اخبار السودان
موقع كل يوم -نبض السودان
نشر بتاريخ: ٢٩ تموز ٢٠٢٥
متابعات- نبض السودان
فجر حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والعسكرية السودانية، بعد تصريحاته التي أبدى فيها استعدادًا غير مسبوق للتفاوض مع قائد قوات الدعم السريع، الفريق محمد حمدان دقلو 'حميدتي'، وكذلك مع التحالف المدني الديمقراطي المعروف بـ'صمود'، الذي يقوده رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، والمناهض للحرب.
وقال مناوي صراحة: 'ليست لدينا مشكلة في التواصل مع قوات الدعم السريع إذا لمسنا منها رأيًا إيجابيًا ومعقولًا'، مشيرًا إلى أنه لا يعارض كذلك الحوار مع تحالف 'صمود'، في تحول واضح عن مواقفه السابقة التي اتسمت بالتصعيد والتشدد في معسكر الجيش.
مناوي في قلب المعركة
ويترأس مناوي حركة 'جيش تحرير السودان'، التي تعد الفصيل الأكبر ضمن مكونات 'القوة المشتركة' بإقليم دارفور، وهي قوات تقاتل إلى جانب الجيش السوداني منذ أكثر من عام ضد قوات الدعم السريع. وتضم 'القوة المشتركة' أكثر من 5 آلاف مقاتل، معظمهم من حركة جيش تحرير السودان بقيادة مناوي، وحركة العدل والمساواة بزعامة وزير المالية جبريل إبراهيم، وتلعب دورًا رئيسيًا في الدفاع عن مدينة الفاشر، آخر معاقل الجيش في شمال دارفور.
الفاشر.. نقطة الضغط
تصريحات مناوي جاءت في توقيت حساس للغاية، في ظل الحصار الخانق الذي تفرضه قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، ما دفع البعض إلى وصف خطابه الجديد بأنه أقرب إلى 'المهادنة والتصالح'، وربما محاولة للبحث عن مخرج سياسي، خشية فقدان المدينة التي تمثل مركز ثقل اجتماعي وعسكري للقوة المشتركة.
ووجه مناوي انتقادات لاذعة للجيش السوداني، متهمًا إياه بالتقاعس عن فك الحصار عن الفاشر، رغم أن قواته قاتلت إلى جانب الجيش في الخرطوم وولاية الجزيرة. وقال: 'الفاشر محاصرة لأكثر من عام، وحتى النساء والأطفال حملوا السلاح، وهي صامدة إلى الآن، لكن هناك برودًا كبيرًا من المنظومات وحتى من الدولة نفسها'، في إشارة مباشرة إلى الجيش.
مناوي يهاجم حكومة نيالا
وفي تصعيد آخر، هاجم مناوي إعلان قوات الدعم السريع تشكيل 'حكومة تحالف تأسيس' في مدينة نيالا بجنوب دارفور، ووصف الخطوة بأنها تهديد خطير وتدخل سافر في الشأن السوداني. وأكد رفضه لأي محاولة لتقسيم البلاد أو المساس بسيادتها، محذرًا من أن ذلك قد يدفع البلاد إلى مزيد من التشرذم والانقسام.
رسائل مناوي تثير المخاوف
تاريخيًا، كانت الحركات المسلحة التي تشكل 'القوة المشتركة' تضغط على مجلس السيادة للحصول على نصيبها الكامل في الحكومة، بحكم مشاركتها العسكرية ضد الدعم السريع. وسبق أن لوّح بعض قادتها بإمكانية التمرد أو الانضمام للطرف الآخر في حال لم يتم إنصافهم، في إشارة واضحة لقوات حميدتي.
تصريحات مناوي الأخيرة أعادت هذه المخاوف إلى السطح، خاصة في ظل تلميحه إلى اتصالات قديمة مع قيادات في الدعم السريع لم تنقطع حتى بعد اندلاع الحرب في أبريل 2023، وهو ما اعتبره كثيرون تهديدًا ضمنيًا قد يؤدي إلى تغيير موازين القوى في الميدان.
ترحيب من المعارضة السياسية
وفي المقابل، اعتبر بعض قادة المعارضة المدنية هذا التحول في خطاب مناوي تطورًا إيجابيًا. وكتب رئيس حزب المؤتمر السوداني، عمر الدقير، على صفحته في 'فيسبوك': 'تصريحات مناوي تمثل خطوة إيجابية في سياق البحث عن حل سلمي للأزمة الوطنية الراهنة'، مضيفًا: 'نرحب بها'.
ودعا الدقير قيادة الجيش والدعم السريع إلى استئناف التفاوض بشكل عاجل، بهدف التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، والتعامل مع الكارثة الإنسانية المتفاقمة، واتخاذ إجراءات حاسمة لحماية المدنيين.
ردود غاضبة من أنصار الجيش
من جهة أخرى، أثارت تصريحات مناوي موجة غضب واسعة بين أنصار الحكومة السودانية والموالين للجيش، الذين شنوا هجومًا ضده عبر وسائل التواصل الاجتماعي، واتهموه بالبحث عن صفقة سياسية مع الدعم السريع، وذهب البعض إلى حد القول إنه يخطط للانشقاق والانضمام إلى حميدتي.
الهجوم الإعلامي لم يكن الأول، فقد سبق لمناوي أن كشف في نوفمبر 2023 عن تواصله مع قيادات في الدعم السريع رغم الحرب، ما اعتبره كثيرون تجاوزًا للخطوط الحمراء في تحالفه مع الجيش.
الحسابات تتغير
يبدو أن مناوي، الذي يشغل أيضًا منصب رئيس اللجنة السياسية في تحالف الكتلة الديمقراطية الموالية للجيش، بدأ في إعادة ترتيب أوراقه، مدفوعًا بالمتغيرات الميدانية، وتراجع موقف الجيش في عدة جبهات، مع تصاعد الضغوط الدولية لحل الأزمة سياسيًا.
وبينما يرى البعض أن هذه التصريحات محاولة ذكية لإبقاء كل الخيارات مفتوحة، يراها آخرون علامة على بداية تصدع تحالفات ما بعد الحرب، وربما أولى إشارات الانقسام داخل معسكر الجيش.
مستقبل دارفور على المحك
إقليم دارفور، الذي ظل ساحة قتال بين الحركات المسلحة والدولة لعقود، يقف اليوم على مفترق طرق جديد، حيث يواجه خطر الانقسام والتدويل. فبين طموحات حركات مسلحة تسعى لحصة أكبر في السلطة، وقوى مدنية ترفض عسكرة الحياة السياسية، وميليشيات تتربص بالمدن، يظل مصير دارفور معلقًا على خيط تفاوض هش.