اخبار السودان
موقع كل يوم -نبض السودان
نشر بتاريخ: ١١ تشرين الأول ٢٠٢٥
متابعات – نبض السودان
كشفت مصادر محلية وناشطون عن فضيحة فساد جديدة تهز أروقة قطاع الكهرباء في السودان، بعد تداول معلومات مؤكدة حول بيع عدادات الكهرباء بأسعار تفوق التسعيرة الرسمية بأضعاف، في مناطق تتبع لمحلية الكاملين بولاية الجزيرة.
حيث أظهرت التقارير أن سعر عداد الكهرباء “الخط الواحد” يُباع في السوق الأسود بمبلغ 1200 جنيه، في حين يبلغ السعر الرسمي 735 جنيهًا فقط، بينما يباع عداد الثلاثة خطوط بمبلغ 2300 جنيه، رغم أن قيمته الرسمية لا تتجاوز 1800 جنيه.
تورط موظفين وتلاعب في الحسابات الرسمية
بحسب ما أفاد به أحد الناشطين المحليين، فإن الأموال التي يتم تحصيلها من المواطنين لا تُورّد إلى الحساب الرسمي للهيئة القومية للكهرباء، بل تُودع في حساب شخصي يخص أحد المهندسين العاملين في المنطقة، ما يشير إلى وجود شبكة فساد منظمة تتلاعب بأموال المواطنين بعيدًا عن القنوات الرسمية.
وأكد الناشط أن الهيئة القومية للكهرباء لديها حساب مخصص لتوريد كل المعاملات المالية الخاصة بالعدادات، إلا أن بعض الموظفين تجاوزوا النظام المالي المعتمد، مما أثار استياء المواطنين ودفعهم للمطالبة بفتح تحقيق عاجل ومحاسبة المتورطين.
أزمة الكهرباء تتفاقم بعد الحرب
تأتي هذه الفضيحة في وقت تشهد فيه البلاد أزمة طاقة خانقة منذ اندلاع الحرب، حيث كانت شركة الكهرباء قد أصدرت قرارًا سابقًا يمنع أي توصيلات عشوائية، وأمرت بفصل جميع المنازل التي تم ربطها مباشرة بالشبكة خارج النظام الرسمي، بعد أن انهارت البنية التحتية للكهرباء في عدد من الولايات وتعرضت العديد من الأعمدة والعدادات للتلف الكامل.
وأوضحت تقارير ميدانية أن المواطنين الذين عادوا إلى مناطقهم بعد الحرب واجهوا معاناة شديدة في إعادة توصيل الكهرباء بسبب غياب العدادات الرسمية وانتشار السوق السوداء، ما دفع البعض إلى اللجوء لوسائل بديلة للحصول على الخدمة.
شهادات صادمة من المواطنين
فتح هذا الملف بابًا واسعًا أمام المواطنين في مختلف الولايات للكشف عن حالات فساد مماثلة ومعاناة مستمرة مع إدارات الكهرباء.
قال المواطن أحمد جعفر من مدينة عطبرة بولاية نهر النيل، إنه تقدم بطلب لتوصيل عداد منذ أكثر من عشرة أشهر، وبعد طول انتظار تم التواصل معه ودفع رسوم بلغت 180 ألف جنيه. لكنه فوجئ عند حضور الفريق الفني لإجراء المعاينة بأن السعر ارتفع بشكل مفاجئ إلى مليون جنيه، دون توضيح الأسباب.
وأضاف أحمد: “الكهرباء أصبحت عبئًا على المواطن.. ندفع الرسوم الرسمية لكننا لا نحصل على الخدمة إلا بعد ابتزاز واضح”.
من جانبه، قال المواطن يوسف عبدون إن إدارة الكهرباء تمارس ما وصفه بـ“الظلم الممنهج”، موضحًا أن “أسوأ خدمة حكومية في السودان اليوم هي الكهرباء”، مضيفًا أن الجهات المسؤولة لا تكتفي بسوء الأداء، بل تفرض رسومًا غير قانونية وتتحصلها بطريقة تفتقر إلى الشفافية والنزاهة.
فساد منظم وغياب الرقابة
ويرى خبراء أن ما يحدث في ملف عدادات الكهرباء يمثل صورة واضحة لانهيار منظومة الرقابة الإدارية والمالية داخل مؤسسات الخدمة العامة. حيث تتكرر شكاوى المواطنين في ولايات عدة من التلاعب في الأسعار، وتأخير المعاملات، وغياب الرد على الشكاوى، مما يعزز الاعتقاد بوجود فساد هيكلي في إدارات الكهرباء على المستويين المحلي والمركزي.
وطالب ناشطون بفتح تحقيق عاجل من قبل وزارة الطاقة والنفط وهيئة الكهرباء القومية، مع مراجعة شاملة لحسابات التحصيل المالي، مؤكدين أن الفساد في هذا الملف لا يقتصر على المكاتب المحلية فقط، بل يمتد إلى مستويات إدارية عليا.
دعوات للإصلاح والمحاسبة
في ظل الغضب الشعبي المتزايد، دعا ناشطون ومنظمات مدنية إلى إنشاء لجنة مستقلة لمراقبة عمليات بيع العدادات وتوصيل الكهرباء للمواطنين، ومحاسبة كل من يثبت تورطه في استغلال المواطنين أو التلاعب بالأسعار. كما طالبوا الحكومة الانتقالية بتطبيق معايير الشفافية والنزاهة في التعامل مع ملفات الخدمات العامة، واعتبار ما يجري في قطاع الكهرباء اختبارًا حقيقيًا لمدى قدرتها على مكافحة الفساد.
تداعيات اقتصادية واجتماعية
الفضيحة الجديدة لا تمس فقط الجانب المالي، بل تهدد استقرار الحياة اليومية للمواطنين في ظل تدهور الخدمات وانقطاع التيار الكهربائي المتكرر. فارتفاع أسعار العدادات بشكل غير رسمي يجعل الكهرباء سلعة فاخرة في بلد يعاني أصلاً من ارتفاع الأسعار وشح الموارد. كما يعزز الشعور بعدم المساواة والاحتقان الاجتماعي، ويضع الحكومة أمام تحدٍّ حقيقي لإعادة الثقة في مؤسسات الدولة.