعياً لتحقيق مكاسب مالية. وأضاف في حديثه أنهم “عبدة وظائف ونرجسيون”، في تعبير يعكس حدة الانتقادات التي وجهها لهم. هذه التصريحات أثارت ردود فعل واسعة في الأوساط الإعلامية والسياسية، خاصة أنها جاءت في سياق متوتر تشهده البلاد، حيث اعتبرها كثيرون مؤشراً على تصاعد الخلافات بين الصحافة والسلطة التنفيذية، وزيادة حدة المواجهة بين الطرفين.

دفاع المستشار

في المقابل، دافع محمد محمد خير عن رئيس الوزراء كامل إدريس، مشيراً إلى أن هناك حملة منظمة تستهدفه. ووصف إدريس بأنه أشرف وأنقى سياسي قابله في حياته، مؤكداً أن الهجوم عليه يأتي في إطار محاولات للنيل من مكانته السياسية. هذا الدفاع العلني يعكس موقف المستشار في مواجهة الانتقادات الموجهة لرئيس الوزراء، ويبرز حجم التحديات التي يواجهها إدريس في المرحلة الراهنة، خاصة في ظل استمرار الجدل حول غيابه عن المشهد السياسي.

اعتذار رسمي

من جانبه، أكد وزير الإعلام والثقافة والسياحة خالد الأعيسر ترحيبه بالنقد الموجه لعمله، معلناً اعتذاره للقاعدة الصحفية. وأوضح أن وكالة السودان للأنباء لم تستشره في ردها على الصحفي عزمي عبد الرازق، مضيفاً خلال مخاطبته الليلة الوطنية الكبرى لمركز المواطن 24 أن الوزارة تعمل على تقريب المسافات وتعزيز التواصل بما يخدم المصلحة الوطنية. هذا الاعتذار جاء ليعكس محاولة رسمية لتهدئة الأجواء بين الصحافة والسلطة، في وقت تتصاعد فيه الانتقادات حول إدارة الملف الإعلامي في البلاد، ويبرز الحاجة إلى معالجة التوتر القائم بين المؤسسات الرسمية والوسط الصحفي.