العائدون من مصر: "سنطرق أبواب منازلنا بحذر"

متابعات- نبض السودان

في محطة رمسيس للقطارات بالقاهرة، جلست السيدة السودانية 'هناء' على مقاعد الدرجة المكيفة، تحبس دموعها وتضم أطفالها إليها، استعدادًا لرحلة العودة إلى الوطن بعد عامين من اللجوء بمصر هربًا من نيران الحرب.

قرار العودة لم يكن سهلًا، لكنه جاء مدفوعًا بشوق عارم وواقع صعب، بعد أن توقف أطفالها عن الدراسة لأكثر من عامين.

التعليم يدفع الأسر للعودة رغم القلق من المستقبل

تعكس قصة هناء واحدة من آلاف القصص لأسر سودانية اضطرتها ظروف الحرب للفرار إلى مصر، ثم عادت إلى الخرطوم رغم هشاشة الأوضاع. تقول هناء: 'رأيت في فيديو على فيسبوك أن المياه عادت إلى حي النزهة لأول مرة منذ أكثر من عامين. قلت في نفسي: هذا وقت العودة. أريد أن أرى أطفالي في مدارسهم مرة أخرى'.

ورغم عودة زوجها إلى السودان قبلهم، لا تزال مشاعر القلق تسكنها، وتضيف: 'سأطرق باب بيتنا بحذر. غبنا عنه أكثر من عامين. لا أعرف في أي حال سيكون'.

الدمار ينتظر العائدين في العاصمة المنكوبة

نالت الخرطوم، وخاصة قلبها التجاري، أكبر نصيب من الدمار بفعل الحرب. المباني الحكومية والمحولات الكهربائية والأسواق، جميعها تعرضت للنهب والتدمير. ومع ذلك، فإن المئات من الأسر قررت العودة رغم كل شيء.

وصلت عشرات الحافلات التي تقل نحو 800 لاجئ سوداني إلى معبر أشكيت على الحدود، بعد أن نقلهم القطار من القاهرة إلى أسوان، لتبدأ بعدها الرحلة البرية نحو الوطن.

اللجوء إلى مصر: معاناة وحنين دائم للسودان

منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، لجأ أكثر من 1.5 مليون سوداني إلى مصر، كثير منهم عبروا بطرق غير نظامية بسبب تشديدات التأشيرة. لجأ البعض إلى دعم من أبنائهم في الخليج وأوروبا، بينما اضطر آخرون للعمل في المصانع والقطاعات الخاصة المصرية.

تقديرات تشير إلى أن السودانيين ضخوا نحو 20 مليار دولار في السوق العقاري المصري خلال الحرب، سواء عبر الشراء أو الإيجار.

عودة تطوعية رغم الحرب المستعرة

رغم استمرار المعارك في السودان، فإن مئات السودانيين توافدوا إلى محطات القطارات يوم 21 يوليو، بعد إعلان هيئة السكك الحديدية عن تسيير رحلات مجانية للسودانيين بين أسوان والقاهرة، لتسهيل العودة الطوعية.

وفي الخرطوم، لا تزال خدمات المياه والكهرباء تعود تدريجيًا، إلا أن الأوضاع الخدمية ليست في أفضل حالاتها.

محيي الدين: لا يهمني النهب.. الأهم أنني عدت

عماد محيي الدين، لاجئ آخر عاد من القاهرة إلى جنوب الخرطوم، قال لـ'الترا سودان': 'منزلي تعرض للنهب بالكامل، لم يتبق سوى أشياء قليلة، لكن لا يهم. سأبدأ من جديد. على الأقل عدت إلى وطني'.

الحكومة تتعهد بالإعمار وتشغيل المطار

رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس، الذي أطلق على حكومته اسم 'الأمل'، دعا السودانيين للعودة، متعهدًا بإعادة إعمار البنية التحتية وتشغيل المطار والجسور هذا العام، في محاولة لإعادة الاستقرار تدريجيًا.

ورغم الشكوك والمخاوف، فإن العودة إلى الوطن، بكل ألمها ومخاطرها، لا تزال خيارًا يستحق المغامرة بالنسبة لكثير من السودانيين، الذين اكتفوا من الترحال والشتات، وقرروا أخيرًا أن يطرقوا أبواب منازلهم… بحذر.