انهيار البحرية الروسية بسبب راقصة.. كيف ذلك؟

متابعات- نبض السودان

شهدت نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين صعود اليابان كقوة عسكرية واقتصادية كبرى عقب إصلاحات ميجي عام 1868، إذ تبنت إصلاحات إدارية وصناعية وعسكرية جعلتها بسرعة قوة إقليمية تسعى للتوسع في شرق آسيا، في وقت اصطدمت فيه طموحاتها التوسعية بالطموحات الروسية، لتندلع الحرب الروسية اليابانية عام 1904.

هزائم متتالية للبحرية الروسية

خلال الحرب، تكبدت البحرية الروسية سلسلة من الهزائم المدوية على يد اليابانيين، أبرزها معركة مضيق تسوشيما في مايو 1905، التي خسر خلالها الروس 21 قطعة بحرية رئيسية، وقتل نحو 5 آلاف بحار في غضون 24 ساعة، في صدمة عسكرية هزت أوروبا وأثارت غضب الشارع الروسي، الذي اعتبرها أكبر كارثة بحرية في تاريخ الإمبراطورية الروسية.

أصابع الاتهام نحو الدوق الأكبر

عقب الهزيمة، تصاعدت التساؤلات حول المسؤول عن الانهيار العسكري. ووجهت الأنظار نحو الدوق الأكبر ألكسي ألكسندروفيتش، المولود عام 1850، خامس أبناء القيصر ألكسندر الثاني، والذي لعب دوراً محورياً في البحرية الروسية، حيث تولى مناصب عليا وأشرف على صفقات التسلح وبرامج بناء السفن، حتى نال رتبة أميرال عام 1883.

فساد وإهدار أموال

لكن حياة ألكسي لم تخلُ من الفضائح. فقد اتُهم مراراً بإهدار المال العام وسرقة أموال البحرية لتمويل حياته الشخصية، إذ اختفى عام 1903 نحو 30 مليون روبل – ما يعادل نصف ميزانية البحرية الروسية – دون أن تحصل البحرية على أي سفينة جديدة.

فضيحة الراقصة إليزابيث باليتا

ارتبط اسم الأميرال بعلاقة مثيرة مع الراقصة ولاعبة الباليه إليزابيث باليتا، التي ظهرت لاحقاً في مسرح سانت بطرسبرغ عام 1905 مرتدية مجوهرات فاخرة أثارت حفيظة الجمهور. صرخ المتفرجون حينها: 'إنها تحمل سفننا الحربية في أذنيها وأصابعها'، في إشارة إلى الأموال المسروقة من البحرية الروسية.

البحرية الروسية.. قوة على الورق فقط

ورغم محاولاته لتزويد البحرية بأقوى السفن وتحويلها إلى 'أهم قوة بحرية في العالم'، إلا أن الفساد وسوء الإدارة أضعفا المؤسسة. وقد انعكست تلك التراكمات بشكل مأساوي خلال الحرب مع اليابان، حيث تحولت روسيا إلى دولة تبحث عن حلول سلمية تحت وقع الهزيمة.

سقوط الدوق الأكبر

بعد الفضيحة وضغوط الشارع، عُزل ألكسي ألكسندروفيتش من منصبه في يونيو 1905. وانتقل بعدها إلى باريس حيث عاش حياة مترفة برفقة عشيقته، حتى وفاته عام 1908، تاركاً وراءه صورة رجل جمع بين السلطة والفساد، وكان اسمه مرتبطاً بانهيار البحرية الروسية في واحدة من أكثر اللحظات حرجاً بتاريخ الإمبراطورية.

نتائج الهزيمة وتداعياتها

الهزيمة أمام اليابان لم تكن مجرد خسارة عسكرية، بل كانت بداية لانهيار هيبة الإمبراطورية الروسية، وأسهمت في اندلاع ثورة 1905، التي عبّر فيها الشعب عن رفضه لنتائج الحرب وتدهور أوضاعه الاجتماعية. وهكذا، لم تكن الحرب الروسية اليابانية مجرد صراع على النفوذ في شرق آسيا، بل لحظة فاصلة كشفت فساد النخب الروسية وعجزها عن مواجهة قوة يابانية صاعدة.